الإقليم بلا قوة:
النفط بين ضعف حكومة أربيل وقوة الدول والشركات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
منذ أول قطرة نفط استُخرجت من جبال كردستان، يعيش الشعب بين السراب والوهم، بين وعود الثراء وحقائق الفساد، بين عقود ضخمة مع شركات أجنبية واتفاقيات طويلة مع تركيا ووسطاء لا يعرفون الرحمة. أصبح النفط ملكاً لمن يملك النفوذ والسياسة، بينما المواطن الكردي يئن من ارتفاع الأسعار، وانعدام الرواتب، وتوقف المشاريع. ثرواته تُنهب أمام عينيه، والسلطة الفعلية ضائعة بين أحزاب مستفيدة ودولة إقليمية قوية وضغوط دولية. حان الوقت لكشف الحقيقة ورفع الصوت بكل قوة، لتعرف كل امرأة وكل رجل وكل شاب في كردستان أن النفط ليس مجرد سلعة، بل قضية كرامة وعدالة ومستقبل مشرق لا يسرقه أحد.
لقد ربط إقليم كردستان، وأقصد إدارتي أربيل والسليمانية معاً، نفسيهما باتفاقيات أكبر من حجمهما السياسي والقانوني مع دول وشركات لا ترى فيه سوى مصدراً سهلاً للربح. فالإقليم ليس دولة ولا يمتلك الأدوات القانونية ولا القوة الاقتصادية للضغط على تركيا أو الشركات الأجنبية. في المقابل، وبالرغم من كل مآخذها، تبقى الحكومة الاتحادية في بغداد دولة تمتلك القانون والدبلوماسية والقدرة على التحكيم الدولي. وقد ظهر ذلك جلياً حين انتصرت بغداد في محكمة باريس، وحكمت الأخيرة بتغريم تركيا ملياراً ونصف المليار دولار لأنها خرقت الاتفاق النفطي، وأن هذا الانتصار القضائي لم يكن مجرد حكم، بل رسالة واضحة بأن من يملك شرعية الدولة هو من يملك السيادة على الثروة.
وبما أن هذا الحكم القضائي أغضب تركيا، فقد أعلنت مؤخراً إلغاء اتفاقية خط كركوك &- جيهان الموقعة منذ عام 1972، ولكن هذا لن يغيّر من الأمر شيئاً، فالعراق دولة لها خبراؤها، يستطيع أن يجد منافذ أخرى، سواء عبر سوريا أو الأردن أو المملكة العربية السعودية.
وبالرغم من كل ذلك، أتى بصيص من الأمل في آب (أغسطس) 2025، حين توصلت حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية إلى اتفاق جديد يسمح بتصدير نفط كردستان عبر تركيا، لكن هذه المرة تحت إشراف الهيئة الاتحادية لتسويق النفط (SOMO)، بحيث تُخصّص خمسون ألف برميل يومياً للاستهلاك الداخلي في كردستان. ورغم هذه الكمية الكبيرة، فإن الأسعار لا تزال مرتفعة كما كانت من قبل.
وما لفت انتباهي منذ عدة سنوات، عندما كان الدكتور أشتي هورامي وزير الثروات والموارد الطبيعية، حين قال: حتى لو وصل سعر برميل النفط إلى 150 دولاراً فالشعب لن يستفيد شيئاً. فهذا التصريح إن دلّ على شيء، فهو الإقرار والتأكيد بأن العقود جرى توقيعها بأسعار ثابتة لا تتجاوز 16 دولاراً للبرميل. ويأتي دور رجل الأعمال الباكستاني مرتضى لاخاني، المعروف بعرّاب نفط كردستان، الذي اعترف بصراحة أنه كان يحصل على مليون دولار عن كل شحنة شهرياً، بينما الشعب الكردي يئن من الغلاء والحرمان.
وحتى قبل أن تبدأ الخلافات بين بغداد وأربيل، كانت الأسعار في المحافظات الأخرى 450 ديناراً، بينما في كردستان 500 دينار، والسبب لم يكن اقتصادياً بل فساداً متجذراً.
وفي رأيي الشخصي، لقد أحسنت حكومة إقليم كردستان عندما قررت أخيراً تسليم الملف النفطي إلى بغداد، لأنها لم تعد قادرة على الخروج من هذا المأزق المعقد، ولأنها لا تستطيع الضغط على تركيا ولا على الشركات الدولية. المتضررون الوحيدون من هذا الاتفاق هم السماسرة والمستفيدون من الفساد، أما الشعب فهو الرابح الحقيقي، لأن عائدات النفط ستعود إلى الخزينة الاتحادية تحت إشراف الدولة والقانون، لا تحت أيدي التجار والمحتكرين.
لم أكتب دفاعاً عن بغداد، فهي أيضاً غارقة في الفساد حتى النخاع، لكنها تبقى دولة تعرف كيف تحمي حقها. وكانت خطوة حكيمة وذكية حين سلّم إقليم كردستان ملف النفط إلى الحكومة الاتحادية، فالشعب لم يرَ أي فائدة من هذه الثروة لعقود بسبب الفاسدين والسماسرة الذين استنزفوا النفط وتركوا المواطنين يعانون من ارتفاع الأسعار، وانقطاع الرواتب، وحياة صعبة. كانت حكومة الإقليم ضعيفة بلا قدرة على الضغط على شركات النفط العالمية أو دول مثل تركيا، لأنها ليست دولة ولا تملك القوة السياسية أو الاقتصادية الكافية. صحيح أن بعض الأشخاص والسماسرة سينزعجون ولن يكونوا سعداء بهذه الخطوة، لكن الحقائق واضحة: المصلحة العامة للشعب فوق كل اعتبار، وأن حكومة الإقليم بهذا القرار أخرجت نفسها من عبء إدارة النفط ومسؤولية الرواتب ومصاريف المشاريع، ووضعت الملف في يد الدولة التي تمتلك الخبرة والقدرة على حماية الثروة وإدارة العدالة الاقتصادية.