فضاء الرأي

هل التبعية الأيديولوجية خيانة للوطن؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

التبعية الأيديولوجية ليست خيانة للوطن، ومن الخطأ الخلط بين الوفاء للوطن والوفاء للأيديولوجيا. الانتماء الأيديولوجي حق طبيعي لأي إنسان حر مهما كانت هذه الأيديولوجية، حتى لو كانت نفس الأيديولوجية التي يؤمن بها العدو، ما لم تكن هذه التبعية مصحوبة بضرر للوطن. للأسف، مجتمعاتنا مبتلاة في خلط المفاهيم، وهذا الخلط خلق حالة من الفتنة والفوضى الفكرية والاجتماعية، فأصبح أبناء البلد الواحد يتهم بعضهم الآخر بالخيانة والتبعية. يجب أن يؤمن الجميع بأن الاعتقاد حق شخصي ومجتمعي، حتى لو وجد تنظيم سياسي له اعتقاد أيديولوجي تبعي، فليست بالضرورة أن تكون إشارة إلى الخيانة.

في عالمنا اليوم، نرى أنظمة سياسية في بعض الدول تابعية في أيديولوجيتها، بل حتى في سياساتها لدول أخرى، لكنها لم تفرط بولاءاتها للأوطان واستطاعت أن تجعل الأولوية لبلدانها. فهي تبني بلدانها بناءً راقيًا وتحافظ على وحدة بلدانها وتنقل بلدانها وشعوبها إلى مصاف الدول المتقدمة، في الوقت الذي نكيل عليها التهم بأنها أنظمة عميلة وخانعة وخائنة. تلك هي القياسات الخاطئة. عندما تكون قياساتنا خاطئة، فإن نتائج تقييمنا ستكون كارثية، لأن قدرة رؤيا السلوك عندنا شبه معدومة في التقييم.

الوفاء للوطن وخدمة الوطن هو المقياس الوحيد للخيانة أو عدمها، وهذا ما نستطيع رؤيته وتمييزه في الدول الغربية عندما يترأس هرم السلطة من يحمل أيديولوجية دولة معادية، لكنه يعمل بكل إخلاص لوطنه.

اليوم، وبعد انتهاء الانتخابات العامة في العراق، نقف أمام حقيقة ثابتة وهي أن غالبية الأحزاب والكيانات والشخصيات الفائزة في الانتخابات لها أيديولوجيات تابعة لمحاور إقليمية ودولية. فهل تستطيع هذه الأحزاب والكيانات أن تثبت للجميع بأنها لا تخلط بين الولاء الوطني والولاء الأيديولوجي؟ ذلك هو الاختبار الصعب.

من المعروف لكل ذي لب أن الدول المتجاورة تكون بين شعوب هذه الدول وشائج وترابط لا تحجبها الحدود الجغرافية، فحتماً ستكون ثقافاتها وعاداتها متداخلة ومتقاربة، وبالتالي ستكون عقائدها وأيديولوجياتها متشابهة أو مترابطة إلى حد الأخوة. فمن يعتقد بأن هذا التداخل الأيديولوجي سبب كافٍ للطعن والتنكيل بوطنية هؤلاء فهو من الجاهلين.

كلنا نعلم بأن الكورد لهم أيديولوجية قومية استقلالية وهم متمسكون بها بلا أدنى شك، وبالرغم من ذلك، أبوا إلا أن يجعلوا مصلحة العراق فوق مصلحة أيديولوجيتهم، نظرًا لحساسية الظرف الذي يمر به البلد، فأعلنوا أنفسهم كورقة انتخابية لكل العراقيين. وهذه هي الوطنية التي نتمنى أن يقتدي بها الجميع.

وأخيرًا، ليست الأيديولوجيات من تبني البلدان، بل حب الأوطان هو الرهان الحقيقي لأبنائها. نحن أمام مرحلة مهمة ستخرج فيها النوايا للعلن، وسيثبت فيها من هو جاد في خدمة وطنه عن الذي لا يعرف معنى حب الوطن.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف