هل تغيير الديانة يفيد الإنسان:
الحقيقة التي لا يريد أحد أن يرويها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كيف يمكن لإنسان بسيط أن يبحث عن الله بين لغات لا يعرفها وكتب لم تُكتب لسانًا ولا ثقافةً له، وكيف يُنتظر منه أن يترك حياته ليغوص في معاجم وتفاسير وطقوس لا تمتّ لعالمه بصلة، ثم يُحاسَب إن لم يصل إلى الحقيقة التي يراها الآخرون؟ هل أراد الله الهداية طريقًا معقدًا أم أنّ الحقيقة أبسط وأقرب مما يتصوّر الناس؟
تخيّل رجلًا يأتي من الصين ويقول لك إنّه رسول الله إليك، وهذا كتابه بالصينية، وأنّ عليك أن تؤمن به لأنه لا رسول بعده. فهل ستتخلى عن عملك وحياتك لتتعلّم لغة جديدة أم ستتراجع وتقول إنّ هذا لا يعنيك؟ وكيف لمن لم يُولد في بيئة اللغة أن يفهم الرسالة؟ وكيف يُلقى على إنسان عبء البحث بين لغات غريبة وكتب عدّة وديانات متشابكة وكلّها تدّعي أنّها الحق؟
لكن الله أوضح الحقيقة منذ البدء حين قال: ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض جميعًا أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين. وقال: لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ. وقال: وليس لك من الأمر شيء. ليؤكّد أنّ الإيمان لا يمكن فرضه، وأنّ الهداية بيد الله وحده، وأن الطريق إليه لا يمر عبر الإكراه ولا عبر التعقيد، بل عبر القلب الصادق والرحمة الإلهية الواسعة.
تأمل الأرض اليوم: ثمانية مليارات إنسان، يعيش معظمهم أحرارًا مقابل عدد قليل من السجناء، وحتى هذا المثال الإنساني المحدود يشير إلى أنّ الأصل هو الحرية. فكيف برحمة الله التي وسعت كل شيء؟ وبحسب فهمي للتنزيل الحكيم وما طرحه الدكتور محمد شحرور، فإن أغلب البشر يدخلون في رحمة الله، وأنّ جهنم نفسها تشتكي قلة الداخلين إليها حين تقول: هل من مزيد، وهذا دليل على أنّ باب الرحمة أوسع بكثير مما يتخيله البعض.
ويُفرق الله بين الفرقان الذي أنزله نذيرًا للعالمين، وبين القرآن الذي جعله رحمة للعالمين. فالفرقان هو مجموعة الوصايا الأخلاقية الكبرى التي تظهر في كل الديانات بأسماء مختلفة؛ فهي في اليهودية وصايا عشرة، وفي المسيحية حكمة، وفي الإسلام صراط مستقيم، وفي الإيزيدية مصحفا ره ش، وفي غيرها أسماء أخرى. لكن الجوهر واحد: قيم إنسانية تحفظ كرامة البشر وتجمعهم تحت رحمة الله مهما اختلفت دياناتهم.
ولهذا، فإن انتقال شخص من دين إلى آخر لا يعني الوصول إلى الحق ما لم يحمل في قلبه قيم الإنسانية التي أرادها الله. فالديانة لا تشفع لصاحبها إن كان خاليًا من الصدق والأمانة والرحمة والعمل الصالح. وهذا ما أكده الله حين قال: من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلهم أجرهم عند ربهم. وقال: فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره. وهذه الآيات تكشف أنّ النجاة ترتبط بالعمل لا بالهوية الدينية.
وقد أنزل الله في كتابه أكثر من ألف وخمسمئة آية تتحدّث عن الأخلاق مقابل أقل من ثلاثمئة آية عن العبادات، لأن العبادة علاقة فردية بين الإنسان وربه، أما الأخلاق فهي ما يبني المجتمعات ويقيم العدل ويقوم عليه ميزان الرحمة الإلهية.
وفي النهاية، لو أراد الله أن نكون متشابهين لخلقنا كذلك، لكن اختلافنا دليل على أن الله يريد منا أن نحترم هذا الاختلاف، وأن نؤمن بأن الطريق إليه لا يمر عبر التعصب أو تغيير الديانة أو الغوص بين عشرات الكتب واللغات، بل عبر قلب يعرف الخير ويصنعه، وقيم يعيش بها الإنسان كل يوم. فالرحمة الإلهية واسعة، لا تحدها لغة ولا وطن ولا دين، والحق يصل إلى كل إنسان حين يفتح قلبه للصدق والإحسان والأمانة وحسن الجوار. فهذه هي أبواب الهداية التي وضعها الله للجميع.
وهكذا ندرك أن تغيير الديانة ليس هو الطريق ولا هو الهدف، بل إنسانية الإنسان هي التي تحدد مكانه، وأن النور الإلهي يصل لمن يستحقه مهما كان اسمه أو دينه. وهذه هي الحقيقة التي لا يريد أحد أن يرويها.