اقتصاد

في الذكرى الخامسة لرحيله ضاع الطريقى فى متاهات عبد الناصر وخرج من الوزارة مطرودا

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تواصل "إيلاف" في هذه الحلقة عرضَ نهاية المرحلة الأولى من حياة الطريقي العملية الوظيفية، والتي أشارت "إيلاف" إلى أنها تبدأ من عودته من أمريكا، وانخراطه في العمل، وحتى إعفائه من منصبه الوزاري، كما عرضت "إيلاف" لأهم إنجازات الطريقي، من خلال عمله الدؤوب لتحقيق ريع أعلى لحكومة بلاده، ودروه في تأسيس منظمة الأوبك، وغيرها.الطريقي ممسكا بغزال
إلا أنه من الجدير بالذكر، أن هذه النجاحات لم تكن لتتحقق للطريقي، لولا الدعم الذي وجده من حكومة بلاده، فهي التي ابتعثتهُ ضمن أول دفعة سعودية تغادر إلى القاهرة، والملك عبدالعزيز، بنفسه هو الذي وجّه بابتعاثه إلى أمريكا، كما مرّ ونشرنا وثيقة ابتعاثه،& ثم قيام الحكومة بإعطائه كافة الصلاحيات وتخويله في التفاوض مع الشركات النفطية، بعد عمله مسؤولاً عن شؤون النفط، وقيامه بتعيين الكفاءات الشابة للعمل معه في إدارة شؤون الزيت.
جهود الطريقي وأعماله وتفانيه وإخلاصه، كانت محل تقدير وإعجاب المسؤولين في حكومة بلاده، الذين توّجوا جهوده بتعيينه وزيراً للبترول والثروة المعدنية، في التشكيل الوزاري الذي أصدره الملك سعود، في كانون الأول(ديسمبر) 1960م وذلك كأول وزير يتولى حقيبة وزارة البترول، بعد استقلال إدارة شؤون الزيت، من وزارة المال والاقتصاد .
مع مطلع القرن العشرين، برزت فكرة الوحدة العربية والدعوة إلى قيام دولة عربية واحدة، على يد عددٍ من الكتاب العرب، من أمثال الكاتب اللبناني نجيب عازوري، وجورج انطونيوس، ثم أنها تطورت وتبلورت، قريباً من منتصف القرن، إلى اتجاهات سياسية وأيديولوجية محددة، كحزب البعث في العراق وسوريا والحركة الناصرية في مصر، تحت مظلة "حركة القوميين العرب" التي هي امتداد عميق لكتائب الفداء العربي، التي تأسست في عام 1949م ، وقد انخرط عددٌ من الشباب بمختلف الأقطار العربية، في تنظيمات هذه الحركة وخلاياها النشطة، وبعد العدوان الثلاثي على مصر 1956م برزت شخصية عبدالناصر، كرمز& قومي عربي، وكان للوحدة التي تمت بين مصر وسوريا تحت مسمى "الجمهورية العربية المتحدة" 1958م دورها في تغذية الشعور القومي لدى القوميين العرب، فتحولت الحركة إلى أداة طوعية لهذه الجمهورية المتحدة، التي رأى القوميون العرب أنها بداية تشكُّل دولتهم العربية، التي يطمحون إلى إقامتها، على إنّ التغيّر المهم في حركة القوميين العرب، حدث على إثر الانفصال السوري عام 1961م حينما جرى إعادة تشكيل الحركة في فضاء المجرى الناصري، كمنظمة اشتراكية عربية طليعية! .
ولم يكن السعوديون بمنأى عن تلك التيارات التي عصفت بالمنطقة العربية، فكان لعددٍ منهم أن تأثروا بتلك التيارات والحركات، خصوصاً التيار الناصري، وقد انحاز الشيخ عبدالله الطريقي وانتمى للناصرية وأحلام دولة الوحدة العربية بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر،& فكان قومياً عروبياً ناصرياً، أخلص لقوميته ولمبادئه العروبية، ويؤكد ما ذهبنا إليه، الطريقي نفسه، من خلال مقالاته التي طرح فيها أفكاره وآراءه، والتي دعا فيها بشكلٍ جلي إلى الوحدة العربية، والتي ستتناولها "إيلاف" في حلقةٍ مستقلة نقرأ من خلالها فكر الطريقي، كما يتضح ذلك جليّاً من مقالات الذين كتبوا عنه بعد رحيله، والذين أشاروا إلى قوميته الناصرية .&
ليست هذه الحلقة تتبعاً لسيرة الطريقي الأيديولوجية والحكمُ عليها، بقدر ما أننا إزاء عرضٍ مبسط لسيرته العملية، لنقول أن الطريقي بعدما تولى وزارة البترول، تحوّل من خبير بشؤون النفط، وباحثٍ متخصص، إلى سياسي، منافح ومدافع عن مبادئه القومية الناصرية، وهو الذي عُرف عنه حدّته وسرعة انفعاله، كما يقول روبرت ليسي !.
في تلك الفترة ( قبل الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958م ) كانت العلاقات السعودية- المصرية على وفاقٍ تام في مواجهة حلف بغداد، إلا أنها تعرضت للاهتزاز على إثر قيام الجمهورية العربية المتحدة، وانضمام مملكة اليمن إلى الجمهورية المزعومة في إطار اتحاد الدول العربية، ثم قيام النظام الناصري بشن الحملات الدعائية ضد المملكة العربية السعودية، الأمر الذي تحول فيه القوميون العرب في الجزيرة العربية إلى أداة طوعية للاستراتيجية الناصرية في تلك المرحلة الحرجة، لذلك فإنه من غير الممكن أن يقوم مسؤول سعودي رفيع بالتعاطف مع المدّ الناصري وتأييد نظامه، ووفقاً لحديث السيد أحمد محمد طاشكندي، في حوارٍ أجرته معه "إيلاف" ينشر في حلقة قادمة، فإن الطريقي قد تجاوز المفصل في ناصريته، تجاوز الوطن إلى عروبيته، حتى وصل به الأمر، كما يقول طاشكندي، الذي عمله سنوات طويلة، إلى نهيهِ لموظفيه في الوزارة، من أن يفتخروا بوطنهم "السعودية"! وأن يتجاوزا القطرية إلى العروبة، ويُشير الخبير عاطف سليمان، الذي عمل هو الآخر مع الطريقي، إلى الحديث الحماسي للطريقي، وهو يتحدث لموظفيه، على إثر لقائه بجمال عبدالناصر، ومدى انبهاره بشخصية الزعيم المصري، كما أشار عاطف سليمان إلى الهلع الذي أصاب الطريقي حينما بدأت تتواتر الأنباء عن حركة انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة، وقد عدّها الطريقي كارثة قومية، ويُشير الدكتور وليد خدوري أن الطريقي كان قومياً في عصر طغت فيه شخصية وزعامة الرئيس جمال عبدالناصر، وكان تفكير الطريقي ينصبُ حول مركزية مصر في السياسة العربية وأهميتها كعماد أساسي للنهضة العربية الحديثة.
&قومية الطريقي العروبية، جعلته يفضل العرب على السعوديين، في التعيين بوزارة البترول، وقبلها إدارة شؤون الزيت، والمطالبة بمنحهم الجنسية السعودية، وفي ذلك يقول الدكتور وليد خدوري: (كما اهتم الطريقي بتعيين الشباب العربي المتخصص لمساعدته في عمله، وقد تبوأ البعض منهم مناصب عليا في صناعة نفط المملكة حتى تقاعدهم مؤخراً وتوزع البعض الآخر في مختلف البلدان العربية حيث عملوا في صناعة النفط المحلية، ويروى أيضاً أن الشيخ الطريقي حمل معه قائمة بأسماء عدد من الأشخاص معظمهم من الفلسطينيين من الذين استقطبهم للعمل في القطاع النفطي السعودي، وطالب بمنحهم الجنسية السعودية في أول اجتماع وزاري حضره في الرياض، ومن هؤلاء الأشخاص السادة خضر حرز الله ، وفاروق الحسيني وجواد السقا وحسن تيم وعاطف سليمان) .
&ويذكر فؤاد زيدان أن الطريقي ساهم في توظيف خبراء النفط العربي، وتكوين جبهة علمية ومعرفية ثم جبهة سياسية! باتجاه تحرير النفط العربي وتصحيح مساراته! وقد جوبه الطريقي بهذه التهمة، وهي محاباة العرب، على حساب السعوديين، وتوظيف الأجانب في مراكز حساسة، وعدم إتاحة الفرصة لأبناء البلاد، في حوارٍ أجرته معه صحيفة الخليج العربي، سبتمبر 1961م وقد أجاب عنها بأن لا أحد ينكر ندرة الكفاءات السعودية في مجال البترول، وأنه ليس من المعقول أن نجابه رجالات الزيت الذين يعملون في الشركات النفطية والذين يحملون أرقى الشهادات، بحملة شهادات الابتدائي .& &
هذا الحيف من الطريقي، إن صح التعبير، قاده إلى طريقٍ مسدود، مع حكومته التي حلّت الوزارة التي تم تشكيلها في ديسمبر 1960م، وأعلنت وزارة جديدة برئاسة الأمير فيصل بن عبدالعزيز، وذلك بتاريخ 15 آذار مارس 1962م وخرج الوزير الطريقي، الذي مكث وزيراً للبترول، لمدة سنة وأربعة أشهر، وحلّ مكانه الدكتور أحمد زكي يماني، الأكثر اعتدالاً، على حد تعبير روبرت ليسي، وقد أشارت الدكتورة مضاوي الرشيد إلى أن من أهم أسباب إبعاد الطريقي عن وزارته مشاعره القومية التي بدأت تتعاظم في نفسه وليبراليته المتجاوزة .
&بخروج الطريقي من الوزارة، انتهى دوره عملياً في صناعة النفط وإرساء دعائمه، ليأخذ منحىً آخر، وهو ما وصفته "إيلاف" بالمرحلة الثانية من حياة الطريقي، وذلك حينما قرّر طواعيةً مغادرة البلاد السعودية، ليعيش في المنفى متنقلاً بين عددٍ من العواصم العربية، ليتفرغ للكتابة النفطية والنشر، من خلال إصداره لمجلتين نفطيتين متخصصتين، وليعمل مستشاراً نفطياً في عددٍ من الدول العربية، وهو ما ستتناوله "إيلاف" في الحلقات القادمات من هذا الملف.
&
الحلقة الأولى: مولده ونشأته
&
الحلقة الثانية:
وزير النفط السعودى الذى بدا كشافا
الملك عبد العزيز اوفد الطريقى الى اميركا
&
&&
الحلقة الثالثة:
المشاركه من البئر الى السيارة
قصة العداء بين ارامكو الاميركيه
والوزير السعودى

&
الحلقة الرابعة
الطريقي ودوره في تأسيس الأوبك!
&
الحلقة الخامسة
عبدالله الطريقي يحرج الجاسر ويكاد يغلق صحيفته!
نصائح الى المتخرج الشاب عن المتسلقين واعداء النجاح تحرج الحكومة
&
الحلقة السادسة
&في الذكرى الخامسة لرحيله
ضاع الطريقى فى متاهات عبد الناصر وخرج من الوزارة مطرودا


saif@elaph.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف