إيلاف- محمد السيف: في عام 1948م الموافق 1367هـ، والحرب العالمية الثانية تضع أوزارها، عاد الشاب عبدالله الطريقي إلى أرض وطنه، بعد أن أنهى بعثته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بنجاحٍ وتفوق، فعادَ إلى بلاده يحملُ شهادة الماجستير في الهندسة الجيولوجية، عاد وهو أكثرُ نشاطاً وحيويةً- كما يقول- متطلعاً إلى اليوم الذي يخدم فيه بلاده.

ما إن عاد الطريقي إلى أرض الرياض، حتى ذهب إلى وزارته التي ابتعثته "وزارة المالية" لينخرط فيها موظفاً، وما أن قابل وزيرها الشيخ عبدالله السليمان، إلا ويكلفهُ في عملٍ هو أقرب ما يكون إلى تخصصه وتعليمه، إذ رأى الوزير أهمية وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فانتدبه للعمل مسؤولاً عن مكتب مراقبة حسابات الحكومة على الدخل النفطي من شركة أرامكو في الظهران من المنطقة الشرقية بالسعودية، وبهذا العمل بدأ الطريقي رحلته في مجال الصناعة النفطية، وهي رحلة طويلة وشاقة وممتعة، وجد الطريقي فيها نفسه، فأخلص العملَ والقولَ وصدق نفسه ودولته ومجتمعه، وأسدى النصيحة وقدّم التجربة، ولم تخل رحلته العملية من متاعب ومنغصات، إذ واجه معارك داخلية وخارجية، مع الشركات النفطية، إلا أنه ما وهِن ولا استكان، لقناعته التامة بأنه يعمل لما فيه صالح بلاده.

&يُعلّق المحامي الدكتور عبدالعزيز الدخيّل، وكيل وزارة المال السعودية سابقاً، ورئيس المكتب الاستشاري للاستثمار والتمويل بالرياض، عن عودة الطريقي إلى وطنه، ومدى حاجة الوطن إلى شابٍ متعلم مثله، في مذكرةٍ أمدّ بها "إيلاف" فيقول: "عاد عبدالله الطريقي إلى وطنه، ووطنه في أشد الحاجة إلى مواطن متعلم مخلص توكل إليه شؤون الزيت وتنظيم العلاقة مع شركات البترول العالمية، فوجدت حكومة المملكة العربية السعودية في الرجل مطلبها وسلمته الزمام، فأصبحت شريكة في العطاء لأنها صاحبة القرار " وعن الطريقي ومدى شوقه للعمل، يقول الدكتور الدخيّل في مذكرته " الطريقي من جانبه عاد وهو في أشد الشوق للعمل والعطاء الفني، المعرفة التي اختزنها من مصادرها العلمية، والوطنية المؤسسة على الأمانة الأخلاقية والمالية كانت مبادئه ومرتكزاته، لم يكن من أصحاب الأيدلوجيات اليمينية أو اليسارية، المستوردة أو المهجنة رغم انتشارها ورواج سوقها آنذاك، بل كان وطنياً مخلصاً لأهله وأمته جدول أعماله من حاجة بلاده، وسياساته لصالح وطنه " .
&ولا بدّ من الإشارة إلى أن الطريقي، أًصيب مع عودته من أمريكا بخيبة أمل شديدة، ممّا شاهده من بعض المظاهر الاجتماعية، التي صعُبَ عليه أن يتأقلم معها، مما كان له الأثر على تكوين شخصيته، وهذا ما عبّر عنه في مقالة ذات جرأة، نشرها في مجلة اليمامة، وستُفرد لها "إيلاف" حلقة كاملة،& ويُمكننا في "إيلاف"& تقسيم رحلة الطريقي العملية مع صناعة النفط وإرساء دعائم الفكر الوطني البترولي ووضع لبنات مؤسسة نفطية شامخة، إلى مرحلتين، هما:

المرحلة الأولى : وتتمثل في عمله الإداري، من عودة من أمريكا وعمله مراقباً لشؤون النفط في وزارة المالية، وحتى إعفائه من منصبه كوزير للنفط والثروة المعدنية في آذار/ مارس 1962م وتشمل هذه الفترة دوره الرائد في تأسيس منظمة الأوبك، مع زميله وزير النفط الفنزويلي عام 1960م .

المرحلة الثانية : وتتمثل في عمله الاستشاري لعددٍ من الدول العربية المنتجة للنفط والغاز الطبيعي، وكتاباته وتقاريره وإصداره لمجلات متخصصة بشؤون النفط والمعادن، وهذه المرحلة تمتد من عام 1962م وحتى أواخر السبعينات تقريباً، عندما تفرغ لشؤونه الخاصة ولشؤون أسرته الصغيرة، فعاد من بيروت إلى الرياض، ثم غادر الرياض، وأتخذ من القاهرة مسكناً له لمتابعة دراسة ابنته (هيا) الطالبة في كلية العلوم القاهرية.

تتناول "إيلاف" في هذه الحلقة، المرحلة الأولى التي تمثلت بعمله الإداري، منذُ أن بدأ العمل مراقباً على حسابات الحكومة السعودية، ثم ترقيته ليكون مسؤولاً عن قطاع النفط في وزارة المالية، وذلك في عام 1954م الموافق 1374هـ، عندما صدر القرار بتعيينه مديراً عاماً لشؤون الزيت والمعادن بجدة، ثم أضاف إلى هذا المنصب عضويته في مجلس إدارة شركة أرامكو، إلى جانب السفير حافظ وهبة، ليكونا بذلك أول سعوديين يدخلان مجلس إدارة شركة أرامكو، وذلك في عام 1959م الموافق 1379هـ، ثم قيام الحكومة السعودية بسلخ إدارة الزيت والمعادن من وزارة المالية، واستقلالها كوزارة مستقلة، وتعيين الطريقي كأول وزير للنفط والثروة المعدنية بالمملكة العربية السعودية، وكان ذلك في 21 كانون الأول ديسمبر 1960م ليستمر في العمل وزيراً مدة عام وأربعة أشهر، حيثُ أعفي من منصبه في 15 آذار مارس 1962م.
&
وخلال هذه المرحلة المهمة من حياة الطريقي العملية، استطاع أن يُسهم مساهمةً كبيرة في العمل لزيادة دخل حكومته من عائدات النفط، وكان له دور بارز في إرساء دعائم الفكر البترولي والعمل الإداري المنظم، ومساهمته وحرصه على صنع قيادات سعودية شابة، على مستوى من التعليم والتدريب والكفاءة، من أمثال هشام ناظر وزكي يماني وغيرهما، وبعد عمل الطريقي في مراقبة حسابات الحكومة على شركة أرامكو، يذكر خبير البترول الأستاذ عاطف سليمان، أنه سرعان ما بدأت تتكشف له مساوئ الإطار القائم حينذاك، للعلاقة بين الشركة البترولية العاملة في البلاد والحكومة المضيفة، ومنذ وقت مبكر بدأ يتمرد على بعض جوانب هذا الوضع ويشعر بضرورة إدخال التعديلات عليه، وبدا واضحاً أن هذا المهندس الشاب لن يقنع بالقيام بمجرد دور فني تقليدي، كمهندس بترول، كما كان متوقعاً منه، ضمن إطار العلاقات بين الحكومة والشركة البترولية سبق رسمه ولا ينبغي المساس به، ولكنه يطمح في أن يدخل التغيير على ذلك الإطار المرسوم نفسه، ويُشير المؤرخ روبرت ليسي،& إلى أنه في منتصف الأربعينات كانت شركة أرامكو تطبق نوعاً من التفرقة بالنسبة لترتيبات السكنى التي كانت توفرها، وعلى الرغم من أن الطريقي وصل في نهاية المطاف درجة عالية في السلك الوظيفي تخوله الدخول إلى الأماكن التي كانت محظورة على غير الأمريكان، إلا انه في البداية كان قد أعطى سكناً من الدرجة الثانية، على حد قول ليسي.
&
&ويفصّل ليسي في أسباب الخلاف الذي نشب بين الشركة والطريقي، في أن& أرامكو كانت تضخ البترول من الحقول السعودية السهلة والرخيصة دون أن يكون لها سياسة طويلة الأمد لموازنة استنفاد الحقول وعملت على إحراق الغاز الطبيعي الذي يصاحب عادة عمليات استخراج البترول وسبباً في إهداره في الوقت الذي كان فيه الطريقي يرى أن هذا الغاز هو ثروة طبيعية ثمينة من الواجب استثمارها.

وعلى الرغم من شكاوي الطريقي، إلا أن الشركة تعمدت الاستخفاف بالشكاوى التي قدمها الشاب العربي الغاضب بخصوص حرق الغاز وخفّت في معرفته بالهندسة البترولية، ووصفتها بأنها سطحية، ويذكر ليسي أنه حينما سأل القنصل الأمريكي في الظهران شركة أرامكو بصورة سرية فيما إذا كان السعودي المشاكس على حق فيما ذهب إليه، اعترفت بأن الطريقي كان إلى حدٍ ما على حق فيما ادعاه من الناحية النظرية وعلى المدى الطويل، أضف إلى ذلك أن أرامكو كانت تقتسم الأرباح مع الحكومة السعودية، وكان تقسيم الأرباح يتم بعد احتساب المصاريف، وجاءت المسألة التي شكلت خطراً أكثر وهي نسبة التخفيض التي كانت أرامكو تمنحها للشركات الأم،& والتي تصل إلى 18% ، غير أن عبدالله الطريقي، وفقاً لرأي روبرت ليسي، اكتشف نتيجة للحسابات التي قام بها أن ارامكو تخفض حصة حكومته من أرباح السوق الحقيقية من المناصفة (50إلى 50 ) إلى ما نسبته ( 68 إلى 32 ) لصالح الأمريكان، لذلك كرس الطريقي جهوده لاسترداد ما تتمتع به أرامكو وشركاتها الأم من منفعة، وكان يطمح للحصول على مشاركة الحكومة في كل مرحلة من مراحل إنتاج البترول وتسويقه، وكان شعاره من "البئر إلى السيارة".

&في تلك الفترة، كان هناك وفدٌ فنزولي يجوب الأقطار الشرقية المنتجة للنفط، حاملاً معه أفكاراً جديدة تتعلق بشؤون النفط، راغباً في مناقشتها مع القائمين على النفط الشرقي، من ذلك مثلاً إنهاء المنافسة المحمومة، في أسعار النفط الفنزولي والنفط الشرقي، والتي تصبُ في صالح الشركات العاملة، وتلحق الخسائر بالدول المنتجة، إلا أن الوفد الفنزولي، الذي رغب في زيارة السعودية، لم يتمكن من ذلك نظراً لتدخل أرامكو، إلا أن الطريقي كان له رأي آخر عندما حلّق بالجو، مسافراً بنفسه إلى كراكاس! ليلتقي في الوفد في عُقر داره!

&يقول روبرت ليسي في عام 1951 سافر الطريقي إلى فنزويلا وأقنع وزير المالية عبدالله السليمان بتوفير المال اللازم للرحلة التي قال أن الهدف منها التعرف على الكيفية التي استطاعت بموجبها أكثر البلدان المصدرة للبترول في العالم تقدماً من الحصول على صفقة منصفة من الشركات، وقد توصل إلى حقائق مذهلة، ويُشير الخبير البترولي عاطف سليمان، إلى أهمية الزيارة التي قام بها الطريقي إلى فنزويلا، حيث أطلع على معالم الوضع البترولي هناك ومختلف جوانب العلاقات بين الحكومة والشركات البترولية، هذه الزيارة فتحت عيني الشيخ عبدالله على كثير من الجوانب الإيجابية في إطار العلاقات بين الحكومة هناك والشركات البترولية والتحسينات الكثيرة التي حصلت عليها فنزويلا بالمقارنة مع الوضع السائد في البلدان العربية المنتجة للبترول ومن بينها السعودية.
&
&يُعلق الطريقي على أسباب دعوته إلى إعادة النظر في الاتفاقيات المبرمة مع الشركات، إلى أن الاتفاقيات قد تمت في ظروف لم تكن مواتية، ولم يكن للنفط آنذاك ذلك الدور الذي يمثله اليوم، ولم نكن ندرك حقيقة ما لدينا من ثروات طبيعية، ويذكر الطريقي أن أغلب الدول العربية كانت خاضعة للاستعمار، ففرضت عليها الاتفاقيات، وقد آن الأوان لإعادة النظر فيها، حيثُ أن العائدات لم تعد كافية لمسايرة تزايد عدد السكان وتطوير المجتمع!
&
&ولقد حاول الذين استقرأوا حياة الطريقي وكفاحه الطويل من خلال عمله الإداري ومقالاته ودراساته وآرائه وأفكاره، أن يتوصلوا إلى تقييم موضوعي لجهود وعطاءات الطريقي، ومن أولئك الدكتور عبدالعزيز الدخيّل، رئيس المكتب الاستشاري للاستثمار والتمويل بالرياض، الذي كتب دراسة وافية، على إثر رحيل الطريقي، وتُعدُ دراسة الدخيّل أول دراسة تتناول الطريقي، وقد عنونها بـ" الطريقي والوطن والبترول" ثم أعقبه الدكتور وليد خدوري، الذي حاول جاهداً أن يجمع دراسات ومقالات وحوارات الطريقي، من مختلف الصحف والمجلات العربية والأجنبية، ليقدم بذلك عملاً توثيقياً مهماً، يعكس التطور التاريخي لرؤى وأفكار الطريقي.

&&يذكر الدكتور وليد خدوري، أن الشيخ الطريقي قد ركّز خلال عمله في صناعة النفط السعودي، ونتيجةً للقناعات التي توصل إليها، على أمور ثلاثة رئيسة :
1-تحقيق ريع أعلى من الدخل النفطي لصالح بلاده وذلك من خلال إثارته قضية محاسبة شركة أرامكو على أساس السعر المعلن للنفط، ومسألة تنفيق الريع، بالإضافة إلى تحديد الإنتاج بحيث يتناسب مع الطلب في الأسواق، كما أعتبر الشيخ الطريقي المبادئ والأسس التي حققها في الاتفاقية الموقعة مع شركة الزيت العربية، إنجازاً كبيراً في موضوع الإشراف المباشر على الإنتاج وتحديد الأسعار والشراكة ومبدأ مناصفة الأرباح وكسر احتكار العنصر الأمريكي للبترول بإدخال شركات آسيوية .
&
2- محاولاته الدؤوبة لتغيير أولويات شركة أرامكو لكي تخدم مصلحة المملكة لا مصلحة الشركة نفسها فقط، فطالب، ضمن ما دعا إليه إلى مشاركة الحكومة في رأسمال الشركة وفي انفصال أرامكو عن السيطرة المحكمة التي وضعتها فيها شركاتها الأم الراعية المالكة لها في حينه، وذلك من أجل فتح المجال للشركة في ولوج الصناعات اللاحقة للإنتاج على حسابها، وبمشاركة السعودية، بدلاً من بقاء هذا القطاع حكراً على الشركات الأم، كما دعا لفترة طويلة لإيقاف حرق الغاز الطبيعي، هذه الشعارات التي طرحها الطريقي كانت سابقة لأوانها، لكنها نفذت تدريجياً في مراحل لاحقة، وقد لاقت جهود الطريقي معارضة قوية من قبل الشركات الأجنبية وكان يشتكي من ذلك كثيراً، فقال في مقابلة معه ( إن الشركات لا تريدنا أن نقوم بأي شيء، إنها تفضل ألا تقوم الحكومات بأي شيء بالنسبة لنشاط يحصلون منه على معيشتهم، إنها لاتريد من الحكومة أن تتدخل بأي شكلٍ كان في مجال النفط في بلدها ).

3-تدريب الشباب السعودي وابتعاثه إلى الخارج لتلقي العلم والعودة للمساهمة في إدارة الصناعة البترولية الوطنية، ويروى في هذا المجال أنه نظراً لقلة الشباب المتعلم في حينه، كان يتابع شخصياً أخبار الخريجين السعوديين الجدد في الجرائد المحلية ويتصل معهم ويحثهم على الالتحاق والعمل في قطاع النفط، وتشكل أول طاقم سعودي عمل في وزارة البترول مع الشيخ الطريقي من الأساتذة التالية أسماؤهم : هشام ناظر وعبدالهادي طاهر ومحمد جوخدار وعمر فقيه وفهد الخيال، كما اهتم الطريقي بتعيين الشباب العربي المتخصص لمساعدته في عمله، وقد تبوأ البعض منهم مناصب عليا في صناعة نفط المملكة حتى تقاعدهم مؤخراً وتوزع البعض الآخر في مختلف البلدان العربية حيث عملوا في صناعة النفط المحلية، ويروى أيضاً أن الشيخ الطريقي حمل معه قائمة بأسماء عدد من الأشخاص معظمهم من الفلسطينيين من الذين استقطبهم للعمل في القطاع النفطي السعودي، وطالب بمنحهم الجنسية السعودية في أول اجتماع وزاري حضره في الرياض، ومن هؤلاء الأشخاص السادة خضر حرز الله ، وفاروق الحسيني وجواد السقا وحسن تيم وعاطف سليمان).
&
وعن أسلوبه في الإدارة، سواءً في عمله بإدارة الزيت والمعادن أو بعد وزارته الجديدة، الذي يُعدُ أسلوباً حديثاً على الإدارة المحلية آنذاك،& يؤكد المحامي محمد الهوشان أن الطريقي طبق أحدث النظم الإدارية قبل إنشاء معهد الإدارة العامة بالرياض، يقول المحامي محمد الهوشان ( لقد طبق الطريقي أحدث النظم الإدارية قبل أن تنشأ فكرة معهد الإدارة العامة فكانت إدارته لا تقلُ في مستواها عن مكاتب شركة أرامكو في الوقت الذي كانت فيه بقية الإدارات الحكومية، لا تزال رهينة الأساليب "العصملية" التي كانت سائدة في المنطقة العربية كلها آنذاك، وقد ترك الطريقي بصمته على إدارة وزارة بترول بعد إنشائها وحتى يومنا هذا كإدارة حديثة تواكب التقدم العلمي خطوة خطوة، لقد كانت إدارته مدرسة لمن كان يعمل معه فتخرج منها أحمد زكي يماني وهشام ناظر وعبدالهادي طاهر، وغيرهم ممن تأثر بالطريقي حتى في طريقته المميزة في الملبس والحديث، ويضيف المحامي القانوين الهوشان أن الطريقي استطاع أن يخرج أحدث عقد امتياز بترولي وهو عقد الامتياز الموقع مع شركة الزيت العربية المحدودة "اليابانية" الذي أعطى نموذجاً واقعياً لعقود الامتياز المتوازنة.
&
وعن دور الطريقي في إرساء دعائم الفكر الوطني البترولي، يذكر الدكتور عبدالعزيز الدخيّل، أن عبدالله الطريقي، قد أسّس قواعد الفكر الوطني البترولي في الشرق الأوسط بعد انهيار الحركة الإيرانية على يد مصدق 1954م عندما دفع بتيارات انطلقت لتغيير العلاقة غير المتوازنة بين الشركات البترولية والحومات وإبدالها بعلاقات جديدة تعيد للوطن سيادته على ثروته البترولية وتعطي للشركات ما تستحقه من عائد على اسثماراتها ورؤوس أموالها، ويُشدّد الدكتور عبدالعزيز الدخيّل على أن الفكر الذي تبنّاه الطريقي وضحى من أجله وعمل على نشره وتطبيقه لم يأتِ من فراغ أو من استلهام لنظرية أو أيدلوجية راديكالية ثورية، بل إنه فكر مؤسس على عناصر جذرية في شخصيته وتكوينه.

&وكتقييم عام لتجربة الطريقي التي خاضها خلال أربعة عشر عاماً، مع شركة أرامكو، يذكر الدكتور وليد خدوري، أن هذه التجربة تركت مرارة في نفس الطريقي، رافقته طوال حياته، متكئاً خدوري على مقالةٍ كتبها الطريقي، في نهاية عام 1972 يقول الطريقي : " إن الفنيين العرب إذا ما عادوا من جامعات أوروبا وأمريكا يحملون نفس الكفاءات العلمية التي يحملها زملاؤهم الأجانب، فإنهم يشعرون في بلادهم وفي أوساط الشركات النفطية الأجنبية بأنه لا يحق لهم ما يحق لأجنبي في بلادهم مهما علت درجاتهم العلمية، وتتحايل الشركات النفطية بشتى الطرق لإبعادهم عن ممارسة اختصاصاتهم وممارسة التمييز العنصري بحقهم وجعلهم يشعرون في بلادهم بأنهم أقل كفاءة وأقل أهلية للثقة من زملائهم الأجانب، مما سبب لكثير من هؤلاء الفنيين خيبة أمل ودفع الكثير منهم إلى ترك العمل في مجال تخصصهم والعمل في مكاتب الحكومة حيث يقومون بأعمال لا علاقة لها بما خصصوا أنفسهم له، وقد يضطر البعض منهم إلى الهجرة إلى الخارج وهذا يحدث كثيراً ) ويضيف الدكتور وليد خدوري بأن تجربة الطريقي النفطية في الخمسينات واحتكاكه المباشر مع شركة أرامكو التي كانت مهيمنة بصورة مطلقة على صناعة النفط السعودية، قد أدت هذه التجربة إلى تركيز قناعته بأن الشركات النفطية الأجنبية تعمل لمصلحتها أولاً، ولصالح حكومتها ثانياً، وأخيراً ويشكل ثانوي، لفائدة الدول المنتجة " .

على أن الانعطاف الكبير في حياة الطريقي العملية، جاء في عام 1959 عندما قررت الأخوات السبع تخفيض الأسعار مما أثر على انخفاض المداخيل، التي تحصل عليها أكبر دول منتجة للنفط في العالم، فتم عقد مؤتمر عربي للبترول في القاهرة، تمخّض عنه فكرة تأسيس منظمة الأوبك، التي تبناها الطريقي مع زميله الفنزولي خوان بابلو بيريز الفونسو، والتي تهدف إلى حماية ورعاية مصالح الدول المنتجة للنفط من خلال العمل الجماعي، والمشاركة في اتخاذ القرارات وتحقيق ريع أعلى من المبيعات النفطية، وهذه الخطوة ستتناولها " إيلاف" في الحلقة القادمة من هذا الملف.
&
&
الحلقة الثانية:
&
&
الحلقة الثالثة: