&
إيلاف: تأتي هذه الحلقة، استكمالاً للحديث عن المرحلة الأولى من عمل الطريقي في صناعة النفط، وهي عمله كإداري مسؤول عن النفط السعودي، وذكرنا أن من أهم إنجازات الطريقي، مساهمته مع زميله الوزير الفنزولي خوان بابلو بيريز الفونسو، في تأسيس منظمة الدول المصدرة للبترول (الأوبك) التي كان من أهم مهامها حماية ورعاية مصالح الدول المنتجة للنفط، ولتأسيس هذه المنظمة قصة طويلة، يرويها الشيخ الطريقي، نفسه، حينما كتب عن قصة تأسيسها بعد عامٍ من قيامها، وذلك في مجلة البترول والمعادن، الصادرة عن وزارة البترول والثروة المعدنية، في العدد 5 ديسمبر 1961م، يقول الطريقي: (اجتمعت الدول المنتجة في بغداد في سبتمبر1960م إثر آخر تخفيض في أسعار البترول وقررت أنه لم يعد بإمكانها عدم الاكتراث بالأسلوب الذي تتبعه الشركات في تعديل أسعار البترول، فقررت إنشاء مؤسسة الدول المصدرة للبترول، كما قررت عدم قبول أحدها لمعاملة خاصة من قبل الشركات على حساب عضو آخر بغرض الضغط عليه، ويواصل الطريقي قائلاً: ولمؤسسة الدول المصدرة للبترول دور إيجابي يتفرع في مضمونه إلى فرعين:
الأول: علمي ويقوم بالدراسات التي تحدد سير الصناعة بما يعود بالخير على المشتركين فيها من دول وشركات، فالمؤسسة تقوم الآن بإعداد دراسات علمية عن الأسعار يضطلع بها خبراء عالميون للاحتفاظ بها في مستوى عادل مانع للضياع الاقتصادي، كما تقوم بدراسة اقتصاديات توظيف رأس المال في الدول المنتجة لتحديد العدالة في العائد على التوظيف ودراسة توحيد الإجراءات المحاسبية في الدول المنتجة لإمكانية تحديد تكاليف الإنتاج وضبط المصاريف، كما تقوم بمشروع دراسة لتوحيد السياسة البترولية في جميع الدول المنتجة.
والفرع الإيجابي الثاني هو تمكين الدول الأعضاء من مساعدة بعضهم البعض بتبادل المعلومات والخبراء وتشحيذ التعضيد الدبلوماسي لمؤازرتهم في حل مشاكلهم المعلقة مع الشركات المنتجة كالتعضيد الذي تتلقاه حكومة العراق اليوم في مفاوضاتها مع شركة نفط العراق، وذلك الذي تتلقاه فنزويلا في مشكلة تحديد استيراد البترول من قبل الولايات المتحدة ألأمريكية، ونجن نعتقد أن وحدة التفكير البترولي وتنظيمه وتوحيد أساليبه كفيل بخلق حل للمشاكل المعلقة منذ سنوات، كما نعتقد أنه بمزيج من الحنكة والحكمة، تستطيع مؤسسة الدول المصدرة للبترول أن تخرج إلى العالم المتمدين الذي يستفيد من هذه الثروة الطبيعية بروح جديدة من المشاركة في خبراته على أسس من العدالة والتعاون ).
وكتقييم للدور الذي لعبته المنظمة، بعد 6 أعوام من تأسيسها، يكتب الشيخ عبدالله الطريقي، مقيماً وضعها، وذلك في مجلة البترول والغاز الطبيعي، ليقول: ( منظمة الدول المصدرة للبترول هي المنظمة التي قامت نتيجة لشعور كل من أعضائها المؤسسين بأن وجودها ضرورة حتمية للمحافظة على مصالحهم وحمايتهم من سيطرة واستغلال شركات البترول التي تملكها أو تسيطر على سياستها حكومات الدول الصناعية الكبرى المستهلكة للبترول المنتج من حقول الدول الأعضاء في المنظمة) ولكي يُبرّر الشيخ الطريقي قيام المنظمة وتأسيسها، يستطرد قائلاً: أن الدول المنتجة للنفط قد مرت بتجارب قاسية عندما حاولت قبل إنشاء المنظمة تحسين شروط الامتيازات وذلك نظراً لضعف قوتها التفاوضية إزاء شركات البترول العاملة، ولكن عندما أنشئت منظمة الدول المصدرة للبترول في عام 1960م أصبحت فكرة التضامن بين الشعوب النامية في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية أمراً واقعياً وشعر كلُ مَن يتابع نشاط صناعة البترول في العالم أن المنتجين قد أدركوا أنهم لا يستطيعون منفردين استخلاص مصالحهم من دول كانت إما مستعمرة لبلادهم أو فارضة سلطاتها السياسية والاقتصادية عليهم، وكان لوجود المنظمة أثر بالغ على سياسات الشركات الاحتكارية فتوقفت عن تخفيض أسعار الصادرات من المواد البترولية لزيادة أرباحها أو لتوفير جزء مما تدفعه دولها ثمناً للبترول المستورد ).
&من جانبه يُشير رجل النفط والروائي العربي الكبير عبدالرحمن منيف، رئيس تحرير مجلة النفط والتنمية، في مقالةٍ له في صحيفة السفير اللبنانية إلى أن الطريقي خاض معركة خارجية تمثلت في أن الاحتكار العالمي للنفط الذي تمارسه الشركات السبع الكبرى لا يواجه من خلال المنافسة بين الدول المنتجة وإنما من خلال التضامن والتنسيق والاتفاق على الأسعار وحجم الإنتاج وهذه المعركة أدت بنتيجتها إلى قيام الأوبك، التي استطاعت أن تحقق مكاسب للدول المنتجة.
&وعن هذا الإنجاز الرائد للشيخ الطريقي، في تأسيسه لمنظمة الأوبك، يذكر الدكتور وليد خدوري، أنّ مما سيسجله التاريخ للشيخ عبدالله الطريقي، هو تعامله الإيجابي والمثمر في تأسيس منظمة الأوبك مع زميله الفنزولي خوان بابلو بيريز الفونسو، ويذكر خدوري أن الهدف من ذلك هو الدفاع عن مصالح الدول المنتجة للنفط، من خلال العمل الجماعي والمشاركة في اتخاذ القرارات النفطية مع الشركات العاملة في الدول المنتجة وتحقيق ريع أعلى من المبيعات النفطية، ويعكس اهتمام الطريقي في تأسيس الأوبك وِسع اهتماماته، إذ يحرص دائماً إلى جانب التفكير في مصالح بلاده وأمته في الدفاع كذلك عن شعوب العالم الثالث، وبالذات عن مصالح الدول المنتجة للنفط في تلك البقعة الجغرافية وذلك لتقارب مصالحها مع مصالح الأقطار النفطية في الشرق الأوسط، ويواصل الدكتور خدوري، أن الشيخ الطريقي والسيد بيريز الفونسو، قد أدركا كل من موقعه، أهمية تبادل المعلومات في هذه الصناعة الدولية من أجل تحسين موقفهما التفاوضي مع الشركات، وضرورة تعامل الدول المنتجة الواحدة مع الأخرى من أجل كسر هيمنة الشركات الأجنبية على الثروات الطبيعية لبلادهم.
&أما المحامي السعودي محمد الهوشان، فيعتبر نجاح الطريقي وزملائه في تأسيس منظمة الأوبك مفخرة للبلاد السعودية وبلدان المنطقة ومعجزة إذا أخذنا في الاعتبار سيطرة "المكارثية" على الكونجرس الأمريكي والأوساط الاقتصادية في أمريكا آنذاك، ويقول الهوشان أنه لو لم يذكر سوى نجاح هذه المنظمة في اعتبار العوائد بدءً من بنود المصاريف بفرض احتساب الضرائب لكفى.
&
&
الحلقة الثانية:
&
&
الحلقة الثالثة: