كتَّاب إيلاف

السياسيان العازبان النزيهان

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك



يحفل تاريخ العراق السياسي بشخصيات مؤثرة كان لها دورها الايجابي في رفع سمعة بلادنا الى مصاف الدول المتقدمة الراقية أدبا وعلما وفنّا وخلُقا قويما حتى في المحافل السياسية الماكرة احيانا كثيرة ، اذ بقيت أذكارهم تتردد في اوساطنا الاجتماعية الى الان حنينا ومحبة واعتزازا لنزاهتهم وعقولهم وأياديهم الناصعة النظيفة التي لم تمتدّ الى السرقة والحرام مع انهم ليسوا من رعاة الدين لكن نفوسهم مليئة بالقناعة والرضا وماحباه الله من كفاف يقيم الاوَد ويسدّ الرمق كان كفيلا ان يبعدهم عن أكل اموال اليتامى والفقراء لأنهم ذوو ضمائر حيّة ومن منابت بلاد الرافدين النقيّة المنبت والمحتد التي لم تكن تعرف قبلا الارتشاء وأكل السحت ونهب المال العام كما نعهد الان ، وأورد هنا اسم شخصيتين نزيهتين من رموز العراق الزاهي ؛ الاول في حقبة النظام الملَكي والآخر مطلع العهد الجمهوري ، هذان الشخصيتان اختارا حياة العزوبية قصدا لا لشيء الاّ لانهما آليا على نفسيهما ان يخدما وطنهما ويخلصا له دون ان يشغلهما أعباء الاسرة ومتطلبات العيال وهموم البيت فالعراق هو بيتهما الكبير
العازب الاول هو حسقيل ساسون ( 1860—1932 ) الذي رأس وزارة المالية في العراق لأربع دورات متعاقبة ولم يستنزف أو يهدر دينارا واحدا في غير مكانه ولم يملأ جيبه سحتا حراما ولم يسمح للطامعين -- على قلّتهم في العراق وقتذاك -- ان يهدروا حتى القليل القليل من ثروات البلاد والى الان يتندّر العراقيون حينما يواجهون رجلا حريصا حافظاً للأمانة بقولهم : لاتحسقلها ، اشارة الى الخالد الصيت والذكر& حسقيل ساسون مع ان هذا الوزير النقيّ السريرة& كان يعاني من مرض عضال أرغمه عدة مرات على السفر خارج البلاد للاستشفاء من جيبه الخاص وهو بأمسّ الحاجة للمزيد من الاموال لسدّ نفقات العلاج الباهضة وفضّل ان يموت غريبا في فرنسا فلا زوجة تنحب عليه بكاءً ولا ذريّة تخلّد اسمه لكنه بقي خالدا في قلوب العراقيين وتلهج بذكرهِ ألسنتهم وصمم طوال حياتهِ على ان لاتطول يده الى المال دون وجه حقّ وتنهب من مال الشعب لتغطية نفقات علاجه
اما العازب الثاني فهو رئيس الوزراء العراقي عبد الكريم قاسم ( 1916—1963 ) الخالي الوفاض الاّ من نزاهته وعفّته عن مسك المال الحرام وحبّه لفقراء بلده فعاش في بيت اخته فردا وحيدا قبل مسكهِ زمام السلطة فلا حضن يبعث فيه الدفء والحنان ولا سكن مستقل يأويه ولا امرأة زوجة صالحة تترقب مجيئه بعد عناء جولاته اليومية وزياراته المتكررة لمحبيه من أهله الفقراء والمعوزين المنتشرين في عموم مصالح البلاد فاتخذ من بناية وزارة الدفاع مقرا دائما له يوصل ليله بنهاره فيها ويؤدي واجباته هناك فلم يستعن بخدم ولاحشم ولا زعيق حمايات تقطع الطرقات ولا موكب يستفزّ العابرين والسابلة سوى مرافق واحد يسايره اينما يحلّ وحيثما يأزف ويأتيه طعامه من شقيقتهِ بإنائين صغيرين احدهما فوق الاخر مما نسميه في العراق " السفرطاس "
ومع ان العراق ومسؤوليه السابقين لم يألفوا سرقة المال العام للدولة وان ثقافة الرشى وخرق الميزانية الخاصة بالبلاد ومما يطلق عليه الكوميشون وانواع التحايل وفتح ثغرات السرقات وشرعنتها للاستحواذ على موارد البلاد المالية فمثل هذه المهازل للإثراء غير المشروع لم يعرفها العراق قبلا ، لكن هاتين الشخصيتين كانتا انموذجين رفيعين في النزاهة الى مداها الاقصى ويشهد على ذلك اعداؤهما قبل اصدقائهما سواء اختلفنا في رؤاهم السياسية ام اتفقنا فهذان العازبان يعتبران مثالين لرفعة النفس وطهارة الجيب ونقاء الضمير
وقد تكون حالتهما الزوجية وكونهما بلا عائلة أو ذريّة سببا اخر في رقيّ نفسيهما الى حدّ الطهارة والعفّة المتزايدة والنأي عن المطامع وأكل الباطل وتلويث اليد بالسحت فما حاجتهما الى المزيد من المال والإرث الزائد والفائض من الثروات اذا خلت حياتهما من البنين ورفيقة العمر ؟؟ ، فالعائل الذي ثقل كاهله بمسؤوليات الاسرة ربما يضعف امام المال من اجل رفع مستوى المعيشة لبنيه وزوجته وإيصالهم الى درجة الاكتفاء والمزيد& الفائض خوفا من مقبل لايأمن ، وقديما قيل ان العائل يجنح للقلق والخوف والطمع خوفا على اسرته من العوز ومن أيام صعبة قد تجيء غيلة بالويلات والقحط ، ففي حديث الرسول الكريم (ص) : ان الوِلْدَ محزنة مبخلة ، مأْثمة . فهم مدعاة لِلإثم لأنك قد تنحو نحو مالايرضاه الله لأجل اشباع رغباتهم مثلما هم مبخلة لأنك تقتر على نفسك لتوفّر لهم وتحزن على مااصابهم من سقم وغيره
فهل علينا اليوم ان نفتش على عازبين أكفّاء ليستوزروا ويتقلّدوا المناصب الرفيعة في الدولة& كي نقلل من طوفان الفساد العائم بيننا لأننا جرّبنا كل الطرق المتعارف عليها والوسائل القانونية والقوة الصلبة والناعمة دون ان نلحظ مايسرّ الانظار ويريح البال ، فالفساد المالي على أشدّه ، وهل علينا ان نبكي ماضينا النظيف ونُحْيي موتانا الساسة العراقيين بمعجزة إلهية لنعيدهم الى تحمّل وزر أعبائنا وقيادتنا القيادة السليمة
رحماك ربي فقد انتهت عصور إحياء الموتى وأسلافنا لايعودون ، ولنعترف بملء أفواهنا اننا عجزنا ان نكون مثل رجالنا السياسيين الشرفاء الاطهار
نحن -- دون ادنى شك -- شرّ خلف لخير سلف سواء رضينا أم لم نرضَ

jawadghalom@yahoo.com
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
إين الثرى من الثريا؟
عراقي متشرد -

أقترح ،واعتقد أن أكثر العراقيين يتفقون معي،ولتخليد هذين العظيمين أن توضع صورة أحدهما على صفحة العملة العراقية وتوضع صورة الاخر على الصفحة الأخرى ليتذكرهما العراقيون باستمرار.كما أقترح أن تسمى الشوارع المهمة باسم هذين العظيمين.للعلم فقد شيع ساسون حسقيل رحمه الله عند وفاته تشييعا مهيبا شارك فيه كل العراقيين فأعطوه حقه.لكن الشهيد عبد الكريم ليس له حتى قبر يزار،فقد ألقى جثته الرعاع أعداء الحضارة البعثيون في نهر دجلة إعتقادا منهم أنهم سيطمسون عظمته.لو بقي عبد الكريم حاكما للعراق لعشر سنوات لكان العراق اليوم مثل كوريا الجنوبية،لكن مؤامرة قائد الهزائم عبد الناصر وأمريكا بالتعاون مع المجرمين البعثيين وناكر الجميل البرزاني أدى إلى حدوث إنقلاب 63 وما تبعه من كوارث ما زال العراق يعاني منها إلى اليوم.حكام العراق الحاليون يتزوج كل منهم عدة نساء ليكون له الكثير من الأولاد الذين سيتبعون خطى اباءهم .

العزوبة والعصامية
محمد توفيق -

من محض الصدف أن تكون صفة العزوبية لدى كل من المرحوم ساسون والزعيم عبد الكريم مرتبطة بصفات أخرى لديهما كالوطنية والحرص على المال العام والروح العصامية في الترفع عن مباهج الحياة ، ويقال أن اللواء مزهر الشاوي مدير الموانئ العراقية الذي حول منطقة المعقل البصرية الى جنة من الجنان في الستينات ، كما يعرف البصريون ، من واردات الموانئ حصراً كان هو الآخر عازباً . لكن الشئ الواضح والملموس في الحياة السياسية في العراق اليوم أن الجنس حاضر بقوة في عقول وتفكير وسلوك السياسيين غير العزاب، خصوصاً المعروفين بالفساد ، وهناك نسبة كبيرة منهم نراهم منهمكين في صبغ شعورهم لأخفاء أعمارهم الحقيقية كي يكونوا مقبولين لدى الجنس اللطيف، وهم لا يخفون هوسهم في امتلاك النساء الشرعيات والسريات على حد سواء ماداموا يتحكمون بالسلطة والمال ، وحفلت صفحات الإعلام بالعديد من القصص الفاضحة التي روتها إعلاميات ومستشارات و سكرتيرات و سياسيات عن حالات التحرش الجنسي بهن ، وعن عروض الزواج المغرية من قبل هؤلاء الذين يستغلون مناصبهم الرسمية لأستعباد موظفاتهم بدون رادع أخلاقي أو قانوني.

ضيعان العراق الماضي
لبناني متأسف -

والله العراق كان أحلى بلد، بمسيحييه ومسلميه واتحاد بنيه. رحم الله تلك الأيام... أيام بدر شاكر السياب وعراق الخيرات.

الزعيم الامين
عمر الخيام -

ذكر مرافق الزعيم المرحوم قاسم الجنابي (مقدم ركن) والذي بقى ملاصقا له حتى الدقلئق الاخيرة ليوم 9 شباط ان الزعيم قاسم فقد(الحس الجنسي) منذ الايام الاولى لتسلمه حكم العراق في تموز 1958 وكان دائما يردد ان كل (العراقيات) هن أخواتي! ..تحياتي للسيد الكاتب .