هجوم الأردن يضع العراق بين مطرقة إيران وسندان أمريكا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مقتل ثلاثة جنود أميركيين وجرح نحو أربعين منهم في قصف "تور 22" داخل الأراضي الأردنية من قبل فصائل ميليشياوية مرتبطة بإيران، رفع مستوى الاشتباك إلى درجة أعلى من جميع المراحل السابقة، بل تشير تداعيات الحادث إلى تغيير قواعد الاشتباك بين الطرفين؛ لقد تحول الموقف الأميركي إلى التوجه لضرب أهداف داخل إيران، إضافة إلى الميليشيات والفصائل في العراق وسويا.
تذهب بعض التوقعات إلى اعتبار هجوم الأردن مدخلاً لحرب مباشرة بين أميركا وإيران؛ لعل في استرجاع ذاكرة العلاقة السياسية بين أميركا وإيران "الإسلامية" وما شابها من تذبذب وحذر، يعطينا فكرة واضحة لما ستؤول إليه أحداث الصراع بين الدولتين وآثارها الوخيمة على العراق الذي أصبح مسرحاً للصراع الأميركي - الإيراني.
اتفقت الإرادة الأميركية مع الرغبة الإيرانية عام 2003 في مشروع إسقاط نظام صدام حسين، وقد سبق ذلك اتفاق مصالح بين الطرفين عندما بدأت أميركا حربها ضد أفغانستان عام 2001، وتقديم المساعدات الإيرانية لأميركا في حربيها فككت روابط القطيعة السياسية الخلافية بين الدولتين جراء أزمة الرهائن الأميركيين التي حدثت عقب سقوط نظام الشاه عام 1979 وانتصار الثورة الإيرانية.
كان سقوط نظام صدام حسين أعظم هدية تقدمها الإدارة الأميركية لإيران بعد حرب استمرت لثماني سنوات ضد العراق، دون قدرة إيران على تحقيق انتصار، ما دفعها إلى مائدة التفاوض وإيقاف الحرب التي تركت آثاراً نفسية وخسائر جمة في إيران والعراق على حد سواء.
ابتدأ شهر العسل الأمريكي - الإيراني على أشلاء وأسلاب نظام صدام، بعد أن أصبحت الحدود العراقية مفتوحة أمام الزخم الإيراني ليعيد تأسيس وجوده في الداخل العراقي، بعد أن سمحت لهم قوات الاحتلال الأميركي، وخصوصاً أحزاب المعارضة العراقية التي عاشت في إيران، بالعودة للعمل السياسي في العراق وبدعم قوات الاحتلال أو قوات التحرير كما كانت تسميها أحزاب المعارضة، التي عادت لتتسلم السلطة وفق تقسيمات ومحاصصة طائفية وعرقية وأثنية في نظام "ديمقراطي" أطلق شهية الجميع في تعويض ما فاته من مكاسب مالية ومراكز سلطة ونفوذ، بعد جولات انتقامية واجتثاثية من أزلام النظام السابق ورموزه إضافة لمصادرة أملاكهم وأرواحهم متى تيسر لهم ذلك.
إقرأ أيضاً: هل يسرقون المطر الإيراني؟
لم يمض وقت طويل حتى وجدت القوات الأميركية نفسها في قتال ضد فصائل شيعية تطالب بتحرير العراق من الاحتلال، وإذ تتفهم القوات الأميركية سبب المقاومة السّنية التي انتزعت منها السلطة، فلم تجد في المعارضة الشيعية إلا دافعاً واحداً وهو التمدد الإيراني للاستحواذ الجيوسياسي على العراق واستغلال ثرواته وتكريس جموعه البشرية في تنظيمات موالية تدافع عن مشروعها في قيام دولة مهيمنة على مقاليد دول شرق المتوسط. من هنا بدأ الصراع الأميركي - الإيراني في سنوات عجاف طويلة لم يحصد فيها المواطن العراقي (الشيعي والسني) سوى الموت والتهجير والاغتراب والفوضى والمزيد من الدماء وضياع البلاد وتلاشى الحلم بالديمقراطية الأميركية، بل تحولت إلى لعنة وخراب إزاء مشاهد الجثث اليومية للضحايا العراقيين جراء الاقتتال الطائفي الذي دمر المجتمع العراقي ومزّق روابطه العائلية والثقافية ونسيجه الوطني الموحد.
ما يحدث اليوم على الأرض العراقية من قصف متبادل بين الفصائل المسلحة القريبة من إيران والقوات الأمريكية ومطالبة الفصائل برحيل القوات الأمريكية المتواجدة في القواعد العراقية، يمثل خلاصة للصراع الإيراني - الأميركي الذي يتعدى حدود أحداث غزة إلى الوجود الأميركي في سوريا والأهم من كل ذلك هو الحصار المفروض على إيران من قبل أميركا وحلفائها بسبب الملف النووي الإيراني، الأمر الذي يدفع إيران لاستخدام وكلائها وأذرعها كأوراق ضغط متعددة ضد تواجد ومصالح أميركا لغرض دفعها للتخفيف عن الحصار والتفاوض مع ما ينسجم والتطلعات الإيرانية.
إقرأ أيضاً: ياسمين بائعة الشاي
إن ما يحدث من تصادم عنفي ليس بحرب بين أميركا وإيران، التي تتجنبها بأكبر قدر من الحيطة والحذر، بل هي محاولات أو نداءات خشنة توجهها إيران إلى أميركا لغرض رفع الحصار عنها والاتفاق على تمرير مطالب إيران بالملف النووي، ومن المؤكد أن جميع أنشطة الأذرع الإيرانية سوف تتوقف بمجرد أن يحصل اتفاق أميركي - إيراني بشأن رفع الحصار وخفض شروط أميركا بالاتفاق النووي، وبذات الوقت فإن أميركا غير مكترثة للتمدد الإيراني في الدول العربية، ولم يسبق لها أن اعترضت عليه لهذا السبب، ولم تعترض على وجود الفصائل المسلحة والميليشيات التي ظهرت وتضخمت أدوارها أمام أعينها سواء في العراق أم اليمن وغيرهما!
الحكومة العراقية التي تقودها أحزاب شيعية تجد نفسها في ازدواجية المواقف، لا تستطيع أن تمنع نشاط الفصائل المسلحة لأنها سوف تتلقى عقوبة إيرانية، ولا يمكن أن تؤيد الوجود الأميركي إلا بحدود السرية التي تخالف الإعلام الذي يصدر عنها، وهكذا نجد منهج "التقية" الذي درجت عليه الأحزاب الشيعية في تراثها يترجم اليوم موقفها السياسي، بينما تنبري الأصوات السياسية الكردية بالإعلان الصريح عن حاجتها لوجود أميركي يدرأ عن كردستان أخطار التهديدات الداخلية والخارجية، كذلك تجد هذا الرفض لدى السّنة ولكن بدرجة أقل.
إقرأ أيضاً: إلى أين يتجه إقليم كوردستان؟
موضوع الإنسحاب الأميركي من العراق أصبح مرفوضاً من الأميركيين في الوقت الحاضر، والفصائل المسلحة تشدد على خروجهم من العراق، ومن أجل تلافي إحراج الحكومة العراقية الواقعة تحت المطرقة الإيرانية والسندان الأميركي، بادرت إلى إجراء حوار مع قوات التحالف تنهي بموجبه اتفاق وجود قوات التحالف بقيادة أميركا، واستبداله بعلاقة ثنائية مستدامة بين العراق والقوات الأميركية ومستشاريها. الإشكالية الآن في اختلاف الرؤية بين الطرفين، وما يترشح عن الاتفاقات المقبلة والمقاربات التي تقدمها دول الحلفاء بشأن درجة الأهمية من البقاء أم الانسحاب، لكن أميركا، وبإعلان متكرر، ترى الانسحاب ليس وقته الآن في ضوء تطورات الأوضاع الساخنة بالشرق الأوسط.