بعد 39 عامًا على حرب أهلية دمّرت لبنان
13 نيسان ستبقى ذكرى أليمة في ضمير من عايشها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
39 سنة مرّت على الحرب الأهلية التي دمّرت لبنان، هي ذكرى تبقى أليمة في ضمير كل من عايشها، أليمة في تفاصيلها الماضية، وأليمة في الخوف من إمكانية عودتها.
بيروت: يطلّ نيسان من كل عام على اللبنانيين، حاملاً معه ذكرى أليمة، عايشوها إما في طفولتهم أو مراهقتهم أو صباهم، إنها ذكرى الحرب الأهلية التي حصدت الأخضر واليابس، حصدت الأرواح والنفوس، وعمّقت الخلافات بين شرائح المجتمع اللبناني.
كيف يتذكّر من عايش فترة الحرب في لبنان وهل الخوف اليوم من عودتها أو إمكانية الاقتتال في الشارع مجددًا لكن تحت غطاء آخر وصورة مختلفة؟.
يقول الدكتور أنطوان مسرّة (منسق البرامج في المؤسسة اللبنانية للسلم الاهلي الدائم) لـ"إيلاف" إن العمليات الحربية الاغتيالية في العام 2005 ومنذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أنهت الجانب الأهلي من الحرب في لبنان، واغتيال الرئيس رفيق الحريري والانتفاضة الشعبية التي تمت بعد هذا الاغتيال بددت إمكان حدوث حرب اخرى لأن الانتفاضة الكبيرة جعلت الناس يدركون أنهم كلهم في خطر ومهددون، وللمرة الأولى في تاريخ لبنان نرى هذا الإدراك الجماعي وأن لبنان الساحة هو خطر للجميع، ولكن كان هناك خطر في الماضي بأن الشباب لم يعرف فترة الحرب والوضع السياسي العام خلق تطييفًا في الذهنيات، لكن الاغتيالات مع كل معاناتها وشراستها خلقت ردة فعل عند الشباب كانت منتظرة منذ فترة طويلة، لأن اللبنانيين يفتحون النوافذ إلى صراعات الغير على أرضهم، واُطلق مبدأ لبنان اولاً، وحصلت في الفترة الأخيرة محاولات عدة لاستعادة الحرب الاهلية بشكل مفتعل وبالفعل أظهر اللبنانيون درجة عالية من الوعي لم تحصل في تاريخ لبنان، ولبنان اليوم لم يعد ورقة ضغط بل فخًا والحرب الأهلية الآن هي وراءنا، ولترسيخ السلم الاهلي في لبنان نحن بحاجة الى عمل متواصل وخصوصًا في اعادة الحيوية إلى البرامج المدنية التي وضعت في إطار خطة النهوض التربوي بين 1997 و2001.
ولدى سؤاله عن تأثير هذه الحرب على سيكولوجية الشباب اليوم أجاب أن الاغتيالات المتراكمة كان من المنتظر ان يسكت عنها الشعب اللبناني، لكنه لم يسكت وخلقت لديه ردة فعل بالشعور بالخطر، وهذا ما كان ينقص اللبنانيين، ولبنان لن يكون ساحة لصراعات الغير.
عن الذكريات الأليمة التي طبعت حياته في تلك الفترة يقول مسرة:"هناك مشاهد عدة منها مشهد جارتي التي هي من أصل ألماني متزوجة بلبناني كانت تمر بشارع السوديكو فأصابها القنّاص ووقعت على الرصيف مضرجة بالدماء، ويجب أن نتذكر هؤلاء الشهداء المقتولين وهم ليسوا من الزعماء، لأن الحرب اصطادت الجميع، وكذلك نتذكرربى ومايا اللتين غرقتا في البحر في جونيه، أو الصورة التي نشرتها صحيفة "النهار" عن رجل أصابه القناص، كلها مشاهد تبقى راسخة، كذلك اليافطة التي وقعها أكثر من70 الف شخص، لا تزال محفوظة في المتحف وهي تعبير عن المقاومة المدنية للحرب.
أيام الحرب الأليمة
بدوره يتذكر المنسق العام لتجمع اللجان والروابط الشعبية في لبنان معن بشور ايام الحرب الاليمة ويقول في حديثه لـ"إيلاف" إن هناك ذكريات عديدة لمن عاش هذه التجربة بكل ساعاتها وأيامها ولياليها على مدى 15 سنة، ولكن أبرزها دون شك هو الساعات الأولى منها، فالشهداء الذين استشهدوا في باص عين الرمانة كانوا رفاقًا لي، كنت حينها عضوًا في حزب البعث وجبهة التحرير العربية، والشباب الفلسطيني واللبناني الذي غدرته تلك الجريمة كانوا ينتمون الى الحزب والجبهة، وكان قسم كبير منهم من الشباب الذين هم على علاقة وثيقة بي، ومنهم غالب عكر وغيرهم، وكنت في الحقيقة في الشمال يومها أي في 13 نيسان/إبريل 1975، حين سمعت الخبر لم يكن هناك خليوي، وأدركت ان الوضع متوتر فعدت فورًا الى بيروت وكنت متخوفًا وقلقًا وكان الجو متشنجًا عندما عدت إلى بيروت، ولم يكن من السهل السيطرة على الوضع، لكننا كنا نشعر منذ اللحظة الأولى أن هذا اليوم ليس عاديًا في تاريخ لبنان، وحاولنا قدر الإمكان أن نضبط رد الفعل كي لا نفتح آفاق حرب، لكن ذلك لم ينجح.
ويضيف:" حاولنا أولًا أن نقاوم فكرة القصف العشوائي على مناطق معينة لانه لا يجوز ان يُعاقب الأبرياء بجريمة الكبار، وكنا نحاول ان نبعد قدر الإمكان الافتراق الطائفي لهذه الحرب، وأذكر أن زميلنا الوزير السابق بشارة مرهج لم يكن موافقًا على عزل حزب الكتائب حينها ، وتمنى ألا يؤخذ قرار بعزل حزب الكتائب لأنه كان يدرك أن هذا القرار سيؤدي إلى نتائج عكسية، وأستطيع أن أقول إن امكانية محاصرة تلك الشرارة التي انطلقت لم تكن سهلة فالرؤوس كانت حامية بما فيها رؤوسنا والأجواء الإقليمية والدولية كانت مشجعة.
أما هل يعتقد بان هذه الحرب بكل صورها المأسوية قد تعود مجددًا؟ فيجيب بشور:" عودة الحرب أم عدم عودتها مرهون بأمرين أولهما أن يعي اللبنانيون مخاطرها وأن تدرك القيادات أن لا رابح فيها وأن لبنان سيخسر، ومن يتابع الاحداث خلال السنوات الماضية، يلاحظ دائمًا التصعيد الكلامي الشديد، وتبادل الاتهام، ونلاحظ ان هناك تنبهًا كاملًا لدى القسم الاكبر من القيادات بضرورة إبقاء الأمور عند حدودها الإعلامية، هذا أمر يبشر بالخير ويؤكد أن هناك إجماعًا لبنانيًا على تجنّب العودة إلى الحرب رغم الإصرار على المضي في التوتر، لكن هذا وحده لا يكفي "لأنني أعتقد بأن هناك قوى خارجية، تريد لهذه المنطقة بأسرها أن تكون ساحة فوضى ودمار وأتمنى أن يتمكّن اللبنانيون من الافلات من هذه المخططات لأن اللبنانيين اليوم أقوى في وجه هذه المخططات.
أما ما الذي يجب ان يقوم به القياديون لتجنّب هذه الحرب مجددًا، فيقول بشور:"يجب تبريد الرؤوس الحامية، وتهدئة الخطاب السياسي وإبقاء الجسور مفتوحة للحوار، لانه قادر على منع الإنزلاقات، وذلك يمنع خروج الأمور عن السيطرة.