فضاء الرأي

تحالف شياطين يُحاصر اللاّجيء السوري في لبنان

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أبشع الأوطان تلك التي تُمهَر سجونها بعبارة " مات تحت التعذيب " ، بهذه الكلمات علّق أحد الناشطين على إعلان الجيش اللبناني بالأمس عن موت 4 سوريين محتجزين لديه بعد إعتقالهم خلالمداهمات لمخيمات اللاجئين في عرسال ، وفيما قال بيان الجيش أن " أسباب الوفاة صحيّة " أظهرت هذه الحادثة وما رافقها من تعليقات وحملات متضاربة على وسائل التواصل الإجتماعي ومن تداولات في الحكومة مدى الإنقسام اللبناني في التعامل مع هذا الخبر الصادم ومع قضيّة النزوح واللجوء السوري بشكل عام بإعتبارها قضية تلامس جذور الوجود والهوية في بلد هش التكوين دائم الإضطراب سريع الإشتعال .

لكن لحكاية " التغريبة السوريّة " فصولاً ضاربة في أرض طالما دفع شعبها ضريبة موقعها الجغرافي والتاريخي ، فكيف وقد إجتمع عليه بفعل الحرب تحالف خفي من شياطين الطائفية والعنصرية والتطرف والإرهاب ومكر السياسات الدولية وإستغلال إقتصادي وإجتماعي فاضح وصريح .

فاضت صفحات حياة ملايين النازحين بمرارة أيام كَتَب سطورَها الوجع ومشاعر الرعب وصور أشلاء الجثث ، فهل من يرتقي في معالجة هذه القضيّة إلى مستوى المسؤوليّة السياسية والإنسانيّة فيُطوّق الحرائق ويُداوي هذا الجرح النازف سيّما وأن الحرب السوريّة قد كشفت عن بئر سحيق من الأزمات لا يُرى له قعراً في المدى المنظور .

الفشل في وضع أزمة النزوح في لبنان على سكّة الحل مردّه الفلتان الطبيعي الموروث في هذا البلد وكذلك الضعف البنيوي والمادي في قدرات وهامش تحرّك الأطراف الأربعة الرئيسيّة ، الدولة بكافة أجهزتها ، والهيئات الدولية ومعها مئات الجمعيات الناشئة في كنفها ، والبيئة المستضيفة ، والنازحين أنفسهم ، يصب هذا الواقع المتروك لقَدره الزيتَ على النار ويزيد من حالة الإرباك والتوتر ومشاعر الرفض والعنصريّة إتجاه فئات واسعة من النازحين ما يجعل منهم " مكسر عصا " وعرضة دائمة لأي إعتداء أو إستغلال ، ويشجع بعضهم على الإنخراط في أعمال خارجة عن القانون .

تبقى الدولة هي الناظم الأوّل والمسؤولة ضمن أراضيها عن هذه القضيّة الشائكة ، علماً أن إقتصاداً موازياً قد نشأ في لبنان جرّاء النزوح الذي ناهز المليون ونصف مليون سوري ، هذا " الإقتصاد " محمي من أطراف في الدولة نتيجة التركيبة الطائفيّة التحاصصيّة القائمة ، وقد برزت طبقة من الأثرياء الجدد وشرائح واسعة من المجموعات والأفراد عملت على تكريس الإستقطاب والبناء عليه ،هؤلاء قدّموا الإستفادة المالية المباشرة من ملف النازحين على أي إعتبار آخر ، ولهم مصلحة بالغة في إستمرار الصراع إلى أمد بعيد .

على المستوى السياسي ، مَثّلَ ملف النزوح السوري نقطة تحوّلمفصليّة في المنطقة ، وأسهمت الطبيعة الطائفية المتزايدة للصراعفي تفكيك فكرة الدولة الوطنية التي تقوم على التنوّع المجتمعي ، هذا ما عزّز التوجهات نحو " العسكرة "في المجتمعات العربية بناءاًعلى الهـويات الأُحادية العرقيّة والمذهبيّة ، وفي غياب سياسات فعّالةلتدارك آثار هذه الأزمة ، ستكون لهذه التطوّرات انعكاسات أكثر عمقاً على الاستقرار الإقليمي والدولي ، وقد بدأت معالمها بالظهور في كل مكان .

ويشير حجم التهجير القسري، إلى ما تسعى إليه أطراف الصراعالمختلفة من إعادة تشكيل جغرافية الدول وضمان السيطرة علىالأراضي باستهداف الأفراد والمجتمعات على أساس الهوية في مايرقى إلى أعمال تطهير عرقي .

في هذا السياق ، ثمّة خوف عارم في لبنان من أن السوريين، السنّةفي غالبيتهم، سوف يخلّون بالتوازن الطائفي الدقيق القائم فيالبلاد، ما يثير مخاوف على هوية المكونات والطوائف .

ربّما هذا بالتحديد ما دفع إلى التشدّد في سياسات اللجوء،وتحوّلت سياسة الباب المفتوح التي تم تبنّيها عند اندلاع الأزمة إلىأجندة أمنية أضيق أفقاً، فقد أيقظ تدفّق اللاجئين السوريين شياطينالطائفية في الذات اللبنانية، وبدا للكثيرين أن هذا النوع من الأزمات لديه كل القدرة على تدمير الركيزة الأساسية لنظام الحكموالنظام الاجتماعي السائد .

أكثر من 50 في المئة من النازحين- اللاجئين هم دون الثامنة عشرةمن العمر ، ويعتبر هذا الواقع _ بكل المقاييس _ ثقل غير مسبوق بالنسبة لبلد بحجم لبنان .

إلا أنّ إعتماد البعض " اللغة الحربيّة " في حديثه عن النازحين ، " قنبلة موقوتة " حيناً ، " ولغماً " حيناً آخر ، إضافة إلى إستسهال وصمهم بالإرهاب والداعشيّة لا يمكن أن يدلّ إلاّ على خفّة وضيق أفق يجافي الحد الأدنى من الحقائق والمسؤوليّة الوطنيّة .

يجمع المراقبون على توصيف الحياة اليوميّة للاجيء السوريبالسوداويّة ، فهو مُعرّض لسوء المعاملة من قبل أكثر من طرف ، ومن خوف دائم من الإعتقال لدواعي مختلفة ، ومن حرمان أطفاله الرعاية الصحيّة والتعليمية ، ويعاني الكثيرين من محدودية فرص العمل و الموارد ، الحصار المُحكم هذا يجبر عددا غير قليل على اتخاذ خيارات يمكن أن تلحق الضرر بمستقبلهم، بما في ذلكالتورّط في أنشطة غير مشروعة مثل تجارة المخدرات والاتجاربالجنس وغير ذلك .

لا مفرّ من ضبط ومعالجة أزمة النازحين ، كضرورة سياسيةوتنموية ، هناك جوانب يمكن تحقيق تقدم سريع فيها ، فالتركيز على التعليم يعتبر أولويّة قصوى في هذه المرحلة ، ويستدعي تضافر الجهود لتدارك النقص الفاضح في التمويلاللازم لتعليم الملايين من الأطفال في المنطقة، ذلك أن إبقاءهمفي المدارس يوفّر لهم الأسس الضرورية لمستقبل أفضلويجعلهم أقلّ عرضة إلى التجنيد من جانب التنظيمات المتطرّفة ويحد من إنزلاقهم في محظورات تهدد السلامة العامّة .

الموضوع لا شك شائك ومعقّد ويحتاج إلى دراسات وإستطلاعات وعمليات رصد دائمة وجهوزيّة أمنيّة إلاّ أن تغليب العنصر الإنساني على السياسي من شأنه أن يوفر الكثير من الحلول .

ذَكرَ أحد الصحافيين أنّ طفلاً سورياً مات منذ عدة أيام نتيجةحريق مخيم اللاجئين في بلدة قب الياس البقاعيّة ، لم يجد قبراً يضمّه ، لكنّه وجد أماً لبنانيّة توفي ابنها قبل عام ، ضمّته إليه .

إجتمع الطفلان في قبر واحد.

كاتب وصحافي لبناني

ali.ad.omais@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لماذا تكذبون الجيش اللبنا
أندرو سالم -

يحدث أن عزرائيل وقد تجشم عناء سفر طويل أز يزقط أرواح تسعة مرة واحدة من أسرى الجيش اللبناني المعززين المكرمين الجيش اللبناني لا يكذب !!

INQUIRY IS NEEDED
NADINE -

independent inquiry into the deaths of four Syrians who died while in Lebanese army custody is needed

عودتهم لا توطينهم
وليد عبود -

لو سألتم كل اللبنانيين لقالوا لكم أن الحل الوحيد هو عودة النازحين إلى بلدهم باسرع وقت خصوصا أن هناك الكثير من المناطق الآمنة في سوريا اليوم فلماذا إذا لا يعودوا فورا .. الا إذا كانت عند معظم النازحين رغبات أخرى في البقاء والعمل في لبنان وهذا ما يستحيل أن يتحمله بلد صغير ويؤدي إلى حرب في المستقبل

صحفى وكاتب لبنانى
فول على طول -

بما أنك لبنانى - وكاتب وصحفى - كان المفروض أن تدافع عن لبنان بدلا من دفاعك عن طائفتك المسلمين السنة ...بالمناسبة أنا لست مسلما ولكن مجرد أن تقرأ للمثقفين المؤمنين تعرف ديانتهم ومذهبهم من أول سطر ...ما علينا . وكان يجب أن تسأل نفسك : هل لبنان يستطيع أن يستوعب مليون ونصف لاجئ ...؟ لبنان الممزق بامتياز وضعيف الامكانيات والمساحة هل يقدر على مزيد من المشاكل التى تأتية من الخارج أو من النازحين ؟ وكان يجب أن تسأل نفسك : هل بالفعل وجود نازحين يسبب المزيد من الخراب والدمار للبلد المضيف أم لا ؟ وهل لم تسمع عن ارهاب بعض النازحين فى البلاد التى تستضيفهم ؟ وكان يجب أن تسأل نفسك : أين بلاد السنة المسلمين من اخوتهم فى الايمان ...لماذا لم يفتحوا لهم أبوابهم بدلا من أن تنتقد لبنان ؟ ربما تقول تركيا والاردن ..جميل ..هل تعرف أن تركيا أو الأردن يتاجران بقضية النازحين ؟ وكان يجب أن تسأل نفسك : ما هو دور المسلمون السنة فى خراب سوريا والعراق ومصر وووووو ؟ بالطبع أنا لا أدافع عن الشيعة بل هم لا يقلون دمارا عن السنة ...ولكن الشئ بالشئ يذكر كما يقول المثل ...وهل تعرف أن أهل السنة وكل ما قدموة للنازحين من سوريا هو فتح سوق النخاسة وفتاوى بالزواج من السوريات القاصرات النازحات ورأينا بنات أطفال - طفلات سوريات يعنى - يباعون ويشترون فى الأردن وفى لبنان وتركيا لمن يدفع بضعة دنانير ثمن الطفلة ومن كهل فى سن أجدادنا ؟ وهل تعلم أن هذه الفتاوى جاءت من عدد كبير من المشايخ بأن على المؤمن الزواج بالفتيات السوريات واعتبارهن ملك يمين ؟ وهل تعرف أن حكومات بلاد المؤمنين لم تحرم هذا الفعل أو حتى تلومة ؟ وأين بقية ال 56 دولة اسلامية من مأساة النازحين المؤمنين ؟ أسئلة كثيرة كان يجب على الكاتب أن يطرحها على نفسة ويهتم ببلدة قبل الدفاع عن مذهبة ....استقيموا يرحمكم اللة .

ليخرج حزب الله من سوريا
غسان -

"تبدأ المعالجة من حيث يجب ان تبدأ، اي بوقف المشاركة اللبنانية، عن طريق «حزب الله» في قتل السوريين وتهجيرهم. مثل هذه المشاركة لا يمكن الّا ان تكون لها انعكاسات في غاية الخطورة في المدى الطويل، خصوصا ان لا مستقبل للنظام السوري الذي صار في مزبلة التاريخ. مثل هذه المشاركة ستخلق عداء شديدا بين الشعب السوري واللبنانيين الذين يتعاطون معهم بعنصرية، كما يفعل «حزب الله». يعبّر الحزب عن مصالح ايران واستخفافها بمصير الشعب السوري ومستقبل العلاقة بين اللبنانيين والسوريين " . الكاتب خير الله خير الله

الخطأ لا يعالج بخطأ
خالد مخزومي -

لمن يدعو إلى عودة اللاجئين بالتنسيق مع النظام السوري ، الخطأ لا يعالج بخطأ ، وقدآن الاوان كي يتنبّه اللبنانيون الى أن هذا الواقع بدأ مع رفض الحكومة التي شكلها الرئيس نجيب ميقاتي بتغطية ودعم حزب الله مع اندلاع الثورة السورية في مطلع العام 2011 إقامة مخيمات في مناطق آمنة على الحدود السورية ـ اللبنانية كي يبقى وجود النازحين مضبوطا. كذلك، لا يمكن تجاهل ان المجتمع الدولي تجاهل البحث عن حلول لمشكلة النازحين وبقي همّه محصورا في الحدّ من انتقالهم الى البلدان الاوروبية.