مسار نزع الكيميائي السوري: من قرع طبول الحرب إلى اتفاق جنيف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بيروت: يشكل وصول مفتشي نزع الاسلحة الكيميائية الى دمشق نتيجة لمواجهة غير مسبوقة بين الولايات المتحدة وروسيا قرعت خلالها طبول الحرب، وكان يمكن ان تؤدي الى تدهور اقليمي واسع قبل تدارك الوضع والتوصل الى اتفاق على السلاح الكيميائي السوري.
لم يكن الوفد السوري الرفيع الذي وصل الى موسكو في التاسع من ايلول/سبتمبر، يدرك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيتخذ بعد ساعات قرارا ذا أبعاد تاريخية. وصل وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع وفد ضم مسؤولين سوريين كبارا، الى موسكو بناء على طلب من السلطات الروسية التي ارادت "توضيح الموقف" حول التطورات المرتبطة بالنزاع السوري المستمر منذ 30 شهرا.
في حينه، كانت الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة، ترفع وتيرة التلويح بضربة عسكرية ضد نظام الرئيس بشار الاسد، ردا على هجوم بالاسلحة الكيميائية في ريف دمشق في 21 آب/اغسطس. واتهمت واشنطن النظام بالوقوف خلف الهجوم الذي اودى بالمئات، في حين رمت موسكو بالمسؤولية على المعارضة المسلحة.
وفي لقائه الاول مع نظيره الروسي بعيد وصوله الى موسكو، سأل المعلم سيرغي لافروف عن نتيجة اللقاء الذي كان قد عقد قبل ايام بين بوتين ونظيره الاميركي باراك اوباما على هامش قمة مجموعة العشرين التي استضافتها روسيا في مدينة سانت بطرسبرغ في الخامس من ايلول/سبتمر والسادس منه.
وبعد استشارة الكرملين، عاد لافروف حاملا معه طرحا مفاجئا للوفد السوري. وقال لضيوفه ان "روسيا لديها النية بطرح وضع الترسانة الكيميائية السورية تحت الاشراف الدولي تمهيدا لتدميرها"، بحسب دبلوماسي قريب من الملف.
واضاف رئيس الديبلوماسية الروسية "سيكون من المناسب ان تلاقوا هذا القرار بايجابية. نأمل الحصول منكم على جواب خلال ثلاث ساعات"، بحسب الديبلوماسي نفسه. وشرح لافروف لضيوفه بان بوتين بات مقتنعا بعد لقائه اوباما، بأن الرئيس الاميركي عازم على ضرب سوريا. وبحسب المصدر نفسه، قال لافروف "سيكون الامر كارثيا لان ضربة مماثلة ستدمر البنية التحتية العسكرية وتسمح لمقاتلي المعارضة بدخول دمشق، وهذا يعني سقوط النظام، وهذه فرضية يجب تفاديها مهما كان الثمن".
وبحسب احد المشاركين في الاجتماع، اعرب احد اعضاء الوفد السوري عن خشية من الطرح الروسي، قائلا ان "الاسلحة الكيميائية (السورية) تهدف الى خلق توازن استراتيجي مع اسرائيل التي تمتلك السلاح النووي، وهذا القرار (الروسي) يضعفنا".
ورد لافروف على محاوره بالقول "نحن (الروس) افضل سلاح لديكم". اثر اللقاء، تشاور الوفد مع الرئيس السوري بشار الاسد الذي اعطى موافقته على الاقتراح، ليأتي بعد ذلك اعلان لافروف عبر وسائل الاعلام ان بلاده دعت دمشق الى وضع ترسانتها الكيميائية تحت الرقابة الدولية، وهو ما سارع وليد المعلم الى الترحيب به في بيان تلاه من موسكو.
واستغلت روسيا سريعا فكرة طرحها وزير الخارجية الاميركي جون كيري قبل ساعات في لندن. اذ رد الوزير الاميركي على سؤال صحافي عما يمكن النظام السوري القيام به لتفادي الضربة، بالقول انه "يمكنه تسليم كامل ترسانته الكيميائية الى المجتمع الدولي، خلال الاسبوع المقبل، في شكل كامل ومن دون تأخير. الا انه غير مستعد لذلك، ولا يمكنه القيام به".
وعلى رغم ان وزارة الخارجية الاميركية سارعت في حينه للتأكيد على الطابع "الفرضي" لما طرحه كيري، وانه لا يشكل عرضا ملموسا، الا ان عباراته لاقت آذانا صاغية. في الطائرة التي حملته عائدا الى واشنطن، تلقى رئيس الديبلوماسية الاميركية اتصالا هاتفيا من نظيره الروسي، يبلغه فيه ان موسكو وافقت على طرحه، ما خلق نوعا من الدهشة لدى فريق كيري، الذي شعر انه اخذ على حين غرة.
وافق البيت الابيض سريعا على الخطوة، وعقد كيري ولافروف مباحثات استمرت ثلاثة ايام في جنيف، واختتمت في 14 ايلول/سبتمبر باعلان التوصل الى اتفاق يمنح دمشق اسبوعا لتقديم جردة بترسانتها الكيميائية التي ستدمر بحلول منتصف العام 2014.
وبحسب الخبير في مركز "بي إي آر" للدراسات السياسية في موسكو أندري باكليتسكي، فان "الولايات المتحدة تبحث منذ عام مع روسيا عن سبل وضع اليد على الاسلحة الكيميائية السورية. وبعد ابداء اوباما عزمه على ضرب سوريا، تلقفت موسكو تصريحات كيري لتقدم اقتراحا".
ويأتي هذا الاتفاق ليناسب الجميع في شكل أو في آخر. فالرئيس الاميركي كان يواجه صعوبة في اقناع الكونغرس بالموافقة على الضربة، بعدما ابدى عزمه على الاقدام عليها بشرط الحصول على موافقة البرلمانيين الاميركيين.
اما روسيا فتفادت الظهور بمظهر السخرية في حال وقفت بمظهر العاجز امام الضربة الاميركية، في حين ان قطعا بحرية من اساطيلها متواجدة في البحر المتوسط. اما بالنسبة الى دمشق، فقد تفادت ضربة عسكرية قد تؤدي في نهاية المطاف الى اسقاط نظام الرئيس الاسد.
ويعتبر مسؤول سوري رفض كشف اسمه ان ما أبرم "هو اتفاق جيد، لان الجميع خرجوا رابحين". الا ان الواقع يبدو مغايرا بعض الشيء، اذ يبدو ان المعارضة خسرت بنتيجة الاتفاق، بعدما أملت في ان تشكل الضربة المحتملة، فرصة لها لتحقيق مكاسب في مواجهة النظام.