فصل دستوري يثير مخاوف الإنكفاء على الهوية واعاقة الانفتاح
حتى اللغة العربية محلّ خلاف في دستور تونس الجديد!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أثار الفصل 38 من دستور تونس الجديد خلافات بين المحافظين والتحرّريين، خاصة في ما يتعلق بدور اللغة العربية، إذ اختلفت التأويلات بخصوص الفصل الذي ينصّ على أنّ الدولة تعمل على تجذير الناشئة في هويتها العربية الإسلامية وعلى ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم استخدامها.
محمد بن رجب من تونس: أثار الفصل 38 من الدستور التونسي الجديد جدلاً واسعًا في أوساط المثقفين والسياسيين، إذ اعتبره أستاذ القانون الدستوري عياض بن عاشور "فصلاً خطيرًا وكارثيًا"، بينما رأى مثقفون أنّ الإهتمام باللغة العربية يمثل "السيادة الوطنية" و"الأمن القومي" و "التخلص من سطوة الفرونكفونية".
جاء في الفصل 38 من الدستور الجديد لتونس: "تضمن الدولة الحق في التعليم العمومي المجاني بكامل مراحله وتسعى إلى توفير الإمكانيات الضرورية لتحقيق جودة التربية والتعليم والتكوين. كما تعمل على تجذير الناشئة في هويتها العربية الإسلامية وعلى ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم استخدامها".
خطير وكارثي
واعتبر أستاذ القانون الدستوري عياض بن عاشور هذا الفصل كارثيًا على مستقبل المجتمع التونسي التوّاق إلى الحداثة واللغات الأخرى، مشيرًا إلى أن تونس ستنغلق على نفسها من خلال تركيز البرامج التربوية بالإقتصار على تدريس الحضارة العربية الإسلامية من دون أن تنفتح على الحضارات الأخرى.
وأضاف بن عاشور في إفادة لـ"إيلاف" أن الفصل 38 يركز على الهوية، وهو ما يشرّع الأبواب أمام حكومة استبدادية تحوله إلى أداة للقمع من خلال غرس ما يتعلق بالهوية في أذهان الناشئة.
تجذير اللغة العربية
أشار الدكتور عبدالحق الزموري المنسق العام للمؤتمر الدولي الأخير للغة العربية إلى أنّ الدكتور عبداللطيف عبيد وزير التربية السابق هو الذي طالب بهذا التعديل من خلال تجذير اللغة العربية لدى الناشئة، وهو في الواقع خبير بما يعانيه أطفالنا من صعوبات في استعمال اللغة العربية وتوظيفها مؤكدًا على أنّه منذ أيام يعمل على تنفيذ فكرة حول المحراب العالمي للغة العربية.
وتفاعلاً مع تلك الجملة المضافة (تجذير الناشئة في هويتها العربية الإسلامية) والجدل الكبير الذي أثارته يبين بجلاء أن الحديث عن إعادة البريق للغة العربية في حياتنا اليومية بما فيها الرسمي وغيره يبدو أنه يمثل مفصلاً كبيرًا في ما نروم أن نبني عليه تونس الغد، على حدّ تعبيره.
إعلان حرب
أوضح الباحث والأكاديمي الزموري في تصريح لـ"إيلاف" أنّ هناك حساسية كبيرة حول هذا الموضوع خاصة عندما يصل الأمر بخبراء يقدمون آراءهم بمثل هذه الحدة.
ويشير إلى أنّ موضوع اللغة العربية في تونس هو عبارة عن إعلان حرب في حين "أننا لم نتوانَ عن الكلام والترديد بأن الإعلاء من شأن اللغة العربية في بلادنا هو حقّ أولاً كمثل حقنا في أن تكون تونس دولة مستقلة لها سيادتها وحرمتها"، وبالتالي من حقنا كشعب استعمال لغتنا الأم وهي اللغة العربية كما كل الشعوب مثلما تنادي بذلك كل المنظمات الدولية.
الهوية التونسية
قال متفقد اللغة الفرنسية كمال القليعي إنّ "الهوية التونسية" بما هي تلاقح لعديد الحضارات التي مرت بتونس وتركت بصماتها إلى اليوم، تقتضي عدم التركيز على اللغة العربية دون غيرها، معتبرًا أنها لغة ككل اللغات الأخرى، فالتونسي الذي يجمع كل هذه الحضارات ينتظر أن يكون متفتحًا ومنفتحًا على الحضارات الأخرى.
وشدد القليعي في تصريح لـ"إيلاف" على ضرورة الحرص على احترام خصوصيات من يمثل هذه الحضارات والإهتمام بجميع اللغات ومن بينها اللغة العربية.
السيادة الوطنية.. الأمن القومي
وأكد الدكتور الزموري أنّ هذا البلد لن يعرف تقدمًا ونهضة في اللغات العالمية المعروفة دون الإهتمام باللغة الأم، فازدهار اللغة العربية في بلادنا يؤدي حتماً إلى الإهتمام ببقية اللهجات العربية واللغات العالمية الأخرى.
وبيّن الزموري أنه من الضروري التنصيص على الإهتمام باللغات الأخرى في إحالة إلى واقع التعليم العالي في تونس، حيث يفتقد طلاب العلم إلى السيطرة على أي لغة، موضحًا أنّ الإشكال يتمثل في أنّه وإن كانت العلوم الإنسانية والأدب تدرّس باللغة العربية فإن كل العلوم الأخرى تدرّس باللغة الفرنسية، وقليل منها باللغة الأنكليزية.
وأشار إلى وجود انحدار لغوي يحيل إلى انحدار مستوى التعليم في تونس، وانحدار مستوى البحث العلمي، وهذا يؤدي بالضرورة إلى فقدان المجتمع التونسي لبعض مقومات السيادة، فعندما يتم الحديث عن الإهتمام باللغة الأم يعني الحديث عن السيادة الوطنية التي تصل إلى مستوى الأمن القومي.
وأشار د. الزموري إلى أنّ :"هذا التوتر يؤكد أنّ بعض الأطراف لا تريد لنا سيادة كاملة على أرضنا".
المغالطة والتبعيّة
أدانت شبكة التربية والتكوين والبحث العلمي "التصريحات المتوترة والمتشنجة" ونبّه رئيسها حاتم الجلاصي في بيان له إلى "أسلوب المغالطة المتعمد من هذه الجهات لتضليل الرأي العام بإظهار العروبة والإسلام رمزًا للتخلف والرجعية".
وأكد الجلاصي تناسق الفصل 38 مع الفصل الأول من الدستور، وأشار إلى أنّ "أصحاب هذه الدعاوى يتحركون من موقع التبعية والإلحاق الحضاري والشعور بالدونية والانهزامية إزاء الآخر ما يكشف انعدام الثقة بالذات الحضارية التي يمثلها إسلامنا العظيم ولغتنا العربية الراقية".
وأشار الجلاصي إلى أنّ "تمكّن التونسي من لغته العربية وإتقانه لها وتجذره في هويته الإسلامية ليست عائقًا أمام امتلاكه العلوم الحديثة والتكنولوجيا وإتقانه اللغات الأجنبية والانفتاح على الحضارات الأخرى".
وصادق 141 نائبًا على الفصل 38 من أصل 154 نائبًا شاركوا في عملية الإقتراع بينما رفضه 9 نواب واحتفظ 4 بأصواتهم.
تعديل الفصل 38
ونتيجة هذا الجدل الواسع والاختلاف الحاصل حول الفصل 38، نظمت عديد الجمعيات المدنية وقفة احتجاجية أمام المجلس التأسيسي، وهو ما أفضى إلى مراجعة الفصل، حيث صرّح المقرر العام المساعد للدستور آزاد بادي لـ"إيلاف" أنه "تم التوصل إلى صيغة توافقية للفصل محل الجدال بعد اجتماع مطول لرؤساء الكتل والمجموعات النيابية وتمت المصادقة عليها لتصبح كالتالي: "التعليم إجباري إلى سن السادسة عشرة. وتضمن الدولة الحق في التعليم العمومي المجاني في كامل مراحله، وتسعى إلى توفير الإمكانيات الضرورية لتحقيق جودة التعليم والتربية والتكوين وترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميمها وتأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية وانتمائها الوطني والإنفتاح على اللغات الأجنبية والحضارات الإنسانية وثقافة حقوق الإنسان".