أميركا تستنجد بالصين لكبح الحوثيين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تسعى الصين، في سبيل تعزيز مكانتها العالمية، إلى احتلال موقع الصدارة الاقتصادية بحلول منتصف القرن الحالي، وما يقلق الصين أنَّ توسعها التجاري يعتمد على أسواق منهكة، تحتاج إلى إصلاحات بنيوية كبيرة. مع ذلك، هناك إصرار صيني على تبني سياسات آمنة للوصول إلى هذه الأسواق، وبشكل خاص الأسواق الضخمة، كالأسواق الأوروبية، وحتى الأميركية. وفي العام 2022، سجلت التبادلات التجارية مع أميركا نحو 690 مليار دولار، ومع الاتحاد الأوروبي نحو 912 مليار دولار، في حين بلغت التبادلات التجارية مع روسيا نحو 240 مليار دولار، يقابلها 431 مليار دولار مع الدول العربية. أما مع أفريقيا فسجلت 282 مليار دولار، ومع رابطة دول جنوب شرق آسيا نحو 975 مليار دولار، ومع أميركا اللاتينية نحو 485 مليار دولار. يعني ذلك أن الصادرات الصينية بلغت إلى هذه الوجهات 3.6 مليار دولار، في مقابل تريليوني دولار للولايات المتحدة تليها ألمانيا (1.65 تريليون) ثم هولندا (966 مليار دولار) وفرنسا (618 مليار دولار).
هناك تنافس صيني مع الولايات المتحدة والهند، يتخذ أكثر أبعاده دراماتيكية في منطقة الشرق الأوسط ( طريق الحرير والممر الهندي) وهناك نقاط تماس قد يصعب تجاوزها فيما يتعلق بمناطق النفوذ البحري، ومحاولة الصين كسر التفرد الأميركي بالقرار الدولي. وهذا القرار الدولي المتفرد مكلف، لذلك تبحث الولايات المتحدة عن حلفاء، لكن السعودية ودولة الإمارات ومصر تخلفت عن المشاركة في التحالف الرامي إلى مواجهة الحوثي الذي يهدد أمن ممرات البحر الأحمر، لأسباب عديدة أهمها أن الحوثيين يطالبون بوقف فوري للنار في غزة، وهو ما تخلفت أميركا عن السعي إلى تحقيقه، وثانيها أنَّ السعودية يربطها اتفاق تهدئة مع إيران ترعاه بكين، كما يربطها تفاهم مع الحوثيين من أجل توقيع خريطة الطريق اليمنية التي ترعاها الأمم المتحدة لتحقيق السلام في اليمن، وقد وقفت أميركا سابقاً بحزم أمام تحجيم دور مليشيا الحوثي وإبعاده عن البحر الأحمر عندما أراد التحالف العربي بقيادة السعودية استعادة الحديدة من الحوثيين لصالح الشرعية في اليمن، لكن أميركا استبدلت تحرير الحديدة باتفاق استوكهولم عام 2018.
ووقعت الصين اتفاقيات استثمارية مع إيران بقيمة تساوي 400 مليار دولار على مدى ربع قرن، وذلك بعد زيارة قام بها الرئيس الصيني إلى طهران في كانون الثاني (يناير) 2016، منها 280 مليار دولار موجهة لصناعة النفط والغاز، و120 مليار دولار ستستغل في إنشاء شبكة طرقات سريعة وسكك حديدية ومطارات ضمن إطار مبادرة طريق الحرير الجديد. وكان التصديق على الاتفاقية في 23 حزيران (يونيو) 2020، فيما صيغ الاتفاق في 27 آذار (مارس) 2021. ويسري تخوف داخل إيران من أنَّ هذه الاتفاقية تشبه معاهدة تركمانجاي لعام 1828، والتي تخلت بموجبها بلاد فارس عن أجزاء كبيرة من أراضيها لصالح روسيا، فيما يخشى البعض من أنها تعزز التبعية المتبادلة بين البلدين.
إقرأ أيضاً: أهمية إدانة أحد مرتكبي مجزرة عام 1988 في إيران
وتستغل الصين العقوبات الأميركية المفروضة على إيران وحالة الضعف التي تعاني منها إيران داخل أسواقها المحلية لتعزيز الأواصر التي تربطها بها، باعتبار أنَّ إيران تحتل مركزاً جيوسياسياً غاية في الأهمية، والتقارب بين البلدين يعزز حظوظهما في ملء الفراغ الذي أحدثه في أوراسيا الانسحاب الأميركي من المنطقة، في ظل عدم قدرة روسيا على لعب دور مماثل بعد دخولها الحرب في أوكرانيا. وعلى هذه الخلفية، يمكن فهم مبادرة السعودية التي تقود دول مجلس التعاون الخليجي إلى نسج علاقات اقتصادية وثيقة مع دول آسيا الوسطى.
بالرغم من ذلك، هناك تجاذب بين الصين والهند، خصوصاً في مجال مصالح الطاقة، وقد انضمت أوروبا حديثاً إلى هذا التجاذب بعد تقليل الاعتماد على الطاقة الروسية، فأصبح للسعودية وبقية دول المنطقة أهمية كبيرة جداً، أعادت توجيه أنظار العالم إليها كمصدر للطاقة بجميع أشكالها، ومن بينها الطاقة النظيفة، خصوصاً أنها تمتلك الاستثمارات والمساحات الشاسعة والفصول المشمسة.
إقرأ أيضاً: حرب السيوف الحديدية واليوم الذي سيلي
تعتبر الصين المحيط الهندي مجالاً حيوياً لتجارتها، حيث يمر منه 80 بالمئة من وارداتها من النفط من منطقة الشرق الأوسط، ويمر عبر المحيط الهندي ومضيق ملقا نحو 95 بالمئة من تجارة الصين مع دول منطقة الشرق الأوسط، لذلك فهي حريصة على تأمين تجارتها التي تود مضاعفتها وتعظيمها خلال العقود المقبلة، وهي تدرك أن تحديات جيوسياسية تلوح في الأفق، حتى مع تطور بحريتها باعتراف الولايات المتحدة التي اعتبرتها الأكبر في العالم طبقاً لتقرير وزارة الدفاع الأميركية في 2020، وهي تسعى إلى التواجد في جغرافيا جديدة، حيث تطمح إلى تطوير ميناء جوادر في باكستان وكياوكبيو في ميانمار، لتطل بهما على المحيط الهندي، بجانب تطوير ميناء تشابهار الإيراني وجاسك، القريبان من مضيق هرمز. والصين بحاجة إلى توافق على سياسات الحركة البحرية وحرية الملاحة والتواجد في المحيط الهندي وكسر تفرد النفوذ الأميركي في المحيط الهندي ومضيق باب المندب والقرن الأفريقي من أجل أن تبديل التوازنات مع أميركا والهند في البحر بشكل خاص.
ونقلت صحيفة فايننشال تايمز عن مسؤولين أميركيِّين في 24 كانون الثاني (يناير) 2024 أنَّ الولايات المتحدة طلبت من الصين حث إيران على كبح هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، لكنها لم تتلق أي مؤشر على استعداد بكين لتقديم أي دعم في هذا الصدد، خصوصاً أنَّ الصين وروسيا لم يستخدما الفيتو أمام القرار الأممي 2722 ضد الحوثيين، وهذا الطلب طرحته أميركا أمام المسؤولين الصينيين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، حيث ناقش مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان ونائبه جون فاينر هذا الطلب في واشنطن خلال كانون الثاني (يناير) 2024 مع رئيس الدائرة الدولية للجنة المركزية الشيوعي الصيني ليو جيان تشو، وكذلك ناقش وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع نظيره الصيني، لكن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أنَّه لا توجد مؤشرات تذكر على أنَّ الصين مارست ضغوطاً على إيران لكبح هجمات الحوثيين.
إقرأ أيضاً: إسرائيل وأميركا أفضل من إيران وحماس
لكن دخل التصعيد في المنطقة مرحلة جديدة بعد الإعلان عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين وإصابة أكثر من 30 جندياً في هجوم نفذته الجماعات المسلحة التابعة لإيران في العراق على قاعدة أميركية في قاعدة التنف الأميركية على الحدود العراقية السورية الأردنية في 28 كانون الثاني (يناير) 2024، عندها سجل التومان الإيراني انخفاضاً كبيراً مقابل الدولار ليصل إلى 57 ألف تومان لكل دولار، ما يكشف عن مدى هشاشة الأسواق الإيرانية التي باتت تتأثر بالأحداث السياسية، وذلك بعدما كان التومان يباع قبل هذا الهجوم بنحو 51 ألفاً.
تدرك الصين أن الأزمة متعلقة بوقف النار الفوري في غزة، مثلها مثل السعودية وبقية الدول العربية، التي تطالب أميركا والمجتمع الدولي بوقف فوري للنار في غزة، بالرغم من ذلك، طالبت الصين إيران بوقف هجمات الحوثيين، وإلا فإنَّ ضرراً قد يلحق بالعلاقات التجارية بين البلدين، لأن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت إلى ارتفاع تكلفة الشحن والتأمين نتيجة لما تسببت به من اضطرابات لمسار تجاري رئيسي بين آسيا وأوروبا تستخدمه السفن التي تبحر من الصين على نطاق واسع.
إقرأ أيضاً: إيران وفشل نظرية ولاية الفقيه
وشكك البعض داخل المؤسسة الحاكمة في إيران بأهمية الشراكة مع بكين، مشيرين إلى انخفاض نسبي في حجم التجارة والاستثمارات غير النفطية منذ وقع البلدان اتفاقية مدتها 25 عاماً في 2021، حيث استثمرت الشركات الصينية 185 مليون دولار فقط، وانخفضت صادرات إيران إلى الصين بواقع 68 بالمئة في 2023، بينما ارتفعت وارداتها 40 بالمئة، فيما التزمت الشركات الصينية باستثمار المليارات في السعودية بعد توقيع الشراكة الاستراتيجية في كانون الأول (ديسمبر) 2022.
إيران في حيرة من أمرها بين أن تستمر زعيمة لمحور المقاومة الذي يضم الحوثيين وحزب الله اللبناني وحماس وفصائل مسلحة في سوريا والعراق، وبين الانجرار إلى حرب إقليمية بسبب غزة، أو أن تستجيب للاندماج في رؤية المملكة التي تقودها السعودية خصوصاً أن اقتصادها ليس بحجم اقتصاد إسرائيل الذي يقدر بأكثر من 500 مليار دولار، وهو رابع اقتصاد في المنطقة بعد اقتصاد السعودية ثم تركيا فالإمارات، بينما اقتصاد إيران اقتصاد متهالك انخفض من 413 مليار دولار في 2019 إلى 191 مليار دولار في 2022. ووفق صندوق النقد الدولي، يحتمل أن يبلغ الناتج المحلي لإيران عام 2023 نحو 368 مليار دولار بعدما خففت إدارة بايدن العقوبات المفروضة على إيران والمشددة في ظل إدارة ترمب.