فضاء الرأي

شركات الأسلحة وإثارة الحروب (2)

قطاع صناعة الأسلحة الوحيد الذي لم يتأثر كثيراً في مرحلة جائحة كورونا
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لا يخفى أن الملايين من الناس (اقرأ الجزء الأول من المقال على هذا الرابط) والآلاف من المهندسين والخبراء والعلماء في جميع الدول المصنعة والمصدرة للسلاح يعيشون من نتاج هذا القطاع، خسارته أو أرباحه تؤثر بشكل مباشر ليس فقط على معيشة شريحة من المجتمع، بل على الاقتصاد الوطني بشكل عام. دوره بارز في الاقتصاد الأميركي، نسبته تتجاوز 3 بالمئة من الدخل الوطني، يرفع ويخفض من نسبة البطالة في الشارع الأميركي، كما يؤثر على سوق الأسهم ليس فقط الأميركية بل العالمية، وبالتالي أي تباطؤ في الإنتاج قد يخلف أزمة إدارية واقتصادية في الدولة، إلى درجة أنَّ دعم هذا القطاع من أحد أهم البنود الخلافية في الحملات الانتخابية الرئاسية في أميركا، ومن المعروف أنَّ شركات هذا القطاع تتبرع بشكل مباشر وغير مباشر عن طريق أشخاص أو شركات وهمية للمرشحين ولبعض أعضاء الكونغرس بأموال تجاوزت في الحملات الأخيرة المليار دولار، وبها يتم تشكيل لوبي سياسي قوي، وتحصل بالمقابل على مرونة بيع بضائعها في السوق المحلية مثل أي بضاعة استهلاكية، ومن ثم نشر فكرة إيجابيات بيع السلاح في الداخل الأميركي، وهو ما يؤثر على سهولة تسويقه في الخارج.

ربما لا يعلم العديد منا، أن قطاع صناعة الأسلحة في العالم، ليس فقط في أميركا، بل في الصين والهند وروسيا وغيرها من الدول المصنعة، الوحيد الذي لم يتأثر كثيراً في مرحلة جائحة كورونا، بل ازدادت نسبة أرباحه إلى قرابة 700 مليار دولار، في الوقت الذي عانت فيه جميع القطاعات الأخرى وبكل أنواعها في العالم إما الكساد أو الخسارات الهائلة. وفي الوقت الذي تراجعت فيه الاقتصاد العالمي بنسبة أكثر من 3 بالمئة، سجل قطاع الصناعات العسكرية نمواً بلغت نسبته واحداً ونصف بالمئة. وعلى سبيل المثال، الشركة الأميركية "لوكهيد مارتن" المعروفة على مستوى صناعة الطائرات حققت أرباحاً بلغت قرابة 60 مليار دولار في عام 2020، وهذا الربح خلق دعماً معنوياً لإستراتيجيي الاقتصاد الأميركي.

لا شك هذا القطاع في أميركا يعاني عادة عند هيمنة الديمقراطيين على البيت الأبيض والكونغرس، باستثناء الرئيس الأسبق باراك أوباما ولأسباب شتى. فعلى سبيل المثال، تراجعت مبيعات القطاع مع مجيء إدارة الرئيس الحالي جو بايدن تحت دعاية تغيير سياسة تصدير الأسلحة لمصلحة حقوق الإنسان، وفي العام الأول من إدارته، أي عام 2021، تراجعت نسبة المبيعات بواقع 21 بالمئة وليس نسبة الأرباح، مقارنة بالسنة السابقة عندما كانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في البيت الأبيض، الذي خفف القيود على بيع الشركات لأسلحتها وشراء الدول لها (بلغت كمية الصفقات قرابة 550 مليار دولار في عهده، منها 350 مليار دولار مع السعودية على مدى عشر سنوات وقيل فيما بعد إنها كانت إعلامية) وتم تغطية التراجع في عهد الإدارة الحالية بالشراء الداخلي، أي بدعم من البنتاغون، لذلك رفعت الإدارة سقف حصة وزارة الدفاع من الدخل الوطني العام.

إقرأ أيضاً: أنا ولجنة التحديد والتحرير (1)

من المستفيد من نشر مفهوم دور شركات السلاح الأميركي دون الدول الأخرى في خلق الحروب؟

من المناسب عند الحوار حول هذا المفهوم، تجاوز البعد الإيديولوجي، فأدوات التدمير لا تعرف الأديان والإيديولوجيات، أياً تكن منابعها أو البنية التي يتم على أسسها تصديره، تظل مصدراً للقتل وخلق الصراعات والحروب والكوارث. فجميع الأديان السماوية، اليهودية والمسيحية والإسلام، أسست إدارات للسيطرة، وكونت إمبراطوريات أو شاركت في إدارتها، ونشرت مفاهيمها، واستخدمت للهيمنة آخر الاختراعات من الأسلحة وطورت صناعتها، أي بها وسعت حلقات الكوارث، وقتلت الملايين، ومثلها جميع الإمبراطوريات حتى الحضارية منها، مثلما يجري اليوم، كالسوفيتية والأميركية والأوروبية، فلا يوجد من هو أفضل من الآخر، مصالح الجميع فرضت شروطها، ولا تزال، ومن سيأتي مستقبلاً سيسير على المنهجية ذاتها للهيمنة، ولن تظهر في البشرية إمبراطورية مبنية على الرحمة ورفع راية السلام والمحبة، فقد كانت الحروب موجودة والكوارث مرعبة قبل ظهور الإمبراطوريتين الأمريكية والسوفيتية، فجدلية الصراع بين الحرب والسلام، القتل والرحمة، خلقت مع الإنسان وستظل، هناك من يظهرها بأوجه مختلفة للتغطية على مجازره.

إقرأ أيضاً: أنا ولجنة التحديد والتحرير (2)

حروب اليوم ومجرياتها يجب أن تدرس بمنهجية منطقية، ومن ينشرها بهذه الضحالة بل بالخبث الفكري، يريد أن يغطي على الصراعات القومية والمذهبية، فلم يعد غريباً أن أكثر المستندين عليها هي الأنظمة الفاشلة، الدكتاتورية والعنصرية، تحاول بها التغطية على طغيانها، وإلقاء أسباب تخلف شعوب المنطقة على قوى خارجية، ومن جهة أخرى القضاء على حقوق الشعوب المعانية بإلقاء الذنب على الدول المصدرة للسلاح لتبرئة الذات من جرائمها، وأخبث من يوهم مجتمعاتنا في منطقة الشرق الأوسط بهذا المفهوم هي الدول المحتلة لكوردستان، إيران وتركيا والمتحدثة بالعربية وغيرها من الدول التي تهضم حقوق الشعب الكوردي، فقد كانت على ما هي عليه من الإجرام وخلق الكوارث قبل أن تظهر أميركا وأوروبا والاتحاد السوفيتي كإمبراطوريات تبيع الأسلحة، فهي من مخلفات الإمبراطوريات المحلية التي غرقت في الإجرام.

إقرأ أيضاً: موقف الرئيس الأميركي القادم من القضية الكوردية

الأنظمة السائدة في الشرق الأوسط لا تزال تحمل مورثات الإجرام والتدمير من الإمبراطوريات الأم، حيث القتل على الهوية أو الانتماء القومي أو الديني والمذهبي، فما قدمته وتقدمه إيران وتركيا اليوم للمنظمات الإرهابية في المنطقة وأدواتها وأذرعها وعلى رأسها داعش (قدم نوري المالكي رئيس وزراء العراق بأمر من أئمة ولاية الفقيه أسلحة ومعدات ثلاث فرق عسكرية لداعش، تجاوزت 1700 مدرعة والعشرات من الدبابات، كما فعلها نظام بشار الأسد وقدم أسلحة ومعدات فوج المهلبية ولواء 91 ومن قواعد في تدمر وبمساعدة روسيا) ومثلها فعلها نظام أردوغان في البداية كصفقة مقابل عناصر قنصلية تركيا في الموصل، وبعدها كاتفاقية لمحاربة القوى الكوردية. الدولتان دفعتا بهذه المنظمة لتدمير إقليم جنوب كوردستان والإدارة الذاتية في غرب كوردستان، وأميركا وبسلاحها أنقذت المنطقة من جرائمهما، فلنحكم في المجازر التي تمت بحق الشعب الإيزيدي والمسيحيين في المنطقة، من هو المجرم هنا؟

ما دمره النظامان يتجاوز جميع ما قدمته مصانع الأسلحة الأميركية والأوروبية لحلفائها في المنطقة، واليوم المنظمات المنضوية تحت راية أدوات إيران الشيعية (المقاومة الإسلامية) أو المعارضة التكفيرية المنضوية تحت حماية تركيا السنية، تخلق الكوارث والمجازر تتجاوز معظم الحروب التي خلفتها أميركا في الشرق الأوسط، وفي الواقع الجدلية بدأت تظهر للإنسان الواعي بوجهها الصحيح، السلاح الأميركي هو للدفاع في وجه أنظمة الإجرام والتدمير، مع ذلك الأنظمة الفاشلة والعنصرية تصرف الملايين على الإعلام الخبيث بالترويج للمفهوم المذكور للتغطية على جرائمها بحق شعوب المنطقة وخاصة بحق الشعب الكوردي.

إقرأ أيضاً: كيف سترد أميركا بعد قتل جنودها؟

شعوبنا تحتاج إلى حركات تنويرية لإنقاذ مجتمعاتنا من الأنظمة الطاغية وأدواتها، بتعريتها والحد من طغيانها وخلقها للكوارث في المنطقة، علينا أن ندرك أنها الأكثر إفادة من هذا القطاع المدمر، ولا شك شعوبنا تحتاج إلى التدخل الخارجي بالرغم من تعارض الفكرة والمطلب مع الأبعاد الوطنية، لكن الأنظمة الطاغية لم تبقي مجالاً لذلك، لأنها شوهت حتى المفاهيم الوطنية والإنسانية، فجرائم نظام بشار الأسد ونظامي أردوغان وأئمة ولاية الفقيه وغيرهم خير مثال، لهذا فهم يتفقون على محاربة الوجود الأميركي والقوى الخارجية ليس حباً بالوطن بل حفاظاً على هيمنتها وطغيانها وتغطية على جرائمها، علماً أنهم على خلاف حاد وصراعات داخلية في المجالات الأخرى، لو كانوا صادقين في مواجهة آلة الحرب، لقاموا بحل الخلافات القومية والمذهبية، وتطبيق الديمقراطية وإعطاء الشعوب حقوقها وعلى رأسهم حقوق الشعب الكوردي، وحل قضيتهم القومية، وتحرير كوردستان من احتلالهم، وبها لتمكنوا وبسهولة من حل القضية الإسرائيلية والفلسطينية، حينها سيكون سهلاً الحد من التدخل الأميركي أو الأوروبي أو الروسي وغير ذلك من أنواع التدخل، والقضاء على عبث المنظمات الإرهابية، وبها ستموت السوق المفتوحة لشراء أسلحتهم، وللأسف وعلى خلفية هيمنة الأنظمة الفاجرة على منطقتنا فشعوبنا تعاني أكثر من جميع شعوب العالم، الإشكالية التي ظهرت مع وجود الإنسان ولن تموت إلا بموته، أو موت الأنظمة الفاشلة في الشرق الأوسط.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف