قتل ثلاثة جنود أميركيين وجرح أكثر من 25 آخرين، الأحد، وبعض المصادر تقول 34، من قبل أذرع إيران في سوريا والعراق، في عملية فتحت أبواب التوقعات حول توسع جبهة الصراع في المنطقة، والمستند على احتمالات الرد الأميركي، والتي بلغت سويتها من بعض أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري إلى درجة الطلب بقصف إيران مباشرة، بل وحتى طهران ذاتها. والمقترحات المطروحة على طاولة البحث ذات وجهين:

أولآً: البنتاغون يطالب برد فعل قوي على إيران قبل ميليشياتها، وتجاوز مبدأ عدم المبالاة بالهجمات التي بلغت 159 هجوماً منذ بدء عملية طوفان الأقصى والرد الإسرائيلي، وقد صرح بعض قادة البنتاغون، ومن بينهم متقاعدون (وهم أصحاب الاستراتيجية القديمة حيث استخدام القوة المدمرة الرادعة، تسايرهم منهجية الحزب الجمهوري عندما لا يكونون في البيت الأبيض) أنَّ الردود العسكرية السياسية الناعمة لم تعد تجدي نفعاً، بل السياسة الرخوة فتحت الأبواب للإرهابيين للمرور والتعرض لقواتنا، وضرب مصالحنا في المنطقة، ونوهوا أن هذه العمليات في المستقبل ستصل إلى الداخل الأميركي. قدمت هذه الرؤية والاقتراح لإدارة البيت الأبيض بعد ساعات من قتل الجنود، ولا شك في أنَّ الحلفاء ودول المنطقة وبشكل خاص إيران وأدواته ينتظرون رد الفعل من إدارة الرئيس جو بايدن، والتي إذا تخلت عن استخدام القوة ستؤثر سلباً على استراتيجيتها الطويلة المدى في الشرق الأوسط.

ثانياً: إدارة البيت الأبيض لا تزال تدرس داخلياً ومع دول الحلفاء طريقة وسوية الرد، بالرغم من التصريح القوي الصادر من الرئيس بايدن مباشرة، حول العملية التي زادت من مشاكل الإدارة في هذه الفترة التي تواجه فيها إشكاليات داخلية كبيرة، منها الصراع المتصاعد ما بين ولاية تكساس وواشنطن، أي عملياً بين منهجية الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حتى ولو أنها تدرس كخلافات دستورية، أي ما بين السلطة الفيدرالية والولاية حول الحدود وقضية المهاجرين، والتي بلغت درجة المواجهة العسكرية خصوصاً بعدما أيدت تكساس قرابة 25 ولاية، كما وأن الإدارة قد بدأت مرحلة التحضير للانتخابات الرئاسية، أمام منافس قوي يتهم الإدارة الحالية بالضعف والتزوير الانتخابي.

وفي الحالتين، فإنَّ العملية التي طالت القاعدة الأميركية، أو ربما برج للاتصالات رقم 22 أو ما يسمى بقاعدة الركبان، وهي في البعد العسكري تابعة لقاعدة تنف الموجودة في سوريا مع حدود الأردن والعراق، بالمسيرات من قبل أدوات إيران في بادية سوريا ومنطقة الأنبار العراقية، بالرغم مما صدر من البنتاغون على أن الجنود قتلوا داخل الأردن، والحكومة الأردنية نفت أن تكون ضمن أراضيها، تبين أن الأدوات الإيرانية استلمت أوامر بتصعيد سوية هجماتها خارج العراق وذلك على خلفية الصراع الداخلي بين القوى السياسية العراقية حول مطالبة أميركا بسحب قواتها، وفي البعد العسكري تمت العملية على خلفية القصف الأميركي لقواعد الحوثيين، ودعماً لأطراف الحكومة العراقية التي تطالب أميريكا بالانسحاب العسكري من أراضيها، قبل أن يكون رداً على ما يجري في قطاع غزة، وكما هو معروف أن الانسحاب الأميركي من المنطقة غاية رئيسية تشترك فيها روسيا وتركيا وإيران، بالرغم من اختلاف مصالحهم منه.

والسؤال الخطير هنا:

أولاً: هل إدارة بايدن ستقوم برد فعل سلبي وتنسحب من العراق وسوريا، وستبين أن مصالحها لم تعد بذات الأهمية في المنطقة، ولا تحتاج إلى وجود قواتها هناك؟ وستتبنى استراتيجية مختلفة مع القوى المعادية لها في الشرق الأوسط؟ وهو ما قام به الرئيس الأسبق باراك أوباما وفشل، ودفع بأميركا إلى أن تتحول إلى دولة رخوة أو ضعيفة أمام روسيا والصين وفي مواجهة إيران وتركيا طوال العقدين الأخيرين، وبها خسرت الكثير من مصالحها في المنطقة، وهذه ستكون تتمة لتلك المسيرة الرخوة، وبها ستفتح الأبواب لإيران بالتعرض لأمن إسرائيل، كما وستتحكم بكل سوريا، وقد تؤثر سلباً على جنوب وغرب كوردستان، الإدارتين الكورديتين اللتين تتحين تركيا وإيران أبسط الفرص للتعرض لهما، كما تعني القضاء على القوى المعادية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وعلى الأرجح ستشترك فيها تركيا وروسيا، حتى لو أن لروسيا استراتيجية مختلفة في المنطقة قد تتصادم مع الإستراتيجية الإيرانية مستقبلاً.

إقرأ أيضاً: انتقد حماس أو إيران.. فتصبح من "الصهاينة العرب"!

ثانياً: أم ستزيد الإدارة من قواتها لتبين لقوى المواجهة أنها لن تنسحب، وهذا يوجب رد فعل قوي، ليس فقط ضد أدوات إيران، بل وضد إيران ذاتها؟ وعلى الأرجح إن تم تبني هذه الخطة، سيكون رد الفعل قريباً؛ أي أيام لا أسابيع، وهذه سيزيد من الدعم الأميركي للإدارتين في جنوب وغرب كوردستان، لكونهما أوثق الحلفاء في المنطقة.

ثالثاً: في الحالة الثانية، هل ستحصل على دعم من دول التحالف وتكون قد فتحت جبهة ثالثة، بعد الجبهة الأوكرانية والإسرائيلية مع حركة حماس، علما أن هذه جبهة متعددة الجغرافيات، وتحتاج إلى دعم من القوى الإقليمية؟ وكما تبين في العقدين الأخيرين أمريكا لم تعد تقحم قواتها في حروبها كإمبراطورية، بل تعتمد على القوى المحلية، وبدعم من قواتها الجوية ومستشارين وغيرهم.

إقرأ أيضاً: إسرائيل وأميركا أفضل من إيران وحماس

رابعاً: هل ستتمكن إدارة بايدن من إقناع تركيا بالوقوف إلى جانبها، وتعني تنازلها لمطالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتعددة؟ وهي الدولة الثانية في الناتو، وقد تحاول أميركا أن تقحم الناتو كمنظمة في الصراع مع إيران وروسيا في الشرق الأوسط فيما لو انتشرت بؤر الحرب في المنطقة.

خامساً: هل توسع الصراع في المنطقة في الفترة التي لا تزال إسرائيل في حرب مع حركة حماس، وحرب روسيا وأوكرانيا، ستكون في صالح إسرائيل وأميركا ودول التحالف، أم لصالح أعدائهم، وهو ما يدرس بشكل مستمر في البيت الأبيض؟ وكما نعلم أن أميركا، وبالرغم من حشد قواتها الهائلة في البحار المحيطة بالشرق الأوسط، كانت ترجح عدم توسع الحرب، علما أنها في السابق كانت تريد جر إيران إلى حرب مباشرة.

إقرأ أيضاً: "القوات الوكيلة": أداة النظام الإيراني لترويج الحرب وخلق الأزمات!

الولايات المتحدة الأميركية، وبشكل خاص إدارة بايدن، تواجه إشكالية حساسة أمام الداخل الأميركي قبل أن تكون مع القوى الحليفة في المنطقة، وحيث مصالحها، ومحاربة داعش، وغيرها من المسائل التي تفرض وجودها العسكري في كل من سوريا والعراق. وهذه تتطلب منها الرد على سوية إمبراطورية عسكرية اقتصادية، قبل أن تكون سياسية - دبلوماسية، لئلا تخسر الحملة الانتخابية أمام الرئيس السابق دونالد ترامب كصراع داخلي، والكثير من مكانتها كقطب متفوق كصراع دولي، وإلا فستخسره في فترة أقصر مما هو متوقع ليس أمام الصين وروسيا بل أمام دول إقليمية كإيران وتركيا، القضية التي يدركها إستراتيجييها بدقة، وهو ما تؤدي إلى خلافات ما بين البنتاغون والجمهوريون ووزارة الخارجية والبيت الأبيض أحياناً، وهو ما حدث في فترة أوباما، وترامب، والتي أدت بعد عملية سحب القوات من سوريا إلى استقالة وزير دفاع الأخير بعد يوم من القرار، وتم التراجع عنه فيما بعد، ولا يستبعد أن تكون إدارة بايدن على نفس المنهجية، خصوصاً في المرحلة الانتخابية الجارية، والتي جاءت هذه العملية كهدية للجمهوريين، فقد أصبح من المعروف أن المراحل الثلاث الأخيرة تعتبر من أضعف المراحل في التاريخ الأميركي السياسي - العسكري، وفيها خسرت الكثير من مكانتها كإمبراطورية، ومصالحها كقوة رأسمالية في المستقبل، حتى ولو كانت لفترة قد تمتد لعقود طويلة، على خلفية ثقل وقوة شركاتها الرأسمالية الهائلة وتشعبها الاقتصادي الرهيب في العالم.