مصطلح "القوة بالوكالة" مرادف لـ "الحرب بالوكالة" في الثقافة السياسية، وتشير "الحرب بالوكالة" سياسياً إلى الصراعات العسكرية التي تدخل فيها دولة ما في حرب مع دولة أخرى أو قوة خارج المنطقة الخاضعة لسيادتها دون التدخل المباشر للقوات العسكرية للدولة.
تُستخدم تعريفات "الحرب بالوكالة" و"القوة بالوكالة" في الثقافة السياسية الكلاسيكية والعامة.
لكن في نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران، تختلف أبعاد ووظائف "القوات بالوكالة" و"الحرب بالوكالة" باختلاف البلدان، لذلك يمكن القول أنها ليست تقليدية بمفاهيمها الكلاسيكية.
إنَّ نظام ولاية الفقيه بحاجة ماسة إلى وسيلتين للحفاظ على ديمومته في السلطة، الوسيلة الأولى يستخدمها داخل إيران، وهي قمع المظاهرات وإسكات الأصوات التي تنتقد السلطة الحاكمة، بدليل الإدانة العالمية 70 مرة في الأمم المتحدة ومئات المرات من قبل المنظمات الدولية الأخرى، بما في ذلك منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، التي أدانت هذا النظام بسبب انتهاكاته المنهجية لحقوق الإنسان.
أما الوسيلة الثانية التي يعتمد عليها هذا النظام ويستخدمها من خلال القوى التابعة له "القوات الوكيلة" فهي إشعال الحرب وخلق الأزمات في الدول الواقعة تحت نفوذه.
وتم إنشاء فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني من أجل إنشاء وتوظيف قوات بالوكالة، وكان له حضور ملحوظ في معظم الحروب والأزمات الإقليمية، ومؤشر هذا الحضور كان قاسم سليماني الذي كان له تواجد دائم في سوريا والعراق ولبنان، وكان هذا الدور جريئاً ورسمياً لدرجة أن جواد ظريف، وزير خارجية النظام السابق، قال في مقابلة مثيرة للجدل إن "الميدان" يحدد سياستنا الخارجية.
يعني أن وزارة الخارجية هي رهنُ إشارة القوة الميدانية والتقدم في خطوطها! واستجابة لهذه الضرورة، قال إنه عقد رسمياً وخطط لعقد اجتماعات أسبوعية مع قاسم سليماني وناقش و"اتخذ موقفاً" لدفع خطوط النظام الداعية إلى الحرب.
وأفادت وكالة قوات الحرس (فارس) 25 أيلول (سبتمبر) 2021، أن غلام علي رشيد، أحد كبار قادة قوات الحرس وقائد المقر الرئيسي لقوات الحرس المعروف بـ "مقر خاتم الأنبياء"، قال: "يوجد جيش في لبنان يسمى حزب الله، وجيشان في فلسطين المحتلة يسميان حماس والجهاد الإسلامي، وجيش في العراق يسمى الحشد الشعبي، وجيش في اليمن يسمى أنصار الله، وجيش في سوريا، وكل هذه تعتبر رادعاً لحماية بلدنا الحبيب إيران"!
مشردو غزة
وفي تنظيره للوجود "المكلف بالوكالة"، قال خامنئي بوضوح مرات عديدة إنه إذا لم تكن لديهم قوات فاعلة في هذه الساحات والميادين، فعليهم قتال "العدو" (يقصد الشعب الثائر والشباب الثائر في إيران) في مدن إيران.
ومن الناحية السياسية، فإن وجود قوات بالوكالة عن النظام في الحروب الإقليمية له فوائد كثيرة وضرر أقل بكثير من التدخل العسكري المباشر.
ومثال واضح على ذلك الجرائم التي ارتكبها حزب الله في سوريا خلال الـ 12 عامًا الماضية ضد الشعب السوري والحشد الشعبي في العراق ضد الشعب والمنشقين المناهضين للحكومة والحوثيين في اليمن الذين يعملون نيابة عن النظام الإيراني.
بينما لو تم تنفيذ هذه الحروب مباشرة من قبل الحرس الثوري الإيراني، لكان من المؤكد أنها ستؤدي إلى إنجازات أقل وخسائر سياسية أكبر بكثير.
لماذا يحتاج النظام الإيراني إلى قوة وكيلة؟
إنَّ أهم هدف لدى النظام الإيراني من "الحرب بالوكالة" وغير المباشرة هو إثارة الأزمات خارجياً وعرقلة الانتفاضة داخلياً، وهو ما قاله خامنئي مرات عديدة لمسؤولين آخرين في النظام: "إذا لم نقاتل في العراق وسوريا واليمن ولبنان سنضطر للقتال في المدن الإيرانية "، يعني القتال ضد الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية.
وفي هذا الصدد، هناك هدف آخر للنظام وهو الضغط على الحكومات الغربية والإقليمية بهدف وضع المزيد من القيود ضد "العدو" و"الحليف الرئيسي" للنظام، أي المقاومة الإيرانية التي نجحت في تنظيم ثورة كبيرة للغاية وتشكيل جبهة واسعة وقوية ضد النظام الإيراني على المستوى الدولي.
ومن بين أمور أخرى، يمكننا أن نذكر دعم 120 رئيساً ورئيس وزراء ووزيراً سابقاً، و3400 برلمانياً في 5 قارات، وحائزين على جائزة نوبل وآلاف رؤساء البلديات في أوروبا للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وخطة مريم رجوي المكونة من 10 نقاط.
وهذه حقيقة لا جدال فيها، وقد اعترف بها حتى أعضاء حكومة النظام الإيراني، لأن هذه المقاومة تقاتل من أجل إسقاط النظام منذ أكثر من أربعين عاماً، وبمساعدة أعضائه ومؤيديه، جمع هذا المجلس كل إمكانياته وقدراته من تعليم وثروة وحياة في هذا الوعاء حتى يتمكن شعب إيران من التخلص من الدكتاتورية الدينية والحصول على حريته وحقوقه.
لقد كان أحد أهم أنشطة المقاومة الإيرانية الإجراءات التي قام بها أعضاء المقاومة لإنهاء حرب الخميني التي استمرت ثماني سنوات ضد العراق وإجباره على شرب كأس السم في وقف إطلاق النار، وهو أمر اعترف به الخميني والعديد من الأعضاء الرئيسيين في هذا النظام مرات عديدة.
ومن الأنشطة الأخرى للمقاومة الإيرانية التي فاجأت العالم، الكشف عن خطة النظام للحصول على قنبلة ذرية من خلال مئات المقابلات والمؤتمرات الصحفية، ولا شك أنه لولا هذه الإكتشافات لكان هذا النظام قد تسلح بالقنبلة الذرية ولغير مصير المنطقة والعالم.
إنَّ مصداقية المجلس الوطني للمقاومة وديناميكيته كبيرة لدرجة أن مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي السابق، ومايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي السابق، والعديد من أعضاء مجلس الشيوخ والبرلمانيين من مختلف دول العالم اعترفوا بشرعيته أمام العالم وأعربوا عن دعمهم له.
الحل الواقعي
قال مسؤول المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في الإعلان المؤرخ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وهو نفس اليوم الذي افتعل فيه خامنئي ووكلاؤه أزمة في غزة: "لقد قلنا ونكرر إن من يريد السلام في الشرق الأوسط عليه أن يستهدف رأس الأفعى، وهي الفاشية الدينية الحاكمة في طهران، وفي قضية فلسطين ندعم الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، ومنظمة فتح ومطالبهم المشروعة تجاه الشعب الفلسطيني ونقدم الدعم الكامل والشامل لهم".
إنَّ المقاومة الإيرانية تحاول منذ سنوات ولا تزال تحاول أن تظهر للعالم أن نظام ولاية الفقيه هو العائق الرئيسي أمام السلام والأمن والمصدر الرئيسي لإثارة الحرب، أي رأس الأفعى، وينبغي توجيه كل الاهتمام ضده.
الحل الجذري هو وضع علامة الهدف على رأس الأفعى كمفتاح للخروج من المأزق الذي تعيشه المنطقة، إن الإطاحة بالفاشية الدينية الحاكمة في إيران تعني تحرير الشعب الإيراني والمنطقة برمتها من شرور أخطبوط ولاية الفقيه والقوات العميلة التابعة له.
التعليقات