فضاء الرأي

"صيدنايا" الهولوكوست السوري

رجل يحمل في 9 كانون الأول (ديسمبر) 2024 حبلاً يستخدم لشنق المعتقلين في سجن صيدنايا في سوريا
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

استيقظ العالم الأحد، صبيحة هروب بشار الأسد في الثامن من كانون الأول (ديسمبر) 2024، على فاجعة سجن صيدنايا أو المسلخ البشري، كما وصفته منظمة العفو الدولية.

أسس الدكتاتور الأب حافظ الأسد سجن صيدنايا في ثمانينيات القرن الماضي، وسرعان ما اكتسب سمعة سيئة لدى السوريين كأحد أكثر الأماكن سرية ورعباً في العالم. لقد دخل الآلاف صيدنايا ولم يخرجوا منه أبداً.

شاهد العالم الأجساد البالية، والوجوه الشاحبة، وغرف الملح، وغرف الإعدام، ومكابس سحق الجثث. لقد كان كل شيء في الصورة لا يشبه العالم الذي نعرفه، أو حتى الذي قرأنا عنه. روايات المعتقلين صادمة؛ حفلات الإعدامات، والتعذيب، والضرب بالكابلات كانت مروعة.

كان مراسلو القنوات التلفزيونية يدخلون مهاجع المعتقلين ثم يغادرونها سريعاً؛ لم يكن أحد منهم يقوى على احتمال الرائحة الكريهة. كان المعتقلون ينزفون، ويأكلون، ويتغوطون في ذات المكان الذي ينامون فيه. لم يكن أحد يعبأ بهم؛ مجرد أرقام أو جثث مؤجلة الدفن. كان الناجون من مكابس سحق الجثث يموتون من السل أو الجرب أو الأمراض المعدية.

رأى العالم النساء المذهولات المنهكات والمنتهكات، والأطفال التائهين بين الممرات. وبحسب روايات الشهود، لم يعرف هؤلاء الأطفال العالم الخارجي أبداً.

إقرأ أيضاً: سقوط حلب المدوي

عند وصول الثوار، وحتى فتح الأبواب الحديدية، لم يستوعب المعتقلون الحدث! البعض منهم لم يتحرك من مكانه؛ لقد كان بحاجة لأمر حتى يتحرك. البعض الآخر كان فاقداً للذاكرة تماماً، حتى اسمه لم يعد يتذكره.

في روايته الشهيرة "القوقعة"، يسرد مصطفى خليفة قصة اعتقاله في سجن تدمر لمدة 13 عاماً، وتعرضه لأهوال من العذاب لا توصف. حتى أولئك الذين كانوا شركاء معه في المعاناة كان يخشى منهم؛ لم يعد يثق بأحد. لقد بنى حول نفسه قوقعة، وبات يسترق النظر من خلالها للآخرين وللعالم. لقد حوّله هول التعذيب إلى جسد متوجس، فقد فيه روحه وعقله، وما بقي فيه من إنسانية.

إقرأ أيضاً: حزب الله.. قبول ما لا يمكن قبوله!

صيدنايا لم يكن إلا أنموذجاً واحداً من عشرات المسالخ البشرية والأفرع الأمنية الرهيبة الممتدة عبر طول الجغرافيا السورية وعرضها.

حتى لا ننسى، وينسى العالم، وحتى لا تتكرر التجربة، يجب أن يكون صيدنايا مكافئاً لسجن الباستيل في فرنسا، ومعسكرات الاعتقال النازية في داخاو وأوشفيتس في ألمانيا. يجب أن يبقى المبنى شاهداً صامتاً على الفظائع التي ارتُكبت. يجب أن يكون تاريخ تحريره عطلة وطنية في سوريا الجديدة.

وفاءً لعذابات الشهداء وجراحات الأبرياء، إنه الهولوكوست السوري، القصة التي يجب أن تروى لكل الأجيال.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف