اصطناع المناسبات والاحتفالات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هناك فرق كبير بين مجتمعات لديها مناسبات أو تختلق مناسبات اجتماعية تستغلّها لتدرّ عليها الأموال والأفراح والسعادة، ومجتمعات لديها مناسبات أو تختلق مناسبات اجتماعية لتعطّل حركة الحياة وتسلب الابتسامة والفرحة وتسبّب الخسائر في المال والزمن وتؤثّر سلباً على حياة الناس. المجتمعات من الصنف الأول مجتمعات حيّة، تريد الحياة، مجتمعات مبدعة تتفاعل مع كل جديد. أمّا المجتمعات من الصنف الثاني فهي مجتمعات عليلة، ضعيفة تبحث عمّن يعطيها جرعة تخدير وتعيدها إلى السبات. فلو أخذنا إحدى المناسبات التي تختلقها المجتمعات المبدعة مثل مناسبات عيد الأم أو عيد الحب أو إقامة دورات الألعاب الرياضية أو المهرجانات الفنية وغيرها، نلاحظ حركة السوق في البيع والشراء تنشط، بيع الهدايا والورود، وحركة السياحة والفندقة والفرحة والنشاط والكسب التجاري، والآلاف من الناس خلال هذه المناسبات تتوفّر لهم فرص عمل مؤقتة قد تكون فرص عمل إضافية أو فرص عمل منتظرة لمثل هذه المناسبات. وهذه المناسبات بحدّ ذاتها لا تعرقل حركة الحياة ولا تسبّب أي ترهّل تجاري بل العكس تماماً تضيف للعمل وللحياة نكهة. ولو أخذنا مثالاً مغايراً لهذه المناسبات مثل بعض المناسبات الوطنية أو المناسبات الدينية أو مناسبات استذكار الرموز، وخاصة في الدول المغمورة، تسرع الحكومات إلى إعطاء العطل الرسمية السخية لتقتل كل نشاط، وأحياناً تقطع الشوارع وتغلق المحال التجارية وتتوقف حركة الحياة بالنسبة إلى أصحاب الدخل اليومي، وما أكثر هذه المناسبات في مجتمعاتنا وما أكثر المساوئ والسلبيات التي تصاحب هذه المناسبات. العيب ليس في ذات المناسبة الوطنية أو الدينية أو استذكار رمز تاريخي، ولكن العيب في تضخيم الأمور إلى الحد الذي يجعل من هذه المناسبات ذات مردود سلبي على الدولة والمجتمع مع السكوت المطبَق من قبل الجميع مخافة أن تتهم بالعداء لتلك المناسبة التي بالتأكيد عنوانها مناسبة مقدّسة.
السؤال: كيف تحوّلت بعض المناسبات إلى مناسبات ذات مردود إيجابي ومناسبات أخرى إلى مناسبات ذات مردود سلبي؟ لو تمعّنا في جميع المناسبات التي هي ذات مردود إيجابي على المجتمع وعلى الدولة نلاحظ وراء إحياء هذه المناسبات رجال أعمال وتجار وشركات كبيرة وأشخاص ذوو غيرة وحب لوطنهم ومجتمعهم، وهؤلاء جميعاً يجمعهم قاسم مشترك واحد هو التصرّف بعقل لأنهم أذكياء. بينما نلاحظ في المناسبات ذات المردود السلبي وراءها رجال سياسة ورجال دين والمخربين الذين لا يعرفون مصلحة البلاد والعباد، وهؤلاء هم الجهلة الحقيقيون. هذه حقيقة، حتى وإن كانت بعض المناسبات قديمة وتاريخية لكن المستفيد يتجدّد. رجال المال دائماً يبحثون عن المكسب المالي والسمعة فقط، بينما رجال الدين والسياسة يبحثون عن المكسب المالي والولاء وكسر شوكة الطرف النقيض. فهذه المناسبات فرصة لـ(لوي الأذرع) وبسط النفوذ وتعميم الأفكار المتهالكة، وكل طرف يحقّق أهدافه، ولكن الفرق بين الحالتين هو في الحالة الإيجابية هناك الجميع يخضع للقانون، والمناسبة نفسها لا تسبّب أي عرقلة وتحدّ للقانون. أمّا في الحالة السلبية فالقانون لا وجود له، بل يخضع للأقوياء وأصحاب النفوذ الذين لا يتركون وراءهم غير السلبيات. هل نستطيع أن نلتفت لهذه المناسبات السلبية ونجعل منها مناسبات إيجابية دون أن نُعبّئ عشرات الآلاف من قوى الأمن والجيش والشرطة ونعطّل دوائر الدولة والمستشفيات، خاصة ونحن في وضع أمني غير مستقر ووضع اقتصادي ضعيف والحياة كلّها قلقة والتخلّف على جميع الأصعدة أصبح ثوبنا المفضّل، أم إننا نرى وجودنا قائماً على التخلّف والتحدّي الأعمى وكأنّ المجتمع والوطن والمستقبل لا يعنينا بشيء! أيّ إنسان ذو بصيرة يستطيع تمييز هذه الفوارق ويستطيع أن يقول كلمته، وعندما تجتمع الكلمة تنهض الأمة وينهض المجتمع وتذبل الأفكار المريضة التي تقف وراء المناسبات السلبية.
البعض يعتقد أن السلبيات التي تصاحب بعض المناسبات يجب تقبّلها حفاظاً على المناسبات من الاندثار. هذا الاعتقاد يدلّ على عدم جدوى تلك المناسبات وعدم أهميتها، لأن المناسبة التي تترسّخ في نفوس الناس لا تحتاج إلى حافظات مزوّرة، فهي وُلدت لتبقى. المناسبات المحترمة تصنعها الضرورات، وهي من تصنع نفسها بنفسها عند الضرورة. لذلك فأنا أعتقد جازماً أن أي ترويج مبالغ فيه لأي مناسبة إنما هو دليل أن تلك المناسبة لم تصنع نفسها بنفسها، وإنما صنعتها أيادٍ خفية مستفيدة من تلك المناسبة، وهي بالنهاية لا يهمّها المجتمع ومصير المجتمع.