فضاء الرأي

غزة بين «جباية حماس» وقمع الاحتلال

حماس التي يفترض أن تقوم بدورها الطبيعي في توفير متطلبات سكان غزة وتخفيف الأعباء المعيشية عنهم، أصبحت عبئًا ثقيلًا على القطاع برمته
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حالة من التخبط تضرب مفاصل حركة حماس، التي باتت تواجه العديد من الأزمات، أبرزها محدودية الموارد المالية للحركة، التي كانت تعتمد بشكل أساسي على التمويلات الخارجية، تحديدًا من إيران، نتيجة الحصار الصارم الذي فرضه جيش الاحتلال الإسرائيلي على كافة المعابر وغالبية الأنفاق في قطاع غزة، التي كانت أحد الروافد الأساسية في تلقي &"حماس&" الدعم المادي واللوجيستي.

&"حماس&" تدرك أنّ مستقبلها السياسي بات محفوفًا بالمخاطر، في ظل قيام السعي الإسرائيلي للقضاء على الحركة نهائيًا، وليس إبعادها عن حكم قطاع غزة فقط. وفي ظل المتغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة، فإنّ هناك مؤشرات بأنّ الحركة أصبحت تمثل خطورة على مسار القضية الفلسطينية، إذ يتخذ جيش الاحتلال من مواقف حماس ذريعة لاستهداف عدد من المواقع داخل غزة، بالرغم من سريان وقف إطلاق النار وفقًا لاتفاق شرم الشيخ.

الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة تسبب في أزمة مالية طاحنة لحماس، بعد استهداف العديد من المواقع التي كانت تعد مصدرًا لتعزيز القدرة المالية للحركة. ما قد يشير إلى تورط حماس في الاستيلاء على المساعدات الإنسانية المخصصة للمدنيين، وإعادة بيعها بأسعار مبالغ فيها، وهو ما يعمّق الأزمة ويدفع بمزيد من المدنيين ضحايا الصراع الذي فُرض عليهم.

&"حماس&" التي من المفترض أن تقوم بدورها الطبيعي في توفير متطلبات سكان غزة وتخفيف الأعباء المعيشية عنهم، أصبحت عبئًا ثقيلًا على القطاع برمته، نتيجة انعكاسات القصف الإسرائيلي الذي دمّر غالبية البنية التحتية في القطاع. والأخطر من ذلك هو قيام الحركة بتوزيع عناصر على الأماكن التي تتواجد بها ماكينات الصراف الآلي، والاستيلاء على نسبة تتراوح من 30 إلى 40 بالمئة من الرواتب المخصصة للموظفين والمواطنين.

استغلال الأزمة لتحويل مصادر دخل المواطنين، التي لا تكفي في ظل الوضع المأساوي للقطاع، إلى مصادر دخل للحركة، ينذر بمؤشر خطير، ويكشف عن الوجه الحقيقي للمقاومة التي تفضل مصالحها على حساب حياة المواطنين داخل غزة. وبالرغم من أنّ الفترة الحالية، وما تشهده من مأساة غير مسبوقة في تاريخ غزة، كان من المفترض أن تقوم الحركة بالتخفيف من معاناة المجتمع، وليس استخدام القوة في الاستيلاء على نسبة من الرواتب المحدودة للمواطنين، ما يعكس وجود تناقض صارخ بين خطاب المقاومة والواقع.

ما تقوم به &"حماس&" يعكس حالة الانهيار الاقتصادي داخل غزة، إذ تشهد الأنشطة التجارية حالة من الشلل التام، إلى جانب ارتفاع معدل البطالة، وتراجع القوة الشرائية للمواطنين، والاعتماد على المعونات بشكل أساسي لمواجهة الجوع الذي أصبح يتوغل في القطاع، لعدم كفاية المعونات، بسبب التعنت الإسرائيلي في حصار المعابر، إلى جانب تعرض حافلات المساعدات للسطو قبل أن تصل للسكان.

استقطاع نسبة من الرواتب خطوة أثارت غضبًا شعبيًا، وزادت من حدة الانتقادات الموجهة للحركة، التي ينظر إليها على أنها تفاقم معاناة السكان بدلًا من مساعدتهم، مستغلة نفوذها في السلطة لإعادة ملء خزائنها المستنزفة. المواطن الذي فقد وظيفته ومنزله في الحرب لا يستطيع تحمّل مشاركة أحد في مصدر دخله الضئيل، خاصة السلطة الحاكمة التي عجزت عن توفير متطلبات الحياة للمواطنين.

الأزمة التي يواجهها قطاع غزة ليست مالية فقط، بل أزمة ثقة بين مجتمع على أعتاب الانهيار وسلطة تسعى للحفاظ على كيانها حتى لو تطلب ذلك التضحية بالمواطنين. وتؤدي هذه التصرفات غير المسؤولة إلى انعدام الثقة وتوسيع الفجوة بين شعب غزة وسلطة حماس، التي يتآكل رصيدها الشعبي يومًا بعد يوم.

ما حدث عند ماكينات الصراف الآلي رسالة بأنّ غزة وصلت إلى مرحلة بالغة الخطورة، في ظل تحول المواطن إلى ضحية الصراعات السياسية. لذلك يتطلب الأمر اتخاذ خطوات جادة وفورية لتجنب الانفجار الداخلي الذي بات وشيكًا، ولا يقل خطورة عن أعمال القصف التي تتعرض لها غزة من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف