لباس «البوركيني» أم «البكيني»!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
خالد عباس طاشكندي
نحن قوم لا نجيد ثقافة الاعتراض على الأنظمة التي تسنها الدول الأوروبية والغربية ضد ممارسة بعض معتقداتنا الدينية وثقافتنا الشرقية مثل حظر النقاب في بعض الأماكن العامة في أوروبا وغيرها، وأتفهم موجة التعليقات الغاضبة في شبكات التواصل الاجتماعي أخيرا حول انتشار مقطع يظهر فيه رجال من الشرطة الفرنسية على أحد شواطئ مدينة نيس يجبرون امرأة على خلع «البوركيني” أو «المايوه الإسلامي» تنفيذا لقانون حظر هذا اللباس في شواطئ فرنسا، ولكن لا يحق لنا مخالفة الأنظمة والقوانين التي تسن في الغرب وفي أي دولة في العالم، والاعتراض على هذه القوانين لا يجب أن يخرج عن السياق القانوني، وهذا هو جوهر قضية «البوركيني» وغيرها من القضايا ذات العلاقة مثل حظر النقاب، أو بالأصح كيف نتعامل مع الفوارق الثقافية والاجتماعية عند زيارة هذه الدول أو الإقامة فيها، وكيف نحافظ على معتقداتنا الدينية وتقاليدنا الشرقية داخل هذه المجتمعات الغربية.
لم يكن أمراً حكيماً ولا منطقياً أن تذهب سيدة إلى أحد شواطئ نيس الفرنسية وهي تلبس «البوركيني» وترفض الانصياع لأوامر الشرطة، فيضطر رجال الشرطة على تنفيذ النظام وإخراجها بالقوة بدلاً من مغادرة المكان والالتزام بالأنظمة المفروضة في هذه الدول، فلا يجوز أن نشجع عبر وسائل التواصل الاجتماعي على هذه المخالفات ونطالب بفرض لباس «البوركيني» بالقوة وبمخالفة الأنظمة لتسجيل موقف، فكما من حقنا أن نحافظ على هويتنا الشرقية ونحمي معتقداتنا الدينية وموروثاتنا الاجتماعية، كذلك الغرب يريد الحفاظ على هويته المتحررة والمنفتحة ويضع التشريعات والأنظمة والقوانين التي تحد من الإخلال بذلك، ولن نستطيع أن نفرض على أوروبا والدول الغربية تقاليدنا الشرقية إلا وفقاً لأطر العولمة التي سمحت بها هذه الدول.
وذات الأمر ينطبق على المواطن الأوروبي عندما يزور الدول العربية وهنا في المملكة، يقوم هؤلاء باحترام معتقداتنا وتقاليدنا وأنظمة البلد، فتجد المرأة الأوروبية تضع العباية الشرقية وتتستر في لباسها والالتزام بعدم السباحة في الشواطئ العامة بملابس البحر العارية أو شرب الخمور أو أي ممارسات غير مقبولة اجتماعياً أو نظامياً، وذلك إما احتراماً لثقافة البلد أو انصياعاً للأنظمة والقوانين.
لذلك من يريد الذهاب إلى أوروبا والدول الغربية، عليه أن يعي طبيعة الحياة وثقافة المجتمع هناك، وليس معناه أن نحذو حذوهم وتلبس نساؤنا «البكيني» ونتعرى على شواطئ سان تروبيه وكان ونيس، ونثمل معهم في الحانات والمراقص، ولكن نرتقي ونلتزم بما هو مسموح ولا يتعارض مع تقاليدنا وثوابتنا الدينية والعقائدية، فالغرب لم يمنع إقامة المساجد ولا أداء الصلوات في دور العبادة، بل خلق مساحة من العولمة تسمح نوعياً بممارسة المسلمين والشرقيين للعديد من تقاليدهم وموروثاتهم، ولا يزال يقدم الكثير من الإيجابيات، ومنها على سبيل المثال سماح الحكومة الكندية أخيرا للشرطيات المسلمات بلباس الحجاب، بل وتقبلت مدرسة ألمانية دخول معلمة للمدرسة بالنقاب حتى وإن أصدرت إحدى المحاكم قراراً بمنع هذه المعلمة أخيرا من ارتداء النقاب أثناء التدريس، كان هناك مساحة من التسامح معها والتقبل في ارتدائها للنقاب عند دخول المدرسة إلى أن قال القضاء كلمته.
جوهر هذه القضية، هو ثقافة الاعتراض واحترام القوانين في الغرب لا أن نمارس الغوغائية في الرد على ما يفرضه الغرب من أنظمة وقوانين أو نشجع على ذلك، وأن نعي أن «الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا» كما جاء في المقولة الشهيرة التي أطلقها الشاعر الإنجليزي «كبلنغ» في نهاية القرن التاسع عشر وتحمل الكثير من معاني الحقيقة الثابتة، والتي تجسد واقع العلاقات بين الشرق والغرب من حيث التقاليد والموروثات الروحية والثقافية، وقبل كل ذلك وفي المقام الأول، الحكمة الإلهية العظيمة في قوله تعالى: «لكم دينكم ولي دين».