فضاء الرأي

الإنسان وحتمية المعاناة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

منذ اللحظة الأولى التي حمل فيها الإنسان الأمانة التي رفضت حملها السماوات والأرض والجبال اقترنت معه المعاناة(إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا)، وُلدت المعاناة مع ولادته، واندفعت معه عندما اندفع من رحم أمه، فكأن المعاناة هي الأصل في هذه الحياة، وهي بالفعل كذلك وغيرها هو الطارئ، ليس من المفهوم الديني فحسب، بل من المفهوم الاجتماعي كذلك، ورغم كل ذلك لابد أن ننظر للمعاناة نظرة ايجابية، فلولا المعاناة لما شاهدنا الإنجازات والمكتشفات، وتلك المعاناة قد تأخذ عدة أشكال وصور وأنماط مختلفة، فمنها على سبيل المثال ما أسماه العالم الفرد أدلر ب(عقدة النقص أو القصور) التي أتت نتيجة لما عاناه أدلر في حياته من ظروف سيئة في طفولته وشبابه، حيث احتَّل ذلك المفهوم جزء كبير من نظريته وربطه بمفاهيم أخرى ترتَّبت عليه، واعتبر أن كل إنسان بالضرورة سيواجه مشاعر النقص بشكل أو بآخر، من هنا يتَّبع كل إنسان أسلوب حياة معين لكي يغطي أو يعالج ما لديه من مشاعر نقص أو قصور كما يعتقد أدلر، لا أريد أن أتحدَّث في هذا المقال عن نظرية أدلر، وإنما يعنيني أنه قد حوَّل معاناته إلى إنجاز وإضافة جديدة في حقل التحليل النفسي رغم ما لاقاه من عداء من فرويد المؤسس الأول لنظرية التحليل النفسي.
طبيب الأعصاب النمساوي فيكتور فرانكل ألَّف كتابه(الإنسان يبحث عن المعنى) وهو في ظل معاناة سجون النازية! وتحدَّث من خلاله عن معاني عميقة لم يسبقه أحد إليها، فاستحق أن يكون له نظرية كاملة في علم النفس بمسمَّى(العلاج بالمعنى)، فلولا تلك المعاناة هل كنَّا سنسمع أو نقرأ لأحد اسمه(فيكتور فرانكل)!؟ بحتمية المعاناة أقول لك حتماً لا.
الموسيقار الألماني العظيم لودفيغ فان بيتهوفن، لولا معاناته مع الصمم في آخر حياته لما سمعنا له أجمل مقطوعة موسيقية، فقَد سمعه فعوَّض عنه بإحساسه ووجدانه العميق فأعطاه ذلك الوجدان مالم يُعطهِ سمعه! والأمثلة على ذلك كثير.
فهؤلاء وأجهوا الواقع بكل قوة وتحدٍ، وجعلوا معاناتهم سبباً في تخليد ذكراهم بما أنجزوه وحقَّقوه من أعمال وإسهامات خدمت البشرية.
وحتَّى فيما يخص الأدب من روايات أو قصائد شعرية, سنجد أن الرواية أو القصيدة التي تقف خلفها المعاناة تكون هي الأروع والأجمل والأكثر تأثيراً, فها هي قصيدة(المعاناة) لسمو الأمير خالد الفيصل والتي يقول في مطلعها:
يا ليل خبرني عن أمر المعاناة..هي من صميم الذات وإلا أجنبية
والتي غنَّاها فنَّان العرب محمد عبده, والتي لا يزال يرددها الكثير ويعشقون سماعها رغم قِدمها! وذلك لقوة كلماتها التي تحمل معاني عميقة لمعاناةٍ أعمق.
وتكاد تكون حتمية المعاناة هي أهم ما يقف خلف جميع الظواهر على كافة المستويات سواء كانت ظاهرة بسيطة أو معقَّدة، خذ على سبيل المثال ظاهرة التدخين، لو سألت من يدخن عن سبب تدخينه، سيقول لك غالباً أنه يُرفِّه عن نفسه وليأخذ راحة من الضغوط الأسرية أو ظروفه في العمل فيهرب من الواقع بالتدخين بدلاً من أن يُوجِد له خطة للتخلص من تلك الضغوط بطريقة لا يترتَّب عليها أي ضرر، كذلك ظاهرة الإلحاد(إن صح اعتبارها ظاهرة)، فمن يؤمن بفكرة الإلحاد فإن ايمانه هذا كان نتيجة لمعاناة فكرية ناتحة بدورها عن اعتقاد خاطئ أو قصور معرفي أو عدم إدراك لطبيعة الدين وعلاقته بالحياة والإنسان(راجع إن أردت التزود فيما يخص تلك المسألة مقالي بعنوان"الإلحاد مذهب فكري أم مشكلة نفسية")، والمقياس لتحديد ما يُعد هروبا من الواقع أو مواجهة للواقع هو النفع أو الضرر، فلو أردنا أن نطبق هذا المقياس على أحد المثالين السابقين، سَيُعد التدخين(هروب من الواقع)، وممارسة الرياضة أو إعداد جدول لتنظيم الأعمال وغيرها من الأنشطة النافعة ستكون(مواجهة للواقع) وقس على ذلك من مختلف الظواهر والسلوكيات الإنسانية.
أنت كذلك عزيزي القارئ، اجعل من معاناتك سبباً لإنجاز جديد، وواجه الواقع ولا تهرب منه، فالهروب من الواقع لن يجلب لك إلا المزيد من المعاناة، ولا تستصغر نفسك، فقد تأتي بإنجاز أو إسهام جديد، وقد تبني فلسفة جديدة أو على الأقل إضافة جديدة لفلسفة قديمة، وربما تكون إضافتك البسيطة هذه سبباً في بناء نظرية علمية بعد سنوات عديدة على أيدي أحد الباحثين الذين قرأوا تلك الإضافة البسيطة.
 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مطلوب توضيح
فول على طول -

الأمانة لم تعرض على الانسان بل خلق الانسان وحسب مفهوم الدين الأعلى أن يعبد اللة طوعا أو كرها - وما خلقنا الانس والجن الا ليعبدون - ولكن فى موضع أخر يقول الدين الأعلى بأن الأمانة قبلها الانسان بارادتة ...ونحن نسأل هل الأمانة فرضت على الانسان أم بارادتة أخذها الانسان ؟ ..أما التفسير من الكتب التى لم يعتريها التحريف فهى كالاتى : عرض الله تعالى طاعته وفرائضه وحدوده على السموات والأرض والجبال على أنها إن أحسنت أثيبت وجوزيت ، وإن ضيعت عوقبت ، فأبت حملها إشفاقًا منها أن لا تقوم بالواجب عليها ، وحملها الإنسان ، إنه كان ظلوما جهولا .هذا هو تفسير قول الله عز وجل : ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) الأحزاب / 72 .وتفسير الأمانة بالتكاليف الشرعية هو قول ابن عباس والحسن البصري ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وابن زيد وأكثر المفسرين . راجع : "تفسير الطبري" (20 /336- 340) – "تفسير ابن كثير" (6 / 488-489) – "الجامع لأحكام القرآن" (14 /252- 253) – "فتح القدير" (4/437) . قال قتادة : الأمانة : الدين والفرائض والحدود .وقيل : بل عنى بالأمانة في هذا الموضع : أمانات الناس . وقال بعضهم : الغسل من الجنابة . وقال زيد بن أسلم : الأمانة ثلاثة : الصلاة ، والصوم ، والاغتسال من الجنابة ...ونكتفى بذلك ومازالت الأسئلة تتوارد : هل معقول أن تسند الأمانة الى الجبال أو الأرض أو السموات ..؟ هل هذة الأشياء أو الجمادات المذكورة ممكن أن تقيم الفروض ؟ وما هى الأمانة تحديدا ؟ هل هى الغسل فقط .. وهل الجبال أو الأرض أو السماء تغتسل ؟ أم هى بقية الفروض ؟

HE ENDURED THE SUFFERING
ROSE -

IN ISAIAH 53, A CLEAR PROPHESY ABOUT THE SUFFERING OF CHRIST JESUS AS IT SAYS.......BUT BECAUSE OF OUR SINS HE WAS SOUNDED , BEATEN BECAUSE OF THE EVIL WE DID, WE ARE HEALED BY THE PUNISHMENT HE SUFFERED, MADE WHOLE BY THE BLOWS HE RECEIVED.....ALL OF US WERE LIKE SHEEP THAT WERE LOST, EACH OF US GOING HIS OWN WAY, BUT THE LORD MADE THE PUNISHMENT FALL ON HIM... .......MY DEVOTED SERVANT, WITH WHOM I AM PLEASED, WILL BEAR THE PUNISHMENT OF MANY AND FOR HIS SAKE I WILL FORGIVE THEM,...HE WILLINGLY GAVE HIS LIFE AND SHARED THE FATE OF EVIL MEN, HE TOOK THE PLACE OF MANY SINNERS AND PRAYED THAT THEY MIGHT BE FORGIVEN............ DEAR READER, YES SUFFERING IS BECAUSE OF OUR SINS, BUT THANKS TO THE LOVE OF GOD WHO SENT HIS SON TO DIE IN OUR PLACE SO THAT WE MAY HAVE ETERNAL LIFE AND BE CONSIDERED SONS AND DAUGHTER OF THE MOST HIGH GOD...AS YOU FIND IN THE SAME CHAPTER 53 THE FOLLOWING....THE LORD SAYS, IT WAS MY WILL THAT HE SHOULD SUFFER; HIS DEATH WAS A SACRIFICE TO BRING FORGIVENESS...THANKS ELAPH

sorry typo
ROSE -

..he was sounded ...

هل هذا معقول ؟
فول على طول -

هل من المعقول أن اللة يعرض الأمانة - الصلاة والصوم والاغتسال والفروض والطاعة - على الأرض أو الجبال أو السماء ؟ هل هذة الجمادات تعقل الأمور وتؤدى الأمانة ؟ وهل اللة لا يعرف ذلك ؟ وهل الانسان بالفعل هو الذى قبل الأمانة بارادتة كما يقول الكاتب ...أم خلق للعبادة حسبما تقول الاية : وما خلقنا الانس والجن الا ليعبدون أى أن الأمانة مفروضة علية فرضا ؟ ...وأيضا فان الأرض والسماء طوعا أو كرها يعبدون . يعنى مرة تقولون أن الأمانة مفروضة ومرة أخرى تقولون أن الأمانة معروضة . ..أين الحقيقة ؟