هل الدم العراقي أقل كرامة من الدم الأوروبي؟

بعد الاعتداءات الدامية التي وقعت في باريس مساء الجمعة 13 / 11 / 2015 اهتز العالم وكثر البكاء وارتفعت أصوات الإستنكار بشكلٍ كبير والتندد بهجمات باريس الدمومية من كل حد وصوب، حيث ندد رؤساء الدول والحكومات في العالم باعتداءات باريس الدامية والتي اسفرت عن مقتل( 126) شخصا وإصابة أكثر من( 200) آخرين بجروح مساء الجمعة الماضي، كما قدموا مؤاساتهم وعبارات التعازي والأسى لعوائل ضحايا الاعتداء الإرهابي و تمنوا الشفاء العاجل للمصابين والجرحى، وعبروا عن تضامنهم و استعدادها لتقديم المساعدة اللازمة لـ(باريس) الجريحة.

ومن جهته عبر السيد (بان كي مون) كعادته عن قلقه الشديد وصف الهجمات( بالخسيسة)، كما أعرب قادة بارزون في الاتحاد الأوروبي عن تضامنهم مع فرنسا.&

كتب رئيس البرلمان الأوروبي (مارتن شولتس) في ساعة متأخرة من مساء الجمعة الحزينة على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) يقول: مواساتنا لأسر الضحايا ودعمنا للسلطات (الفرنسية).&

كما كتب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك على (تويتر) أنه يتابع (بصدمة) التقارير عن الهجمات.

و أعرب رئيس المفوضية الأوروبية (جان كلود يونكر) عن مواساته للشعب الفرنسي، و غرد على حسابه الخاص على تويتر قائلآ: نقف متكاتفين بجانب الفرنسيين.&

وقال رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي بان: إيطاليا تبكي على ضحايا باريس وتواسي الأشقاء الفرنسيين في ألمهم.

ومن جانبه،غرد وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني على حسابه الخاص على تويتر قائلآ: نقف مع فرنسا وأسر الضحايا متحدين ضد الإرهاب.&

و صرح الأمين العام لحلف شمال الأطلنطي (الناتو)، بأن قوات الحلف تقف مع فرنسا ضد الإرهاب، وقال إنه مصدوم بشكل عميق من الهجمات الإرهابية المروعة في باريس.&

وأعربت روسيا عن صدمتها إزاء الهجمات في العاصمة الفرنسية باريس وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في ساعة متأخرة من مساء الجمعة في موسكو: ( ندين للغاية هذه الجرائم غير الإنسانية، نحن على استعداد إلى تقديم أي مساعدة ممكنة في التحقيق في هذه الجريمة الإرهابية).

كما أدان مجلس الأمن الدولي (الهجمات الهمجية والجبانة ) في باريس.&

وقالت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل إنها شعرت بهزة عميقة جراء سلسلة تفجيرات باريس ونقلت رسالة تعاطف وتضامن من الشعب الألماني.

&اما رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو فقد( أصيبوا بصدمة ) بسبب الهجمات التي وقعت في باريس وتعهدوا بمساعدة فرنسا....

كما (امر ) الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بتنكيس الأعلام في البيت الأبيض وسائر المباني الرسمية داخل البلاد وخارجها؛ ابتداء من اليوم الاثنين وحتى مساء الخميس؛ وذلك حداداً على ضحايا الاعتداءات التي شهدتها العاصمة الفرنسية (باريس ) وقال ايضأ في خطاب مقتضب بان هجمات باريس ( محاولة مشينة لإرهاب المدنيين ) وأضاف أنه يقف إلى جانب فرنسا في مكافحة الإرهاب والتطرف، وان المخابرات الأمريكية تتابع الأحداث في باريس....&

اما ا صحاب الجلالة والفخامة والسمو ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية والاسلامية وقادة دول مجلس التعاون الخليجي, فقد اصيبوا بـصدمة نتيجة هول الحادث الإرهابى الكبير....!!

كما اقدمت حكومة اقليم كردستان، على إضاءة (قلعة اربيل) بألوان علم فرنسا تضامناً مع ضحايا هجمات باريس الإرهابية يوم الجمعة الماضي.&
&

الدم العراقي ليس أقل كرامة من الدم الأوروبي...ولكن:&

نعم ان اخبار انفجار باريس اجتاحت العالم كله، الفضائيات والمجلات والصحف ووكالات الأنباء و صفحات التواصل الاجتماعي, الا ان المجتمع الدولي لايزال ساكتأ تجاه انفجارات ومجازر ارتكبت ولا تزال ترتكب على يد وحوش داعش يوميأ في بغداد والموصل والانبار والبصرة ومجازر وانفالات ( شنكال،كوجو، سيبا شيخدرى، كرعزير، كرزرك، رمبوسي، تل قصب، تل بنات، سولاخ، قرية عين فتحي الايزدية، الحاتمية، وردية، حيالى، سكينيى، قنييا مهركا، تل ساقى وبلدة آمرلي و سبايكر) التي قتل خلالها عناصر تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في 12 حزيران (يونيو) الماضي في قاعدة سبايكر الجوية بمحافظة صلاح الدين (170 كم شمال غرب بغداد) حوالي 1700 شاب من طلبتها.

نعم... لايزال العالم صامتأ امام جرائم بيع المئات من النساء الإيزيديات والمسيحيات المغدورات كجواري بأسواق الرقة السورية و مدينة نينوى بعد سيطرة وحوش داعش على مدينة الموصل وسنجار ومناطق مغدورة اخرى.

لا شك ان هذا السكوت دليل واضح على استمرار ممارسة سياسة ازدواجية المعايير التي تنتهجها اكثرية الدول الغربية تجاه قضايا الشعوب المغلوب على أمرها وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، والا مالفرق بين هجمات باريس وما حدث قبل اسبوع في بيروت أو مايحدث يوميأ في العراق وسوريا من الهجمات الأرهابية التي تزهق أرواح الأبرياء وتخالف الشرائع السماوية والإنسانية؟&

&نعم.. مالفرق بين ضحايا مجزرة باريس وضحايا مجزرة قرية (كوجو ) الواقعة في جنوب مدينة شنكال والتي تعتبر احد اكبر قرى الكرد الايزدية التي تعرضت اهلها الى ابادة جماعية على ايدي وحوش داعش؟&

إن هذا الصمت المقيت يعيد الى الاذهان صمت المجتمع الدولي ولامبالاته حيال جرائم النظام العراقي البائد منها الانفال ( الابادة الجماعية ) و (حلبجة) الجريحة، تلك المدينة المغدورة التي تحولت خلال دقائق الى مقبرة جماعية لاحصر لها بعد إن قصفت بالاسلحة الكيمياوية والتي حصل عليها النظام العراقي البائد من بعض الدول الغربية ومن بعض كبارتجار السموم الاجنبية،على سبيل المثل: التاجر الهولندي (فرانس فان انرات ) الذي حكم عليه بالسجن( 17 عاماً وغرامة مليون يورو) بتهمة المشاركة وبيع المواد السامة القاتلة ( الخردل ) للنظام العراقي البائد والتي استخدمها في قصف مدينة( حلبجة) المغدورة في 16 اذار 1988،(راجع وثائق محكمة الجنايات الدولية العليا في لاهاي ) (1 ).&

لقد إطلع العالم على مشاهد مكشوفة وعلنية لمجازر ومذابح وحوش داعش, فإقشعرت لها الابدان، ولم يطلع بعد على المشاهد المطمورة في الحفر وتحت الانقاض وفي السجون والمسالخ والمقابر الجماعية، وما حفي إعظم وافضع بكثير، بالتاكيد، لأفعال وجرائم داعش، ولم يعد ثمة شك بتواطئ( بعض الدول العربية والاقليمية و والغربية ) ومساندتها المكشوفة لتجنيد المرتزقة والعصابات الاجرام والارهاب منها القاعدة وشقيقاتها.

&لقد إطلع العالم على مشاهد مكشوفة وعلنية لمجازر ومذابح وحوش داعش وسط صمت ولا مبالاة، وتخاذل وخنوع دولي، وإسلامي، وعربي، واقليمي رسمي، رهيب ومريب ولا ندري أي نوع من عذر بقى لهؤلاء الحكام والدول الداعية( لحقوق الانسان) الذين يتفرجون ولا يكترثون لما قامت وتقوم به أقذر حثالات البشر، قطعان الدولة الاسلامية الفاشية، الذين سحقوا بدباباتهم وهمراتهم الامريكية،البشر والحجر، وحرقوا الزرع والضرع، وهلكوا الحرث والنسل، بمنتهى الحقد والخسة والدناءة، ولم يسلم من جرائمهم ومسالخهم وعزواتهم وانفالاتهم لا الاطفال والنساء والشيوخ، ولا المرضى والجرحى والمعوقين والعجزة، ولا مستشفيات المدنيين واعمال الاغاثة الطبية ولا المدارس والمتاحف والمزارات والاديرة والكنائس، ولا مساكن المدنيين وحتى اقدس مقدسات المسلمين والمسيحيين والايزيديين، التي اهانوا حرمتها، ودمروا قسمأ كبيرا منها، واثبتوا تفوقهم بإمتياز، على عصابات(الغستابو) وما فعله باليهود، وما زالوا يواصلون حتى الان وسائل الرعب والإرهاب والحرب النفسية المروعة بحق الابرياء وبمساعدة وتمويل 40 دولة من بينها دول مشاركة في قمة مجموعة العشرين في أنطاليا التركية (حسب معلومات وادلة موثوقة بالصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية الروسية).&

بعد تحرير شنكال الجريحة ورغم المشاهدات الميدانية على قلتها، والتقارير الاولية التي نشرت في بعض الوسائل الاعلامية المحلية، قد كشفت إقتراف قطعان داعش المتوحشة، مجازر وإبادة جماعية مروعة بحق الايزيديين.

لقد كشفت عملية تحرير مدينة سنجارالجريحة ان نسبة الدمار في مركز سنجار والمباني الحكومية تقدر بنحو 85%، بالاضافة الى الابادة الجماعية والاستعباد والاغتصاب والنهب والفرهود الممنهج.

&ان الارقام والخسائر والاضرار من كل النواحي البيئية والبشرية وانعكاساتهما المدمرة على البشر والحجر وما تم الكشف عن فصولها الدموية في شنكال والموصل والحويجة والانبار وامرلي ليس فقط شبيهة بما حدث في باريس بل اكثر جرما وشراسة لأبادات مماثلة في العصر الحديث في (رواندا وكمبوديا )وشبيه الى حد مابمجازرالإبادة النازي ( أوشفيت )، ومجزرة( سربرنيتسا) التي ارتكبت في تموز/يوليو 1995 بحق أكثر من 8000 مدني من البوسنة تحت أنظار الأمم المتحدة، اضافة الى تدمير المعالم الأثرية والتاريخية المنضوية تحت قائمة التراث الإنساني من قبل قطعان داعش من جهة و صواريخ طيران التحالف الدولي من جهة اخرى.&

&إن العراق بشكل عام واقليم كردستان بشكل خاص ليس أقل اهمية من المانيا و فرنسا وسويد وبريطانيا، وان الدم العراقي ليس أقل كرامة من الدم الاوروبي، وان ارواح شهدائنا الأبطال شهداء الحرية و دماء جرحانا ليسن اقل كرامة من ارواح ودماء ضحايا تفجيرات باريس، وان مقاومة ابطال كوباني وجبل شنكال وجلولاء وزمار ومخمور وبيجي وسامراء وتكريت ومناطق كثيرة اخرى بوجه وحوش داعش لاتختلف عن مقاومة معركة حصار ستالينغراد ومعركة قلعة بريست ومعركة برلين ضد النازية، ولكن لعنة ازدواجية المعايير والكيل بمكايل التي ينتهجها المجتمع الدولي هي التي تقرر مصير العالم وعليه تخلع من تريد وتعين من تريد، وان الشعوب التي ستدفع الثمن عن هذه الازدواجية المقيتة هي شعوب حُكمت عليها بالموت البطيء و المحتوم من قبل الإدارة الامريكية و وحلفاءها التي تدعي أنها (راعية الأمن والسلام والحرية والديموقراطية في العالم ).

والسؤال الذي يطرح نفسف هنا هو: هل تجلب سياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها المجتمع الدولي في التعاطي مع ظاهرة الارهاب تحديدا الهدوء والخير والتقدم والازدهار والديمقراطية والسلام؟&

ـــــــــــــــــــــــــ

1 ظهرت اسماء عشرات الاشخاص و الشركات الاجنبية المتعاونة مع النظام العراقي البائد في الوثائق و الكتب والعقود الرسمية الموقعة من كلا الجانبين بعد سقوط النظام العراقي، وان من ضمن 25 شركة زودت النظام العراقي بالسلاح الكيمياوي ومعداتها، 17 شركة منها المانية... وعشرات الشركات الاخرى منها: النمساوية والسويسرية والايطالية والبريطانية، اضافة الى امريكية وفرنسية ومن دول اوروبية كثيرة اخرى....&

2 كشف الضابط السابق في جهاز مكافحة الإرهاب البريطاني (شارلز شويبردج) عن دور وكالة المخابرات الأميركية (CIA)والاستخبارات البريطانية في دفع دولا لتمويل وتسليح تنظيمات مسلحة في مقدمتها تنظيم (الدولة الإسلامية)،أوضح أن جهازي الاستخبارات الداخلية (إي ام 5) والاستخبارات الخارجية (إي أم 6) البريطانيان لعبا دورا هاما في تأجيج الأوضاع في (منطقة الشرق الأوسط) لتنتهي في نهاية المطاف قبل ثلاث سنوات تقريبا بظهور ما يعرف بـ(داعش).وأشار إلى أن بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية ساعدتا في تمويل الجماعات الإسلامية المسلحة لقلب أنظمة عربية وفق أجندتهما السياسية الخارجية، واضاف شويبردج قائلا: ان بريطانيا وأميركا وراء كل الأحداث الدراماتيكية في الشرق الأوسط، ولم يقف شويبردج عند ذلك الحد بل قام بفضح تلك الخطط استنادا إلى وثائق استخباراتية وصفها بـ”السرية” عبر زرع عملاء إسلاميين في الشرق الأوسط لاستقاء المعلومات وتأجيج الصراع بين المتطرفين والأنظمة الحاكمة.واعتبر أن القوات الأميركية باستطاعتها تدمير تنظيم “الدولة الإسلامية” بسرعة فائقة، لكن واشنطن تهدف من وراء مماطلتها تلك إلى إبقاء المنطقة في أزمة متواصلة لاستنزاف إيران أولا والحصول على الدعم المالي المستمر من دول المنطقة في حربها المعلنة ضد (داعش) في مرحلة ثانية.