فضاء الرأي

عيوب الديمقراطية

الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس الأميركي السابق والمرشح للرئاسة دونالد ترامب أظهرت عيوبًا في النظام الديمقراطي كادت أن تكون سببًا لحرب أهلية في أكبر نظام ديمقراطي في العالم. وكالعادة، فإن العيوب عند أي ممارسة عملية لأي فكر تظهر تدريجيًا بمر الزمن. أحيانًا، تكون هذه العيوب نابعة من صلب الفكر، وأحيانًا أخرى تكون نابعة من سوء التطبيق. أنصار الفكر يرون أن سبب ظهور العيوب سوء التطبيق، بينما أعداء الفكر يرون أن ظهورها مرتبط بعدم أهلية الفكر نفسه، وأنه فاشل ويجب إيجاد بديل عنه. ليست المشكلة في سوء التطبيق أو في الفكر نفسه، ولكن المشكلة تكمن في مدى القدرة على معالجة العيوب بشكل علمي صحيح.

محاولة اغتيال ترامب أثبتت أن التسقيط الإعلامي وخطاب الكراهية بين المتنافسين من خلال وسائل الإعلام يولد الاحتقان والحقد والكراهية بين أتباع كل مرشح انتخابي أو بين الحزبين، وقد تصل الحالة إلى القتل، مثلما حصل في حالة ترامب. فقد أحس كل من قادة الحزبين الديمقراطي والجمهوري أنَّ خطاب الكراهية والتحشيد الإعلامي والتسقيط المستمر هو الذي أجج الحماسة لدى أتباع الحزبين، وكان سببًا وراء محاولة اغتيال ترامب. كذلك، أحست المؤسسات الإعلامية بهول الكارثة وحجم الخطأ الذي تمارسه، فعمد الجميع بعد الحادثة إلى مراجعة أنفسهم وتغيير لغة خطابهم لتخفيف الضغوط عن المواطن العادي وسحب فتيل الأحقاد من العقول. ونفس الخطأ يحدث في كل مكان في العالم، لكن فكرة إيجاد الحلول في المجتمعات التي تتمتع بنظام ديمقراطي شكلي وهش مستحيلة التطبيق. في منطقتنا، بفضل التحشيد الإعلامي ولغة الكراهية، لم تعد الكراهية بين السنة والشيعة أمراً تحت السيطرة، وكذلك الكراهية بين الإسلام كدين والديانات الأخرى، وكذلك الكراهية بين الفرس والعرب والترك والكورد والتي أصبحت مزمنة. فالذين يزرعون الحقد في العقول يفكرون في كسب عقول أتباعهم ولا يفكرون بحجم الانعكاسات السلبية للكراهية والأحقاد على نفوس الناس. وللأسف، وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية المرئية والمسموعة صارت في متناول الجميع، وبسبب الديمقراطية أصبح الجميع يطرحون أفكارهم المتطرفة دون خوف أو تردد. هنا، أثبتت الديمقراطية وجود هذا العيب الكبير الذي يجب الالتفات إليه. بالنسبة إلى المجتمع الأميركي، هناك قيادات واعية استطاعت في ساعات قليلة استيعاب هذا العيب وتصحيحه وتخفيف عبء الخطاب السيئ وإعادة التذكير بأنَّ مصلحة الوطن فوق كل شيء، فتغيرت اللهجة بشكل معاكس تمامًا عند قيادات الحزبين ولم نعد نسمع لغة الطعون والتسقيط التي كنا نسمعها. وكأن المسؤولين اكتشفوا عيبًا كبيرًا بالديمقراطية وسارعوا إلى إيجاد الحلول المناسبة خلال ساعات معدودات.

إقرأ أيضاً: لماذا حذر ترامب من حرب عالمية ثالثة؟

فهل توجد في مجتمعاتنا هذه القدرة على تخفيف خطاب الكراهية؟ طبعًا، هذا الشيء مستحيل، لأن الكراهية في مجتمعاتنا قطعت شوطًا طويلًا نحو الاستقرار فأصبحت مرضًا عضالًا. فالشيعي الذي لا يكره السنة يعتبر إنسانًا شاذًا، وكذلك السني الذي لا يكره الشيعة يعتبر إنسانًا شاذًا. كذلك بالنسبة للمسلم والمسيحي والإيزيدي والدرزي والعلوي والقبطي والكردي والعربي والفارسي والتركي. ليس الفرق بين قادة أميركا والدول الغربية والقادة عندنا هو فرق الوعي كما يعتقد الناس، بل الفرق هو أن القادة في مجتمعاتنا يعتاشون على الفرقة والتناحر وقد وفرت الديمقراطية والانفتاح الإعلامي فرصة العمر لهم لتعميق الهوة.

إقرأ أيضاً: من يقل يفعل!

العيب الآخر الذي ظهر في النظام الديمقراطي هو أن الجميع أدركوا أن الفائز في الانتخابات لم يعد يمثل الجميع، وهذه نتيجة كارثية. فأتباع الطرف الخاسر لا يقفون خلف الفائز الذي يقود بلدهم ولا يدعمونه، وكأنه يمثل حزبه ولا يمثل وطنه. وحتى في التصويت البرلماني، يقف نواب الطرف الخاسر موقف الندية مع كل تصويت يطرحه الحزب الفائز أو الرئيس المنتخب، بحيث أصبحت الأمور توحي بأن البلد مقسم على أساس حزبي. هذا عيب أوجدته الديمقراطية ولا بدَّ من إيجاد الحل لهذا الانقسام الذي يجعل مصلحة الحزب فوق مصلحة الوطن. كما قلنا، هذه العيوب التي أفرزتها تطبيقات النظام الديمقراطي قابلة للحل، وإهمالها يعني فشل الديمقراطية مستقبلًا. يجب أن يدرك الجميع أنَّ الديمقراطية ليست حكم الأغلبية الفائزة وعزل الأقلية الخاسرة، وإنما تعني القيادة وقيادة المقود بيد الأغلبية فقط، والكل لهم حضور فعال في خدمة البلد. وأخيرًا، تجديد روح الديمقراطية بات ضرورة ملحة، وإلا فإنَّ نظام الحكم الديمقراطي في كل مكان من عالمنا الغريب في خطر، وقد يكون سببًا للحروب الأهلية في الدول التي تطبق الديمقراطية مستقبلًا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف