فضاء الرأي

نصرالله يقر بتفوق العدو عسكرياً ولكن ماذا بعد؟

جهاز اتصال على الأرض تستعد قوات أمنية لبنانية لتفجيره احتياطا قرب القليعة في جنوب بيروت في 19 أيلول (سبتمبر) 2024
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لا خلاف أنه إذا تكلم الأمين العام لحزب الله، أنصت له الجميع، بما في ذلك قادة كيان الاحتلال قبل غيرهم، الذين يبحثون دوماً عن أي معلومة أو إشارة لأي رد فعل محتمل للحزب بعد الهجوم السيبراني الإرهابي غير المسبوق في لبنان والعالم، على الأقل بهذه الكثافة وهذا الإصرار على قتل وإصابة هذا العدد الكبير من المدنيين، من نساء وأطفال في البيوت والشوارع والأسواق والمستشفيات، بما يمكن اعتباره عملية ردع وترهيب استباقية للمقاومة اللبنانية مع اقتراب الذكرى الأولى لطوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول (أكتوبر).

ولعله من المهم، وقبل التوقف عند أهم رسالة وجهها نصرالله إلى الداخل والخارج، التذكير بأنه ليست المرة الأولى التي يعمد فيها الموساد الإسرائيلي إلى تنفيذ مخططات القتل والاغتيال عن بعد، وهو الذي دأب على ذلك واكتسب التقنيات والآليات بدعم من أكبر الاستخبارات العالمية. وهذا ما كان عميل الموساد السابق، فيكتور أوستروفسكي، قد كشفه في كتابه By Way of Deception (طريق الغدر)، وهو موسوعة خطيرة حول مختلف جرائم الاغتيالات التي نفذها الموساد، الذي يستطيع الوصول إلى المفاتيح الإلكترونية المطلوبة للمطارات وأجهزة الاتصال والفنادق والمصانع الكبرى وحتى مآوى السيارات في العواصم العالمية. وهذا يؤكد أن هذا الكيان يمتلك سجلاً طويلاً من الاغتيالات، من الكونت برنادوت إلى محمود الهمشري ممثل منظمة التحرير في باريس، إلى يحيى عياش الذي تم تفخيخ هاتفه، إلى الشيخ ياسين والعالم النووي الإيراني محسن فخري زاده. القائمة طويلة جداً، بما في ذلك حادث سقوط الطائرة الذي ذهب ضحيته الرئيس الإيراني السابق وفريقه في أيار (مايو) الماضي، والذي بقي لغزاً محيراً. ولا ننسى جريمة اغتيال إسماعيل هنية في مقر إقامته بالعاصمة الإيرانية، حيث طالت يد الغدر حياته عبر هاتفه. كل هذا يضعنا اليوم أمام واقع جديد من الحروب الإلكترونية بلا ضوابط، ما يعني أيضاً أن مع التطور التكنولوجي يجب توقع كل شيء من عدو يعتبر الفلسطينيين "حيوانات بشرية"، ولا نخال موقفه من بقية العرب يختلف عن هذا التقييم. قد تدفعه وحشيته ونقمته وإصراره على اقتلاع أصحاب الأرض والتخلص من المقاومة إلى استهداف طائرات مدنية أو حتى عواصم عربية، وما جريمة اجتياح بيروت إلا مثالاً حاضراً في الأذهان. المؤكد أن كيان الاحتلال يستمد قوته من الدعم والتمويل الذي يحظى به من الغرب، الذي يدعو اليوم حزب الله وحماس وإيران إلى ضبط النفس، ويتجاهل جرائم اللاسلكي التي ارتكبها، كما تجاهل قبل ذلك ما يجري من إبادة عرقية في غزة.

إقرأ أيضاً: غزة في الجامعات الأميركية!

بالعودة إلى خطاب نصرالله، الذي استمر لنحو ساعة، تحدث الأمين العام لحزب الله خلاله بانكسار وحزن عن الهجومين غير المسبوقين اللذين استهدفا لبنان بداية الأسبوع. وبعيداً عن المبالغة، يمكن القول إن نصرالله كان مكسوراً، وهو ما اتضح من خطابه واعترافه بأن ما حدث كان امتحاناً ثقيلاً وضربة قوية وغير مسبوقة. كرر هذا الكلام أكثر من مرة في حديثه، وقال: "تعرضنا لضربة قوية أمنية وإنسانية غير مسبوقة في لبنان والعالم باستخدام أجهزة لاسلكي". كما اعترف بتفوق العدو وبقدراته التكنولوجية التي يوفرها له الغرب وأميركا وحلف الناتو.

طبعاً، من السابق لأوانه الحديث عما سيكون عليه رد فعل حزب الله بعد تصريحات أمينه العام، الذي شدد على أن الفرق التقنية المعنية والمختصين بصدد التقييم والتحقيق لفهم ما حدث. قد يكون هذا تكتيكاً مدروساً، أو يعني أن الحزب اختار التريث وعدم الانسياق وراء أي رد فعل قد لا يكون محسوب العواقب ويدفع بلبنان إلى حرب شاملة يتحمل الشعب اللبناني تكلفتها. بعيداً عن المكابرة والتبخيس والتيئيس، فإنَّ العدو الإسرائيلي متفوق عسكرياً، والأسباب كثيرة، منها ما هو معلوم ومنها ما هو غير معلوم. هل بالإمكان تقليص الهوة وقلب المعادلة؟ المسألة تحتاج إلى اكتساب السلاح الأقوى، وهو سلاح التكنولوجيا والمعرفة والعلوم، وإنقاذ وتحديث المدارس التي يدمرها الاحتلال، ومعها يستهدف العقل والفكر، وكل ما يمكن أن يبني مجتمعاً قوياً صلباً متمسكاً بأهدافه ومدافعاً عن الوطن والحق والهوية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف