فضاء الرأي

فضيحة "الإنترنت الأبيض": اعترافات تهزّ نظام طهران من الداخل

تُظهر التسريبات أنّ ممثلي الحكومة أنفسهم يصمتون داخل الاجتماعات أو يمتنعون عن التصويت، خوفاً من تحمّل المسؤولية أمام الرأي العام الغاضب
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

في واحدة من أكثر اللحظات دلالة على هشاشة منظومة السيطرة داخل إيران، كشفت وسائل الإعلام المقرّبة من النظام—من دون قصد—البنية السرّية التي تتحكّم بالإنترنت وتفرض على أكثر من ثمانين مليون إيراني رقابة خانقة وتمييزاً فجّاً بين “الطبقة الحاكمة” وسائر المواطنين. ما خرج إلى الضوء لم يكن مجرد خلاف بيروقراطي، بل اعتراف خطير بأنّ سياسات الإنترنت في إيران تُدار خلف أبواب مغلقة من قبل نخبة أمنية&-عسكرية تخشى الشعب أكثر مما تخشى العالم.

مجلس غير منتخب يقرّر مصير الفضاء الرقمي
تقارير من خبر آنلاين وشرق أكدت أنّ المجلس الأعلى للفضاء السيبراني — وهو مؤسسة غير منتخبة يسيطر عليها عناصر من الحرس الثوري، القضاء، الاستخبارات والأجهزة الدعائية — هو الجهة التي تحدّد ما يسمح وما يُحظر في الإنترنت الإيراني. هذا المجلس لا يخضع لأي رقابة شعبية، ولا يكشف محاضر اجتماعاته، لكنه يملك سلطة إغلاق منصات عالمية بأكملها بكبسة زر.

وفي الوقت الذي يدّعي فيه بعض السياسيين أنّهم “يعارضون الفلترة”، تُظهر التسريبات أنّ ممثلي الحكومة أنفسهم يصمتون داخل الاجتماعات أو يمتنعون عن التصويت، خوفاً من تحمّل المسؤولية أمام الرأي العام الغاضب.

حتى الصحف الحكومية تعترف اليوم بأنّ هذا التهرب من المسؤولية يعكس حالة رعب حقيقية داخل مؤسسات الحكم من انفجار شعبي جديد على خلفية القمع الرقمي.

الإنترنت الأبيض: امتياز للموالين… وعقاب للجميع
أحد أكثر الاعترافات صدمة جاء عبر تصريحات النائب السابق غلامعلي جعفرزاده في بهار نيوز، حيث هاجم النظام بسبب “الامتياز الطبقي” الذي يُمنح للمسؤولين والنافذين عبر ما يُعرف بـ الإنترنت الأبيض — وصول غير محدود إلى الإنترنت العالمي من دون فلترة أو مراقبة.

قال جعفرزاده إنّ النظام تعامل مع الشعب كما لو كان “خدماً وأسرى”، بينما يتمتع المقربون من السلطة بكل القنوات المفتوحة. أما الملايين من النساء المعيلات، العاملين من ذوي الإعاقة، وأصحاب المتاجر الصغيرة الذين يعتمدون على المنصات الرقمية، فقد دُمّرت مصادر رزقهم بالكامل.

بل ذهب أبعد قائلاً إنه لولا تقنيات مثل “ستارلينك”، لكانت عزلة الإيرانيين عن العالم أعمق وأخطر.

اعترافات من داخل المعسكر المؤيد للنظام
في تصريح لافت آخر، كتب الناشط المخضرم عباس عبدي أنّ الفلترة “لا وظيفة لها سوى إزعاج الناس وإيذائهم”، وتساءل عن معنى أن يحصل المسؤولون والصحفيون الموالون على وصول مفتوح بينما يُحرم الشعب من أبسط حقوقه الرقمية.

ولم يتردد عبدي في الإقرار بأنّ ما يسمى “إنترنت الصحفيين” لم يكن امتيازاً، بل مجرد إعفاء من عقوبة غير شرعية أصلاً. وهذا إقرار واضح بأنّ النظام بنى شبكة من الامتيازات الانتقائية هدفها حماية الموالين وإسكات المعارضين.

تناقضات حكومية تفضح الصراع الداخلي
صحيفة خبر آنلاين كشفت مفارقة مثيرة: فبينما تدّعي الحكومة أنها تسعى لفتح المنصات العالمية، قامت خلال العام الماضي بتقليص عدد شرائح الإنترنت غير المفلترة إلى النصف. أي أنّ خطاب “الانفتاح” الذي تروّج له الحكومة لا يعدو كونه غطاء سياسياً يخفي تشديد الرقابة.

هذا النمط—رفع شعارات الإصلاح مع تشديد أدوات القمع—هو جوهر استراتيجية النظام منذ سنوات: امتصاص الغضب الشعبي من جهة، وتعزيز السيطرة المعلوماتية من جهة أخرى.

لماذا يخاف النظام من الإنترنت؟
السبب بسيط: الإنترنت المفتوح يهدد بنية السلطة. فإيران شهدت خلال العقدين الماضيين موجات احتجاجية كبرى اعتمدت على وسائل التواصل، من الحركة الخضراء عام 2009 إلى انتفاضات 2019 و2022 و2023. لذلك تتعامل الأجهزة الأمنية مع الإنترنت باعتباره “مسرح حرب”، لا خدمة مدنية.

الفصل الذي تمارسه السلطة بين نفسها وبين الشعب ليس تقنياً بل سياسياً:

الموالون يحصلون على إنترنت أبيض

المواطنون يُجبرون على VPN

الصحفيون والمعارضون يتعرضون للاعتقال

منصات الأعمال تُغلق عند أول أزمة

أي خطاب مستقل يُصنَّف “تهديداً أمنياً”

الشرخ يتعمّق… والنظام يعجز عن إخفائه
تكشف الاعترافات المتزايدة في الإعلام الحكومي أنّ النظام لم يعد قادراً على تبرير سياسته. فالتناقض بين الطبقة التي تملك كل شيء وبين الشعب المحاصر رقمياً أصبح صارخاً إلى درجة أن أجهزة الرقابة فقدت القدرة على التحكم بالرواية الرسمية.

ورغم كل محاولات التجميل، يتضح أنّ:

الفلترة ليست حماية… بل سيطرة

الامتيازات ليست إصلاحاً… بل فساداً

الإنترنت الأبيض ليس سياسة تقنية… بل بنية حكم طبقية

ومع انكشاف الصراع الداخلي، يتجه الرأي العام الإيراني نحو قناعة جديدة: أنّ معركة الإنترنت ليست معركة تقنية، بل هي معركة حرية، وأنّ استمرار هذا النظام الرقابي يعني استمرار القمع في كل أشكاله الأخرى.

إنَّ النظام الذي يفصل نفسه رقمياً عن الشعب، ويحرم الملايين من حقّهم الطبيعي في الاتصال بالعالم، يكشف بذلك عمق أزمته. وما دام هذا الفصل قائماً، فإنّ الشرخ بين الدولة والمجتمع سيواصل الاتساع، في مؤشر إلى أزمة شرعية لا يمكن لأي بروباغندا أو لجان سيبرانية إخفاؤها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف