مشاكل المنطقة كل يوم في ازدياد. الباحث في أحوال المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط يجد أنها خرجت من الاستعمار التقليدي لنوع جديد من السيطرة والهيمنة الغربية على المنطقة.. هذه الهيمنة والسيطرة أسوأ وأخطر بكثير من الاستعمار الغربي القديم؛ الذي غرس الاستعمار الاستيطاني في قلب الوطن العربي فلسطين. لقد تنوّعت وتشكّلت وتلونت الوسائل والأساليب والأدوات التي استخدمتها الآلة الاستعمارية الهمجية الحديثة، ليس في منطقتنا وحسب بل في أفريقيا وآسيا وغيرها من دولٍ ما زالت في كنف القوى الاستعمارية الحديثة بقيادة واشنطن.

هذا المقال لا يهدف إلى صبِّ اللوم واللعنات على أمريكا أو صنيعتها إسرائيل أو على قوى إقليمية في المنطقة؛ لأن ذلك لن يفيد شيئاً، فهو مجرد تنفيس للغضب الذي يسكن في النفوس. لقد مارس العرب الصراخ والشجب وغير ذلك من أفعال كانت كلها تصب في خانة البكاء والعويل والشكوى من الخونة والعملاء والمؤامرات والدسائس. المنطقة في حاجة ماسة لمعرفة الداء كخطوة أولى ثم ماهو الدواء كخطوة ثانية وبعدها كطفل تتعدد خطواته للسير في الحياة.

الداء الذي تعاني منه المنطقة أبعد خطراً وأعظم جللاً من أن يختزل في الكيان الصهيوني أو في ما زرعه الغرب في المنطقة من قوى إقليمية، وإن كانت تبدو حالياً أنها تخرج من سيطرة الغرب عليها. الداء أعظم خطراً لأنه كالسرطان ينمو في كل جسد الأمة ويتغول على العقل العربي وعلى مفاهيمه وقيمه. العقل العربي الذي يريد نقل الحضارة والثقافة الغربية والحداثة ومحاكاتها بدون بصيرة أو رؤية. ونظراً لأن الموضوع كثير التشعب والتداخل والتفرع والأسباب والمسببات، وحتى لا تختلط الأمور سوف نحدد أهم النقاط؛ لأن أبعاد المشكلة تحتاج إلى مساهمة المفكرين والباحثين كل حسب اختصاصاته.إن الضرر الذي لحق بالأمة من هذه السيطرة والهيمنة الغربية أصاب كل جسد الأمة؛ فكرها، اقتصادها، أدبها، علومها، مفاهيمها، مصطلحاتها ومنهجها العلمي والتربوي وباختصار كل كيانها. السموم منتشرة في كل مكان بدءاً من التاريخ البشري إلى العلوم وأساليب البحث العلمي والإعلام والمفاهيم كالديموقراطية والعدالة والإنسانية، السموم منتشرة في كل شيء الماء والهواء والدواء والجسد والعقل والفكر والثقافة وكل ما يمكن تصوره.

ليس ما سبق من قبيل المبالغة، فالحالة خطيرة جداً وحالة مجتمعتنا أخطر من حالة أوروبا في القرون الوسطى وقبل عصر التنوير؛ لأنهم عرفوا المرض، والأمراء والحكام الراغبون في الخروج من سطوة الكنيسة والجهل والخرافة احتضنوا المفكرين والفلاسفة، فقام الفلاسفة والمفكرون بمعالجة كل المفاهيم والأفكار والغوص في دراسة الوجود والعدم والعبثية والعقل والفكر والثقافة، جيل بعد جيل بدأ بالتنوير، فالحداثة ثم ما بعد الحداثة. درسوا المفاهيم والقيم والأدوات والآليات المستخدمة ووضعوا المناهج الفكرية والعلمية التي تناسبهم وتناسب اقتصادياتهم وحياتهم الاجتماعية ولم يتركوا جانباً إلا بحثوه ودرسوه سواء مادياً أو فكرياً.

التجربة الصينية أيضاً جديرة بالبحث والدراسة والتعلم منها البحث عن الدواء يجب أن يكون الهدف والغاية الشفاء.

النفوذ الأجنبي

المنطقة في حاجة لإخراج النفوذ الأجنبي المتمثل في الوجود العسكري الغربي بكل أشكاله. إخراج قوى الهيمنة ليس بهدف العداء والكراهية بل بهدف التخلُّص من السموم التي تفرزها في المنطقة. تواجد القواعد الغربية يعني النفوذ والسيطرة والهيمنة المادية المحسوسة.

فك التبعية الاقتصادية والتحرر الاقتصادي

الغرب يسعى دائماً لربط الدول الأخرى باقتصادياته ومصالحه، وجعل هذه الدول في قبضته المالية تدور في فلكه لصالح اقتصاده وازدهاره. الغرب المستفيد من حركة نقل الأموال والتحويلات وحفظ الودائع والثروات الوطنية. ويستطيع متى أراد إفشال الخطط والبرامج التنموية للدول الأخرى أو إبطاءها. التحكم الغربي أكبر وأخطر مما يبدو ظاهرياً.

الثقافة

لقد تسرَّب الفكر الغربي لكل مجالات الثقافة في غياب رؤية فلسفية حضارية تؤمن بتعدد أبعاد مشروع التأسيس الحضاري في مجالات العلم والمعرفة والأخلاق والقيم والسياسة والاجتماع.

العالم العربي في حاجة ماسة إلى مشروع مؤسسي حضاري لمعالجة السموم المنتشرة في كافة أرجاء ثقافته ومفاهيمه ومصطلحاته وتاريخه وعلومه التي اشتقها من الغرب دون تمحيص ودراسة ووعي أخذاً في الاعتبار اختلاف المنطلقات الغربية عن العربية والإسلامية. وللحديث بقية..