1998 أو 1999.. إن لم تخذل الذاكرة.. زار محمود درويش جريدتنا الخليج، وكان في استقباله تريم عمران في مكتبه، وحضر اللقاء الصحفي والشاعر اللبناني أحمد فرحات، وحظيت أنا كاتب هذه السطور بحضور ذلك اللقاء في ظهيرة ذلك الصيف، وكان تريم عمران، المعلم، والرمز سعيداً بالشاعر الكبير الذي خصّ الجريدة بتلك الزيارة ضمن برنامجه المرتّب آنذاك في إطار قراءة شعرية له في الإمارات، وكان لقاء ثقافة وشعر ورمزية رفيعة للرجلين: تريم عمران، ومحمود درويش، الأول: مؤسس لمنبر ثقافي إماراتي عربي في سياق الجريدة ومهنيتها الموصولة بروحه ورؤيته وتدبيره الإداري والتحريري،.. والثاني: مؤسس لشعرية عربية جعلت من فلسطين اسم علم في خريطة العالم أكثر احتراماً واعتبارية تاريخية وسياسية مما عمله بعض السياسيين أو بعض المشتغلين بالسياسة.

ظهيرة رائعة تلك بالنسبة لي بحضور رجل تعلّمت منه أخلاقيات المهنة وكرامتها، ورجل آخر تعلّمت منه أن الشعر أكبر من الشعار السياسي المستهلك، وأن الشعر أيضاً أخلاقيات، وكرامة..

كان تريم عمران يلتقي في مكتبه في الجريدة كل النخب والرموز العربية الوطنية الثقافية والأدبية التي تزور الإمارات، وكانت الثقافة بالنسبة إليه هي (زهرة الحبق) في الجريدة كما قال أحد رجالها القدامى الحرفيين الأستاذ محمد بنجك.. القارئ النوعي لمحمود درويش وللشعر عموماً..

.. تريم عمران تاج جريدة الخليج إلى جانب تاج أخيه عبدالله عمران، وأنا شخصياً، مع أن ضمير (الأنا) اللغوي هذا لا يُستخدم في العمود الصحفي كي لا يقع الكاتب في حالة الطاووس.. أستخدم هذه الأنا سريعاً لأشير إلى حالة ثقافية إماراتية عربية ممهورة باسم تريم عمران، ولكي أشير أيضاً الى أننا في الكتابة عن تريم عمران، وعبدالله عمران، لا نعود إلى ذاكرة استرجاعية او استعادية، لأن الرجلين هما أصلاً ذاكرة، وهما تاريخ، وهما حياة إنسانية وصحفية وثقافية.. وكل محرر وكل صحفي في الخليج هو جزء من تلك الحياة..

أعود إلى الحالة الثقافية التي أشرت إليها قبل قليل ووصفتها بأنها ممهورة بتوقيع واسم تريم عمران، وأقصد بها حالة الثمانينات من القرن العشرين، وصورة الجريدة الثقافية آنذاك، وهنا سأرسم تلك الصورة بالأسماء وأدوارها وفضاءاتها القلمية والكتابية تحت مظلة تريم عمران.

أوّل تلك الأسماء: محمد الماغوط. لقد استقطبه تريم عمران وهو يعرف كم من الألغام مزروعة في اسم الماغوط. ببساطة:.. الرؤية، والموقف، والشجاعة من جانب رجل يريد لجريدته أن تكون منبر ثقافة حقيقية،.. أما الكادر الثقافي آنذاك في الخليج فكان كله إما شعراء، وإمّا قصّاصون، وإما روائيون، وإمّا نقاد أدب وفن تشكيلي.

كل أرشيف ثقافي في الخليج يعطيك من 8 إلى 14 صفحة للملحق الثقافي، ويعطيك أيضاً هوية جريدة عمودها الفقري هو الثقافة، أما رافع هذا العمود في الإمارات فهو: تريم عمران،.. تماماً كما تُرفع الأعلام والبيارق والرّايات...