تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أن الاحتلال قد وصل إلى النواة الحساسة لحركة حماس والآن يستخدم أسلحتها ضدها، يعد مؤشراً على تمكن الكيان المحتل من الوصول إلى مركز عمليات الحركة في غزة، كما يدلل على أنها قد خسرت أرض المعركة في ظل الحرب الشعواء التي دكت القطاع وحولته إلى ركام.

ويبدو أنَّ تصريح غالانت ليس مجرد ثرثرة أو أمنية إسرائيلية تحاول تل أبيب إقناع نفسها بها من أجل إسقاط حماس، بل أصبحت حقيقة راسخة، خاصة بعد أن أبدت حماس نيتها ترك غزة والتفكير في الهجرة إلى قطر أو تركيا أو أي دولة أخرى غير فلسطين، ليخلو لإسرائيل الجو حتى تتوسع حدود دولة الاحتلال بضم غزة.

حماس خضعت أيضاً أمام إسرائيل، عندما أعلنت قبولها وقف إطلاق النار مع بداية شهر أيار (مايو) الجاري، وإبداء نية الجلوس على مائدة المفاوضات في القاهرة من أجل الهدنة، لكنها تمسكت بشروط رفضتها إسرائيل، أبرزها الإفراج عن جميع عناصر وقيادات الحركة من السجون الإسرائيلية، وهذا أقلق تل أبيب، التي تخشى أن تجدد الحركة نفسها وتعود مجدداً بأكثر من عملية انتقامية كطوفان الأقصى.

مستجدات الحرب تشير إلى أن حماس كحكومة قد سقطت، لكنها لا تزال متواجدة كتنظيم أو حركة قادرة على الإضرار بمصالح إسرائيل في الدول الغربية، خاصة بعد اشتعلت الجامعات الأميركية والبريطانية وغيرها بمظاهرات من أجل غزة، أو حتى في قلب تل أبيب حتى لو خسرت السيطرة على قطاع غزة.

وما زاد الأمر تعقيداً تهديد الحركة خلال الأيام الماضية بتعليق المفاوضات التى تجري مع الاحتلال الإسرائيلي بشأن مقترح الهدنة، وهو ما أثار غضب إسرائيل التي تضغط بورقة اجتياح رفح من أجل قبول حماس شروطها، وسرعة إفراج الحركة عن الرهائن وامتصاص غضب الشارع الإسرائيلي ضد بنيامين نتنياهو وحكومته!

لكنَّ المعطيات الحالية تشير إلى أنَّ حماس حكومةً تلفظ أنفاسها الأخيرة في غزة، وربما تبحث عن مراكز أخرى من أجل تجديد نفسها وإعادة إدارة أمور الحرب ضد إسرائيل في رفح، في محاولة بائسة لإثبات الوجود، بالرغم من تأكدها أنها خسرت الحرب كما خسرت السيطرة على قطاع غزة إلى الأبد، لكنها لا تزال قادرة على إرباك إسرائيل وتقويض أمنها، فلا تزال الصواريخ والضربات العشوائية قادرة على إفزاع الإسرائيليين، الذين يعتبرون حماس بعبع العصر، كما أنَّ المعارك اليومية متواصلة بين الطرفين حتى هذه اللحظة!

لم تمت حماس حتى الآن رغم ضعفها، وأعلنت أنها مستعدة لمواصلة القتال لفترة طويلة، فرئيس الحركة يحيى السنوار لا يزال يسيطر على الأمور ويديرها ويتحكم بها، رغم كل ما تسبب به من دمار وخراب وقتل على حساب هوس بالزعامة وتحقيق مصالح الحركة.

تعنت السنوار وتحديه نتنياهو في معركة تجري على حساب الفلسطينيين لا الاسرائيليين قد يؤدي إلى مجازر جديدة في رفح خلال الأيام القليلة المقبلة، ورغم ذلك، فقادة حماس يتمسكون بشروطهم الكاملة لوقف الحرب دون مراجعة حصيلتها الممتدة منذ ستة أشهر، والتي خلفت أكثر من 35 ألف شهيد و78 ألف جريح، وهذا بخلاف المفقودين تحت الأنقاص وأكثر من نصف مليون مبنى مدمر.

والآن.. يبرز سؤالان في الأفق: هل بإمكان حماس أن تستمر في نفس النهج بعد كل ما حدث، وهل ستعيد تقدير الموقف وتنقذ نفسها بالانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية؟