ظاهرة "هروب الفتيات الى المدن المزدحمة " تعتبر ظاهرة إجتماعية خطيرة لم تلقى التجاوب الكامل من المجتمع الذي أبتلي بهذه الظاهرة وقد يكون هذا الهروب صرخة وتمرد في وجه الظلم الواقع على الفتاة من الأسرة والمجتمع على حد سواء، ويأتي هذا الظلم من الفهم الخاطيء لنصوص الدين وعادات الجاهلية التي مازالت تعشش في أدمغة وعقول ولاة أمر هذه الفتاة الهاربة من محيط أسرتها أو قريتها الى المدن المزدحمة وللتخلص من السيطرة الذكورية الكاملة في المجتمعات الشرقية عليها، هذه المجتمعات لاترغب في التنازل عن سلطة الأمر والنهي وحب الذات والأنانية والتصرف في مستقبل الآخرين بل والمنحازة الى نفس الجنس الذكري ضد الجنس الأنثوي تماما كإنحياز أمريكا الى إسرائيل، لذا ستبقى المرأة تعيش تحت وطأة ظلم العادات والتقاليد والضغوط المتراكمة ضدها الى أن تنفجر في وجه ذلك الطاغية وهي أشبه بالحرب على الإرهاب فقد تختلف وجهات النظر في تفسير معنى الإرهاب فمن وجهة نظر الرجل الذي يريد أن يبقى صاحب الرهبة والعظمة والاستبداد والتسلط والحكم واللعب بمقدرات الشعوب عفواً المرأة، فمن يقف في وجه هذا الظلم يسمى إرهابياً لذا تعتبر المرأة الشرقية إرهابية مجازاً متمردة راغبة في التحرر من وجهة نظر ولي أمرها، أما ولي أمرها الذي يظلمها ويحكمها فهو يحارب هذا التمرد والتحرر الذي يسميه مجازاً إرهاباً، فالمرأة منذ ولادتها الى أن تصبح شابة تكبت في نفسها أمور كثيرة نظراً لضعفها وبعد أن يشتد ساعدها ماتلبت أن تنفجر في مرحلة الشباب كونها في هذه المرحلة تتميز بالحيوية والطموح والقوة والنشاط والاندفاع ورفض القيود لذا نجد أطفال الحجارة أكثر جرأة في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي، وهذه الفتاة تعيش حياة حالمة الى أن تصطدم بالواقع الذي لايمثل غير الظلم والاستبداد وبالتالي فهو بعيد كل البعد عما تحلم به والمثالية التي تود أن تعيشها وفي هذه الحالة فإن الفتاة تعيش حياة هامشية داخل الأسرة فهي ليست موجودة بفكرها وروحها وإنما بجسدها أي دمية بلا روح ولهذا ينوب رب الأسرة عنها في تقرير شؤونها فهي تعاني الإحتلال الجاثم على صدرها والمهيمن على كل شؤونها ولذلك لاتجد لها حلا غير الهروب المتمثل في المقاومة لهذا الاحتلال المهيمن على الجسد والروح والتفكير والابداع ولا أحد ينكر أن من يريد أن يتولى المقاومة لهذا الاحتلال لابد أن يتعرض للمخاطر ولهذا فهي تقترب الى أول يد تمتد لها لتساعدها بغض النظر عن كون اليد الممتدة لها نظيفة أم غير نظيفة وهذا هو سبب الإنحراف أي عدم القدرة على التنبؤ بنظافة اليد الممتدة لها، ولذا نريدها أن تكون صانعة قرار مستقبلها وليست تابعة لقاهرها ومن يكون صانع قرار فهو يتحمل نتائج هذا القرار وهذا هو الفرق بين المبتكر والمقلد وبين المستقل والتابع، ونريد أن نؤكد أن هذه الظاهرة موجودة بغض النظر عن نسبة وجودها في المجتمع، فإذا لم تتخذ الإجراءات الكفيلة بالقضاء على هذه الظاهرة "هروب الفتيات الى المدن المزدحمة " في مهدها قبل إستفحال خطرها وبالتالي صعوبة إجتثاثها. ولابد من تعاون جميع الأطراف على زيادة الوعي الأسري مع الحرص على إلتزام التربية السليمة والصحيحة رغم كل المعوقات وفق المثل والقيم الإجتماعية الإنسانية العالمية المتوافقة مع الأديان السماوية.

مصطفى الغريب – الرياض