أثارت مقالات سابقة لي حول القضية الفلسطينية و دعواتي المتکررة فيها الى مبدأ الحوار و التعايش السلمي، العديد من الاخوان، وقد وردتني رسائل ألکترونية کثيرة جلها تشجب دعوتي هذه و تسحب علي نعوتات ليست بجديدة على الواقع العربي. والغريب في الامر، أن هؤلاء السادة يتناسون أساسا أن هناک حوار فعلي بين الفلسطينيين و الاسرائيليين يجري على قدم وساق، ويتصورون دعوتي بمثابة شئ جديد بل وحتى کأنها بدعة على الساحة. أما ماکتبته بصدد الکورد و دول المنطقة، فقد أثارت و لاتزال تثير الکثير من ردود الفعل المتباينة، لکن جلها ترى في آرائي خروجا على منطق الواقع و جنوح خلف متاهاة سراب الاوهام. وقد يکون للأسلوب المباشر و الصريح لکتاباتي، هو الذي دفع البعض الى إتخاذ مواقف متشنجة و حانقة منها، وسموه "ثقافة إنفصالية" أو "دعوات مشبوهة". ولازلت"وسوف أبقى" على إتباع هذا الاسلوب في الکتابة، لسبب جوهري مهم و هو أن الخط العام للاسلوب المراعى في عموم القنوات الاعلامية العربية " منذ أواسط القرن الماضي و لحد الان" کانت الضبابية و الفوقية و إخفاء أو تشويه الحقائق على الجماهير وأنا لاأريد أن أکون وفق ذلک السياق أبدا. من هنا حين أتحدث عن الواقع الکوردي بخطه العام، فإنني أطرح ماهو موجود و ملموس فعلا على أرض الواقع وليس تصورات أو توقعات محددة من أغوار ذاتي. وطرح الحقائق بالنسبة لي کمثقف کوردي أمام المثقفين العرب، فهي تأتي أساسا من مکاشفة من کانوا مشارکين للکورد طيلة عقود طويلة من الزمان. وطرح هذه الحقائق هي بحد ذاتها دعوة موجهة للمثقف العربي کي يستقرأ أبعادها لمختلفة و يحاول فهم شئ أو حتى أشياء عن الکورد، کانت خافية عليه لأسباب هي بالفعل أکثر من کثيرة. ومما يثير السخرية و الشعور بالقرف، هو محاولة بعضا من الاقلام العربية" وقسما تکتب بالعربية لفائدة خط معين" الاصرار على مبدأ "التقافز" و "إنکار" کل ماهو واقعي و ملموس من أجل ضمان سلامة بنيانهم الواقعي" الهش أصلا". إنهم يمزجون القومية بالاجتماع و التأريخ و الفلسفة و يقدمون طروحات" مثيرة للإشمئزاز" ويتصورونها کافية لإلغاء الاخر و إقصائه عن الساحة. وکم أثار الشفقة کاتب مثل " نضال قادري" حين يعلن و بجرة قلم (ليس للکورد أمة..وماکانت من جنکيز خان حتى سقوط صدام) ويتصور بوهم من تفکيره المعقد الممزوج بثقافة الإستعلاء، إنه قد ألغى الکورد فعلا و صارت الساحة له و لطروحاته الوهمية! هذا الکاتب لو کان قد تجشم عناء قراءة التأريخ و فهم حقائقه و إستوعبها لکان له شأن آخر مع کل تلک الزوابع التي يثيرها بين الفينة والاخرى بإسم "العلمية و الموضوعية" و هي أبعد ماتکون عن ذلک. ولحد الان لم أفهم لماذا حدد بالذات حقبة تأريخية محصورة بين "جنکيز خان و سقوط صدام"؟ ففي مقاله المطول لم يطرح أصلا مايربط هذا بذاک؟ ذلک أن الکورد"ليس کأمة فقط و إنما کدولة أيضا" کانوا متواجدون قبل هذه الحقبة بکثير (مملکة ميتاشي و إمبراطورية کوکتيل 2100 ق. م، الامبراطورية الحيثية 1800/1200 ق. م، الامبراطورية الميدية عام 595 ق. م) أما ماجاء به من طروحات(حزبية معينة) يؤمن بها فهو حر في الايمان و القناعة بها ولک ليس من حقه أن يسوقها کبديهيات للجميع!! فخصوصية الکورد کقومية مختلفة عن العرب هي حقيقة ماثلة بالنسبة لذوي الخبرة و الاطلاع، وکمثال فأن المرحوم الدکتور علي الوردي"وهو من أشهر الباحثين الاجتماعيين في العراق و المنطقة" حين تناول في کتابه القيم(لمحات إجتماعية من تأريخ العراق الحديث) الشخصية العراقية، فأنه قد إستدرک بأن المعني ببحثه هذا هم العرب المتواجدين في المنطقة الوسطى و الجنوبية من العراق، وأن ذلک لايشمل شمال العراق"وتحديدا الکورد". أما تصورات ج. د. أدموند في کتابه "کورد ترک عرب" فقد طرح هو الاخر خصوصية الشخصية الکوردية و تميزها عن الاخرين، ولاسيما فيما يتعلق بالمرأة و دورها الاجتماعي في المجتمع الکوردي. والحري بمن يدعي النزاهة و الموضوعية أن يستند على شواهد و حقائق تأريخية لا على مجرد تصورات و أفکار ترتکز أساسا على الميل و الهوى. والسيد قادري حين يورد مقطع من مقال لي أتحدث فيه عن الامة الکوردية، فکل رده هو دعوتي" لقراءة ماکتب کاملا" ولاأدري ماذا سيفهم القارئ العزيز من هذا الکلام الذي أنا بنفسي لاأفقه شيئا منه؟ لماذا لايتحدث السيد نضال قادري بإسلوب واضح و صريح و شفاف و بعيد عن اللف و الدوران لا لشئ إلا لراحته هو فقط! والشئ الذي فاجأني به السيد قادري هو أنه يمن على الکورد بموقفه الايجابي من أحداث قامشلي، متناسيا کمثقف أن الموقف الانساني ليس بمنة أو عطية تغدق بها على هذا أو ذاک و إنما هو جزأ لايتجزأ من إنسانية الانسان نفسه. أما العزف على قيثارة "العلاقة الکوردية ـ الاسرائيلية" فهو کلام قد أکل عليه الزمن و شرب، والاحرى بالسيد قادري أن يفقه أن قراءة الواقع يحتاج لدراسة معطيات الواقع لا القفز عليها فما تسميه"الکيان الاسرائيلي الارهابي" هو جزأ أساسي من اللعبة السياسية في المنطقة و هي بالاضافة لذلک دولة قائمة بحد ذاتها و لاأتصور بأنک مازلت من ضمن الداعين لإلقائها في البحر!! أما الذي أثار إستهجاني و قرفي من کل مقال السيد قادري فهو إتفاقه مع دعوة الکاتب الشوفيني للنخاع " خضير طاهر" على أنه(لابد من اللجوء الى بعض الخطوات التأديبية لکسر غرور الاحزاب الکردية و إرجاعها الى جادة الصواب..الخ) هذه الدعوة لممارسة العنف هي بحد ذاتها توضح حقيقة و ماهية مثل هذه الاقلام التي تدعي الموضوعية و الحوار وهي في نفس الوقت تبشر علنا لنقيض ذلک، ورغم تفاهة هذه الدعوة و سذاجتها المفرطة في الجهل بحقيقة مايجري على أرض الواقع إلا أنها تبين مرة أخرى القراءة المملوءة بالاخفاق و التخبط لهذه الاقلام التائهة! لکن السؤال هو إذا کنت تتفق و السيد" خضير طاهر" على "تأديب الاحزاب الکوردية" فلماذا تختلفان في مسألة التواجد الامريکي في العراق، إذ يرى السيد طاهر أن الامريکان محررين، فيما توصمهم حضرتک بالاحتلال اللعين! فکيف تدعو أمريکا لتأديب الاحزاب الکوردية و أنت تلعنها؟
کاتب و صحفي کوردي
مقيم في المانيا
[email protected]
التعليقات