باحثات عن الإعجاب في عيون الرجال
السعوديات أكثرهن إنفاقا على الزينة


سعيد الحسنية : قد لا يثير "الرقم المهول " المنفق على التزين والزينة في السعودية _ والذي قدر بأكثر من ملياري دولار سنويا _ الاستغراب حين تصطدم بواقع ان هذه المبالغ التي تصرف على التبرج والزينة مغطاة اذا ان معظم النساء في السعودية يرتدين عند خروجهن الحجاب من الرأس إلى أخمص القدمين، فغالبيتهن يخرجن إلى الشارع متشحات السواد ، مرتديات العبايات التي تكسو أجسادهن ، ومعظمهن منتقبات لا ترى منهن سوى عينين كحيلتين.
ومن المؤكد ان هاتين العنين الكحيلتين لم تكلفا ملياري دولار سنويا .
وعلى الرغم من العباءة المفروضة فإن السعوديات ينفقن تلك المليارت من الدولارت سنويا على مستحضرات التجميل، وجميعها يتم استيرادها من الخارج.
يمكن الإستنتاج من هذا الإقبال الرهيب للجنسين رجالا ونساء دافعا كبيرا لديهم للإعتناء بالمظهر الخارجي ،كما أنه قد يكون إشارة على رغبتهم بمجارات الغربيين واعتماد ما ينقله لهم كمقياس مسلم به. ولكن الملفت للنظر في هذه المسألة ان انفاق الخليجيات ينحصر على مستحضرات التجميل والعطور في زينة ما يكشف، أي العينين والأظفار، بالإضافة إلى إخفاء بعض عيوب الوجه وتجاعيده.ولا يستطيع أي متجول في المراكز التجارية الكثيرة والفخمة في المملكة إخفاء شدة دهشته من روائح العطور التي تفوح لدى مرور النساء المتشحات بالسواد أو ذهوله من أنواع وألوان طلاء الأظافر والشفاه التي تحرص عليها غير المنتقبات من الوافدات. ومن هنا فإنهن يقبلن بكثرة على مستحضرات التجميل التي تلائم ما يكشفن من وجوههن كالعينين والأظافر والعطر، غير أنه من المؤكد أنهن كبقية النساء، فكما أن لديهن أزواجا يردن التزين لهم ، لديهن تجاعيد وعيوب يردن إخفاءها بالماكياج.


الجمال من الأولويات

لكن على ما يبدو أن هوس السعوديات بأنواع خاصة جدا من العطور ومستحضرات الزينة الطبيعية هو السبب وراء إنفاقهن المبالغ الطائلة، فيقبلن على الماركات العالمية من العطور وادوات التبرج خصوصا خلال سفرهن اذ تبدأ السيدة بحمل ما خف وزنه وغلا ثمنه، ولكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه هل أصبحت اولويات المرأة وتحديدا العربية شراء أدوات الزينة والتجميل؟ والاهم من ذلك كله هل صحيح إن المرأة تنفق هذه المبالغ الخيالية على مساحيق التجميل؟
وفي هذا الصدد تؤكد عدد من الإحصاءات على أن المرأة بطبيعتها تميل إلى شراء أدوات الزينة والماكياج ولكن هناك تفاوتا بين سيدة وأخرى، فمنهن من تشتري بإعتدال وبما يتناسب مع ميزانيتها وميزانية العائلة وأخريات لا يضعن هذه الأمور بعين الاعتبار. أما بالنسبة إلى السعودية، فمن المعروف ان المواطن يتمتع فيها بمستوى دخل مرتفع وهذا طبعا يساعد المرأة ويشجعها على دفع أموال طائلة على مساحيق التجميل، وعلى الرغم من أن هذا المجتمع محكوم بعادات وتقاليد تحظر على المرأة الظهور وهي متبرجة وبكامل زينتها وأناقتها،إلا ان ذلك لم يمنعها من أن تصبح من أكثر نساء العالم إنفاقا على مستحضرات التجميل. وربما بعض السيدات يرجعن ذلك إلى أن المرأة السعودية تسعى للمحافظة على رونقها وجمالها الطبيعي العربي الذي وهبها إياه الخالق. فالمرأة بطبيعتها تحب أن تظهر بكامل زينتها واناقتها وتحاول ان تبدو بأجمل طلة وهذا ما يدفعها للإنفاق على مستحضرات التجميل وأدوات الزينة.

العرب ... والذوق الراقي

ومن جهة أخرى تؤكد مصادر صناعة مستحضرات التجميل أن دول الخليج تقوم سنويا باستيراد منتجات قيمتها ما يفوق الأربعة مليار دولار تتوزع بين دول مجلس التعاون ويكون للسعودية الحصة الأكبر، وتشير تلك المصادر إلى أن المرأة العصرية تهتم بمستحضرات التجميل انطلاقا من حرصها على صقل جمالها ويتميز المستهلكون في منطقة الشرق الأوسط بذوقهم الراقي في اختيار مستحضرات التجميل وبتقديرهم للعلامات التجارية الأصلية الشهيرة التي يستخدمونها وتساهم كل هذه العوامل في جعل منطقة الخليج موضع اهتمام شركات صناع مستحضرات التجميل العالمية.حيث تعرض هذه الشركات أحدث ما لديها من منتجات العناية بالشعر والبشرة والجسم، والمكونات الأساسية لهذه المنتجات من الزيوت المستخلصة والطبيعية ومعدات التجهيز والتعبئة والعطور ومساحيق التجميل ومستلزمات ومعدات المنتجعات الصحية والرياضية وصالونات التجميل وتصفيف الشعر.

ليس المقصود من هذا الكلام أننا نبغض الجمال، فمن لا يعشق الجمال هو حتما غير سوي ولكن الجمال بالنسبة لنا ليس سلعة تباع بسوق النخاسة، وليس ذوقًا استهلاكيًا ليتم إخضاعه لقوانين العولمة، واعتماد ما تبثه الفضائيات كمقياس للجمال. فأي امرأة تعيش في زماننا لا يمكن محاكمتها وفقًا لموديل عارضة الأزياء أو ملكة جمال دولة ما أو حتى مقارنة خدودها بخدود نانسي عجرم ، ومحاولة رفع صدرها ليتساوى مع صدر أليسا،فأحمر شفاه ماريا حتما ليس اللون الذي يجب ان يكون حلم كل فتاة . فالمقاييس الجمالية متغيرة ومختلفة بتغير المجتمعات والثقافات
والمناخات ، فتلك المقاييس هي نسبية.

بين رائحة الموت وعبير الياسمين

هنا قد يتساءل كثيرون لماذا هذا الإسراف "التزييني" إلى حد يفوق ميزانيات دول كثيرة تعاني شعوبها من الفقر المدقع؟ وكيف نفسر تلطخ وجوه العديد من نسائنا العربيات في بعض دولنا بالمكياج وتفوح منهن روائح العنبر والياسمين في الوقت الذي يكسو وجوه نسائنا في دولنا الأخرى غبار التدمير وشحار الحرمان، وتعبق بأجسادهن رائحة الموت الكريه.كيف تستطيع إحداهن استخدام قلم " الروج " وتلوين شفاهها بأحمر الشفاه ،في حين تشق سكين القهر شفاه أختها وتلونها بالدم القاني ؟ قد تكون مقارنة قاسية فيها الكثير من الاستفزاز الذي يضع المرأة على حد السيف، ولكن إلى متى سندير ظهورنا إلى حقيقة الواقع، ومتى سنجعل ثقافة نسائنا التجميلية الخارجية جانبا ونصقل جمال ذاتهم وأفكارهن؟ متى ستلتحف الصبايا بثوب معطر بعبق العطاء للمحرومات والوقوف إلى جانب من يلدن تحت خيمة المنفى أو بالقرب من جدار العزل؟ ويبقى كيف ارتضت بعض نسائنا أن يتخلين عن وضعهن في المجتمع، من كونهن أُمًهات بالأساس ويتحولن موضوعًا جنسيًا مثيرًا للشهوة وباحثًات عن الإعجاب في عيون الرجال أكثر من بحثهن عن السعادة في عيون الأبناء الصغار ؟