مكتبة إيلاف: (12)
بدايات الشعر التركماني في أرض الرافدين
ان جهود بعض المثقفين مؤخراً في التعريف بالثقافة التركمانية العراقية، باعتبارها جزءا هاماً من موزائيك الثقافات الأثنية في العراق، تبقى بحاجة إلى التواصل، خاصة؛ وأنها تهدف في نهاية الأمر إلى تعزيز الانتماء للهوية العراقية الوطنية، وإلى اعتبار منجزات هذه الثقافة رافداً من روافد الثقافة العراقية المعاصرة.
قدمت الحضارة العراقية على مر العصور، الكثير من المبدعين والنوابغ في مختلف المجالات الفكرية والثقافية. ويكمن سر هذه الديمومة الإبداعية في التنوع الثقافي العجيب الذي ظلت تستقبله أرض الرافدين، وتذيبه في مياه نهريها الخالدين. ومن هذه الينابيع التي لا تزال تنساب، وتسقي حتى الثقافات التي خارج العراق، هي الثقافة التركمانية التي للأسف لم تأخذ حظها من التعريف والتحليل الذي تستحقه من المثقفين العراقيين و العرب. علماً أن تركمان العراق يعتبرون من طليعة و مؤسسي الأدب الناطق بالتركية منذ منتصف القرن الرابع عشر.
منذ ذلك التاريخ يواصل تركمان العراق عطاءهم الثر في كافة المجالات الثقافية والأدبية،لتأسيس ثقافة إنسانية معاصرة وأصيلة قائمة على تراثهم الشعري والثقافي الموروث والمتواصل منذ قرون عديدة على هدى أسلافهم الذين خدموا الثقافة والأدب والفكر الإنساني.
إلا أن ما يدعو إلى الأسف حقاً هو عدم إيصال مساهماتهم في الفكر والثقافة على مر العصور إلى المثقف العراقي خاصة والمثقف العربي عامة بالشكل المطلوب، رغم كونهم جزءاً لا يتجزأ من تاريخ العراق وشعبه.
إن خصوصية الروح العراقية جعلت الأدب التركماني يتميز، ويبرز في جميع البلدان والمناطق الناطقة بالتركية في أواسط آسيا وتركية وأذربيجان والبلقان. حيث قدم تركمان العراق لهذه المناطق الناطقة بالتركية اثنين من أهم وأبرز شعرائهم هما: سيد عماد الدين نسيمي (1370 ـ 1417)، و فضولي البغدادي (1494 ـ 1556).
يعتبر الشاعر عمادالدين نسيمي (1370 ـ1417)المولود بمنطقة ـ نسيم ـ بضواحي بغداد، المؤسس الحقيقي للشعر التركماني ومن أكبر الشعراء في تاريخ أدب الشعوب الناطقة بالتركية إلى جانب كونه شخصية بارزة في الفكر الإسلامي وخاصة في الدول الناطقة بالتركية.كما تكشف قصائده التي كتبها باللهجة التركمانية (وهو أول شاعر يكتب قصائده بها في القرن الرابع عشر) إطلاعه الموسوعي على معارف عصره. ويعتبر نسيمي في الوقت ذاته داعية وشخصية قيادية في المذهب(الحروفي) وهو مذهب صوفي ينادي بوحدة الوجود تعظم وتقدس الحروف والأرقام وتركيب الحروف في الكلمات.وتعتبر (الحروفية) الكون مظهراً للوجود المطلق.حيث الدنيا راسخة في علم الكون، وهذا الرسوخ يُعتبر تجلياً للكائنات،وتتأسس أحكام الحروفية على الحروف الثمانية والعشرين في العربية مضافاً إليها أربعة حروف إضافية (اللام ألف) التي تُقرأ عند بسطها أي كتابتها كما تُقرأ أربعة حروف إضافية هي (لام،ألف،ميم،فاء)وبذلك يصل عدد الحروف إلى اثنين وثلاثين حرفاً.
على أثر انتشار الحروفية انتقل نسيمي من العراق إلى أذربيجان ومنطقة الأناضول لنشر المذهب الحروفي. وقد ترك الحروفيون في القرن الخامس عشر الميلادي اللغة الفارسية،وبدءوا باستعمال اللغة التركية،حيث كتب نسيمي في هذه الفترة ديواناً مع رسالة (مقدمة الحقائق) شرح فيه تفاصيل المعتقدات الحروفية.كما أثارت قصائده باللهجة التركمانية (وهي خليط من لهجة الأناضول واللهجة الأذربيجانية)أصداء واسعة في صفوف المتصوفة والأوساط الدينية.حيث دعا فيها نسيمي الإنسان إلى معرفة ذاته،على اعتبار إن أسرار الكون وأسرار الخليقة تتجلى فيه.
استعمل نسيمي أنماطاً شعرية سائدة في الشعر العربي والفارسي كالغزل والرباعية والمثنوي.وقد تمكن من أن يكون أول شاعر عراقي ينظم باللهجة التركمانية قصائد تضاهي ما هو مكتوب في الشعر العربي والفارسي الكلاسيكي مضيفاً إليها نفحات شعرية تعبر إن إيمانه بالمعتقدات الحروفية.
في وجهك أظهر الحق اليوم
الحروف جميعها برهاناً على أنه أنت
توحد العاشق والمعشوق
وزال الفرق بين اللاء والنعم
ظل نسيمي طوال حياته متأثرا لمصير المتصوف الكبير الحلاج مرددا ذكره باحترام وتقدير بالغين.غير مدرك أن القدر يخفي له مصيرا شبيهاً بمصير الحلاج.
أقول دوماً ((أنا الحق))لأني بالحق منصور
من ذا الذي يتناساني وشهرتي تعم الآفاق
قبلة الصادقين أنا، وعاشق المعشوقين
السماء السابعة أنا،وناصر المظلومين
أنا موسى إذ أناجي الحق دوماً
يتجلى قلبي أبداً في طور سيناء
أترع كأس الوحدة منذ الأزل
منذ الخليقة أنا نشوان ومخمور
أنى توجهت عيناي هناك أبصر المحبوب
تأخذني البهجة وأفرج الكرب بالكرب
شاهد الحبيب أنا والكون والأفلاك
النطق الرباني أنا في كل اللغات
كياني مرآة للكون والآفاق
أنا صورة الرب، المستور عن البشر
جوهر نسيمي أنا،كاشف الأسرار
مجنون أنا ومتوله،
أُنظر لي كم أنا ظاهر !
يستعمل نسيمي ضمير المتكلم (أنا) في قصائده ليس تعبيراً عن ذاته بل للدلالة على الإنسان بمعناه العام.
اضطر نسيمي إلى مغادرة باكو بعد مقتل فضل الله مؤسس الطريقة الحروفية على يد ميران شاه بن تيمورلنك في 1394 م متوجهاً إلى الأناضول حيث اتصل بالحاج بكتاش ولي (مؤسس الطريقة البكتاشية وهي إحدى الطرق العلوية بتركية) حيث وجد استقبالا حارا من مريديه.ويقال إنهم تأثروا بأفكاره الحروفية التي بدأ بنشرها في الأناضول. ويبدو تأثيره واضحاً من خلال هذه الأبيات للحاج بكتاش ولي :
ليس الزهد في الجبة والعمامة
النار ليست في الحرائق والجحيم
كل ما تريد كامن في ذاتك
لا في القدس ومكة والحج
ولايزال نسيمي إلى يومنا هذا يحظى بمكانة محترمة بين البكتاشيين والعلويين في تركيا حيث يترنمون بقصائده في طقوسهم الخاصة التي ترتل فيها القصائد وتغنى على آلة الساز.
أضطر نسيمي بعد تزايد نشاطاته بين البكتاشيين المعادين لسلطة الدولة العثمانية وخوفه من انتقام السلطان مراد الرابع إلى الانتقال إلى مدينة حلب، حيث أخذ يواصل فيها نشاطاته الحروفية.
لبست لباس الملامة من تلقاء ذاتي
ماهم الناس إن حطمت على صخرة، قارورة الحياء
أصعد السماء أحياناً وأرقب الكون
ماهم الناس،لو نزلت ورآني الآخرون
أذهب أحياناً إلى المدرسة لأقرأ من اجل الحق
ماهم الناس إن ذهبت إلى الحانة وشربت حتى الثمالة
قالوا عن شراب الحب إنه حرام
ماهم الناس إن ملأت الكأس وشربت
يصلي الزهاد في محراب المسجد
ماهم الناس لو كان محرابي عتبة الأحباب
قالوا لنسيمي هل أنت راض عن الحبيبة
ماهم الناس إن رضيت، أو لم أرض،هي حبيبتي أنا
تعرض نسيمي في حلب إلى مضايقات وتأمر من قبل أعدائه. حيث قام أحد المتآمرين بتمزيق صفحة من القران الكريم ووضعها في خرقته دون علمه. وعندما مثل بعد الوشاية به أمام القاضي الذي قال له (ما الحكم في اليد التي تعبث بالقران؟) فكان جوابه تقطع. وهنا قال له القاضي : (هاقد أفتيت لنفسك).
أُتهم بالزندقة، وحكم عليه بسلخ جلده حياً.وعندما بدؤا بالسلخ، شحب وجهه،فقال له القاضي ساخراً : "إذا كنت الحق كما تدعي فلماذا بدأ وجهك بالشحوب؟" فرد عليه نسيمي قائلاً: "الشمس تشحب دائماً عند المغيب لتشرق من جديد|
إن رمت رؤية وجهي
احتجت لعين ترى الحق
وهل لعين كليلة
أن تبصر البهاء في وجه الحق ؟
ومادمنا بصدد ذكر جزء هام من بدايات الشعر التركماني، فأن موضوعنا لن يتكامل دون تأكيد على الدور الهام للشاعر فضولي البغدادي. فعلى عادة الشعراء في عصره لقب أمير الشعر التركماني محمد بن سليمان نفسه ب (فضولي). يقول الدكتور حسين محفوظ أستاذ الدراسات الشرقية في كلية الآداب بجامعة بغداد "كان فضولي من عشيرة البيات، و هي بطن من قبيلة الغز (اوغوز) التركمانية التي استوطنت العراق قديماً، وسكنت قرب واسط ولها ذيول في الشرق وتركيا. وهم الآن ألفاف من العرب والترك، يقيم فرع منهم بكركوك وبيوتات ببغداد وغيرها من المدن."
في إحدى قصائده التي قالها الشاعر في مدح الإمام علي يذكر الشاعر أنه مدح الإمام خمسين عاماً، وهو ما يؤكد أنه بدأ بقرض الشعر وهو يافع. و كان لفضولي الشيعي المذهب مكاتبات ومناظرات شعرية مع الشاه إسماعيل الصفوي الذي يعتبر في الوقت نفسه من ابرز شعراء الشعر الكلاسيكي التركي (أدب الديوان) حيث كان يكتب قصائده باسم (خطائي) وإليه أهدى الشاعر ديوانه (بنك و باده) حيث شبه السلطان العثماني
ب (بنك ـ الأفيون) وشبه الشاه الصفوي ب (باده ـ الشراب). وعندما استولى العثمانيون على بغداد منهين بذلك حكم الصفويين استقبل فضولي بقصيدة السلطان العثماني سليمان القانوني الذي أمر أوقاف بغداد بصرف راتب شهري للشاعر.إلا أن الأوقاف توقفت عن صرف الراتب الشهري للشاعر، وذلك بعد مرور فترة على مغادرة السلطان بغداد. وقد تأثر الشاعر من هذا الإجراء المتعسف فكتب شكواه إلى السلطان في قصيدته الخالدة (شكايت نامه) ولكن دون جدوى، وهو الأمر الذي دفعه للاعتكاف في كربلاء والتي كان يعتبرها (أكسير الممالك) حيث فوض إليه إسراج المصابيح في حضرة الحسين الشهيد.
وقد توفي الشاعر في هذه المدينة بعد أن أُصيب بمرض الطاعون سنة 963 هجرية حيث دفن بمدينة كربلاء على خطي جنوبي صحن الروضة الحسينية تجاه باب القبلة.
ترك فضولي ميراثاً ضخماً خالداً للأدب التركي خاصة وللأدب الإنساني عامة من الشعر والنثر باللغات التركية والعربية والفارسية في أثار قيمة مثل : أنيس القلب (منظومة في 134 بيتاً)، حديقة السعداء (عن واقعة كربلاء،وترجمة خطب الإمام الحسين خلال الواقعة)، ديوان فضولي (ثلاثة مجلدات ضخمة باللغات الثلاث)، رسائل فضولي، رند وزاهد (منظومة في 850 بيتاً)، ساقي نامه (في 700 بيتاً)، مطلع الاعتقاد (في علم الكلام) ليلى ومجنون (3400 بيتاً).
ورغم أن علي شيرنوائي يعتبر أول من تناول موضوع (مجنون ليلى) في الشعر التركي إلا أنه لم يصب الشهرة التي بلغها فضولي لكونه قد كتبها باللغة الجغتائية التركية. أما فضولي الذي كتب نفس الموضوع متأثراً بالشاعر الأذربيجاني نظامي كنجوي فقد اختلف عن بقية الشعراء الأتراك الذين تناولوا نفس الموضوع بمنح مطولته الشعرية نفساً صوفياً مجرداً بذلك قصة الحب المعروفة من عناصرها الحسية محولاً بذلك تلك العناصر إلى عناصر مجازية.كما يتجلى ذلك في النموذج التالي :
كنت رفيق دربي الدائم أيها القمر
أتترك رفيقتي هكذا للمصير المحتوم
افتخر أيها القدر بما جنته يداك
لا رفيقة لي غير تلك الدرة الساطعة
فالحزن مخيم على القلب حتى القيامة
إياك أن تقترب من خصلات شعرها أيها الثعبان
إلهي انقذني من الحزن والغم
وبلغ جسدي بشرى العدم
قطفت الوردة من بستان الأمل
وشربت الشراب من كأس الأجل
أنت ليلى وقالت هو ذا حبيب الروح
فما أفظعه من حب هذا الذي عشناه !
أوضح فضولي في مقدمة ديوانه الفارسي أن خطابه الشعري موجه للفقراء والمظلومين، ويعبر عن معاناتهم
لأهات المظلوم أصداء في شعري
و لأنات المحروم مكان في قصيدي
…………………………….
لي الفقر هو الجاه و العز
و لغيري الثروة والكنز
……………………………
العفة و العدل كنز الحكام وتاجهم
الطغيان والطمع يعجل بأوانهم
أثنى على فضولي معظم النقاد والأدباء في زمانه وغير زمانه. قال عنه معاصره عهدي البغدادي ((مولانا فضولي كامل بكمال المعرفة ‘ فاضل بفنون الفضائل ,لا ند له في بلاغته في اللغات الثلاث.قادر على صنوف الشعر،ماهر في العروض..)) لقبه الشاعر التركي عبدالحق حامد المعروف لدى الأتراك بالشاعر الأعظم بأنه (شيخ الشعراء) و (أعظم شعراء الشرق). وقال عنه المستشرق المعروف جب ((أن فضولي البغدادي لم يجد إلهامه في صفحة من صفحات ديوان شاعر فارسي و لا تركي، وإنما وجده في قلبه، وقد اهتدى بنور عبقريته في تلك الطريق التي شقها لنفسه،ولم يسر فيها قبله ولا بعده أحد..)) ويقول عنه الباحثان ادمون فازي و عبدالحليم ممدوح ((كان شعراء الترك متعلمين متكلفين في المعنى والمبنى. أما ذلك العراقي المتواضع فشعره ديباجة صافية، ورونق لا يبلى)).
لا يزال هذا الشاعر العظيم محط الأوساط الثقافية التركمانية في العراق وأذربيجان وتركيا. وكانت تركيا قد اقترحت في بداية السبعينات على العراق إقامة ضريح مناسب للشاعر يتناسب مع أهميته الشعرية مقابل بناء ضريح مماثل للشاعر العربي امرؤ القيس بعد أن عثر علماء الآثار على مكان قبره بمنطقة (ألما داغ) القريبة من العاصمة التركية أنقرة. إلا أن المشروع لم ينفذ. وكان أن قامت بلدية مدينة كربلاء بتسوية عشرة أمتار من عمق الصحن الحسيني لتوسيع الشارع الذي يقع عليه، وهو مكان لتجمع الباعة الذين يربطون فيه دوابهم أيضاً.الأمر الذي أدى تسوية قبر الشاعر فضولي. وهو ما ذكره الشاعر التركي كمال بيرام في كتابه (موزوبوتاميا) الذي ألفه عن زيارته للعراق بعد دعوته إلى مهرجان مربد الشعري في 1974.وأمام اهتمام الوفود الأذربيجانية بزيارة قبر الشاعر الذي تفخر به لكونه كتب أشعاره باللغة التركمانية والتي تتشابه إلى حد بعيد مع اللغة الأذربجانية. اضطرت الجهات العراقية إلى تشكيل لجنة لتحديد مكان لبناء ضريح جديد للشاعر في الصحن الحسيني الشريف.لكن اللجنة اختارت مكاناً أخر لبناء ضريح الشاعر فضولي. حول هذا الموضوع يذكر الكاتب الأذربيجاني غضنفر باشاييف في كتابه (ست سنوات على ضفاف دجلة و الفرات) مايلي ((… كان قبر الشاعر حتى السبعينات من هذا القرن موجوداً تحت قبة صغيرة بباب القبلة.. في عام 1975 تم توسيع الساحة من باب القبلة وهدم الضريح على أثره..(…) في أيلول من عام 1994 تم بناء ضريح جديد للشاعر في غرفة مكتبة ودار المخطوطات التي تقع في الجانب الأيمن من باب القبلة ـ السياج الخارجي ـ المحيط بضريح الإمام الحسين (ع) وذلك بمناسبة مرور 500 عام على ميلاده..))
لقد استطاع الشاعر التركماني العراقي فضولي الذي قال :
لو نالت الوردة نصيبها من نيران الردى
فمن نارها سيبعث طائر الحب
استطاع أن ينقل نار الشعر إلى الأجيال الشعرية المتلاحقة عبر القرون.لذلك يحتفل التركمان في العراق في منتصف أيلول من كل عام بذكرى شاعرهم الكبير. كما تقام بنفس المناسبة مهرجانات شعرية وثقافية في تركيا وأذربيجان وجمهوريات أسيا الوسطى تكريماً منها لإنجازاته الشعرية الهامة.
شعراء الديوان
حينما وضع الشاعر التركماني الكبير محمد فضولي البغدادي، توقيعه على الشعر التركماني، قبل أن يوارى الثرى في كربلاء على مقربة من قبر الإمام الحسين،لم يكن يدري أنه يضع بذرة مباركة في تربة الشعر التركماني العراقي و فضائه.
وقد استمر الشعراء التركمان في حقب تاريخية مختلفة في وصالهم مع الشعر منهم : عبدالرزاق نورس قديم (؟ـ 1761)، الشاعر بدري (1743ـ 1820)، بكر مفتي (1766ـ 1830)، اسعد حاج محمد نائب (1848ـ1931) سيد قاسمي (1785 ـ 1844) عبدالقادر غلامي (1854 ـ 1886) سيد محمود عرفي (1832 ـ 1890) عبدالقادر فائض (1834 ـ 1897)، عبدالله صافي (1809 ـ 1898)، محي الدين قابل (1834 ـ 1909) وعشرات غيرهم.
وهذه الحقبة تمثل قمة ازدهار الشعر التركماني الكلاسيكي، وقد عكس شعراؤها الحياة الأدبية والاجتماعية والحوادث التاريخية لعصرهم. ولكون القصيدة الكلاسيكية تحوي على أكثر من غرض، لذلك توزعت نصوصهم الشعرية بين موضوعات شملت جوانب واسعة من الحياة مثل الغربة والوطن والخمريات والغزليات والشعر الديني والتصوفي والحكميات وغيرها من الأغراض الشعرية، واستخدم معظمهم أوزان العروض العربية لبناء موسيقى أشعارهم وإيقاعها، كما ظهرت أشكال فنية عديدة مثل المخمس وتركيب بند، والمثنوي والملمعات والتي تعتمد جميعها على أوزان الشعر العربي وأوزان الهجاء (المقاطع الصوتية)، لكنها تختلف في التقفية ونظام ترتيب الأبيات.
وواصلت هذه المدرسة تأثيرها هذه المدرسة بشعراء الديوان في التراث التركماني القديم واعتمدوا في الأغلب على بحور الشعر العربي وحاول بعضهم محاكاة الكلاسيكيين القدامى في الأشكال الفنية والأغراض الشعرية. كما اعتنوا بالوصف والزخرفة البلاغية والصور الشعرية واستقلال البيت، في حيت حاول قسم منهم الابتعاد عن لغة الأقدمين باستخدام لغة يومية.
ومن شعرا ء هذه الحقبة : هجري ده ده (1877 ـ 1952)، خضر لطفي (1880 ـ 1959)، محمد صادق (1891 ـ 1967)، رشيد عاكف هرمزلي (1896 ـ 1972)، أسعد نائب (1900 ـ 1992)، توفيق جلال أورخان (1905 ـ 1981)، ناظم رفيق قوجاق (1908 ـ 1962)، علي صائب (1889ـ 1985)، جلال رضا أفندي (1904 ـ 1981)، رشيد علي داقوقلو (1918 ـ 1975)، محمد خطيب اوغلو (1910 ـ 1968)، رشيد كاظم (1914 ـ 1983)، عثمان مظلوم (1924 ـ) حسن كوره م (1924)، علي معروف اوغلو وغيرهم.
ان القيمة التاريخية التي تمثلها هذه المدرسة دفعت روادها إلى التصدي لحركات التجديد في الشعر التركماني.
. ورغم التقليدية التي تمتاز بها النصوص الشعرية لرواد هذه المدرسة، إلا أن الانتماء إلى الوطن كان هما مشتركا و تأكيدا للذات. كما في هذا النص للشاعر هجري ده ده (1877 (1952-:
وطني فردوس، والغربة جحيم
لن أبيع فردوسي بنيران الجحيم
أباهى بلغتي الدنى
لن أغير ردائي بألف رداء من الأطلس الزاهي
كل(خوريات) عندي مثل أنغام داود
كل قافية فيه بمثابة كوكب عشتار.
كلمة (خوريات) الواردة في النص، نمط شعري مؤلف من أربع اشطر و سبعة مقاطع صوتية وفق حساب التهجي،موزون و مقفى، ويتسم بالوحدة العضوية يعتمد على الجناس،و يعالج موضوعات حياتية. يولع بقوله معظم التركمان الشاعر منهم و الأمي،. وهو نمط خاص بالتركمان في العراق ينكبون عليه تأليفا و إنشادا من خلال مقامات مختلفة.
لعل إيراد هذا النموذج للمطرب أكرم طوزلو، يكشف مدى قدرة (الخوريات) على الامتداد في كل الهموم الحياتية. في النموذج التالي ثمة سخرية حادة، من مشروع إيصال نهر (العظيم) المستمر منذ أربعة عقود دون نتيجة إلى نهر (خاصه) الجاف صيفا الذي يمر من وسط مدينة كركوك:
ارفع رأسك
وانظر صوب الـ (خاصه)
بلغت المياه كل مكان
لم لا ينساب في الـ (خاصه) ؟
ارفع راسك
وانظر إلى الـ (خاصه)
وصل الصاروخ إلى القمر
ولم يبلغ النهر الـ (خاصه) بعد !
شعراء الهجا
للشعر التركماني أوزانه الخاصة و التي تطلق عليه اسم أوزان (الهجا) وهي العروض القومية للتركمان و التي استبدلت بأوزان العروض العربية بعد دخول التركمان للإسلام. لكنها استعادت مكانتها مع الزمن.و المعروف أن (مسلة اورخون) و كتاب (ديوان لغات الترك) لمحمود الكشغري اعتمدا على هذا الوزن. وثمة قائمة طويلة من الشعراء الذين يعالجون مواضيع تقليدية و معاصرة في نصوصهم الشعرية اعتمادا على هذا الوزن و منهم : مصطفى كمال أحمد، علي معروف اوغلو، محمد عزت خطاط عزالدين عبدي البياتي، فاروق كوبرلو، رضا جولاق، حسن كوثر، حسام حسرت، اسعد أربيل، فاروق كوبرلو، مصطفى ضياء، صلاح نورس، إسماعيل سرت توركمن،،سيف الدين بير اوجي.. وغيرهم
في قصيدة (و أسفاه) يخط توفيق جلال اورخان (1905 ـ 1981، أربيل) الطابع التقليدي لبعض نصوص هذا التيار :
افتح صفحات من دفتر العمر
ما أتعسني.. أشفق على ذاتي
لا بيت يأويني
ما دمت قادرا على المسير
لتكن القصور لكم
لا تهتموا بظمئي
استمروا في تناول الشمبانيا
لتكن هذه الحياة لكم
تكفيني الدموع في المآقي
اشربوا هنيئا مريئا في هذا العالم
فقط قولوا لنا الوداع
حينما نكون على حافة الموت !
و في ذات الغاية الشعرية يحدد سعيد بسيم دميرجي (1902 ـ 1956 كركوك) همه في نصه الشعري :
اقبل الخريف، فتساقطت أوراقي
سقطت الحرائق على أغصاني
من غضبي صرت بركانا
احرق لهيبي كل مكان
ليته أحرقك أنت
أيها الوحش..!
الشعر الشعبي
شعراء الشعر الشعبي يتخذون اللغة اليومية أساسا لبناء القصائد، التي تمتاز بالبساطة والوضوح وبالروح الانتقادية لظواهر اجتماعية أو سياسية مدانة، وتنحو أحيانا منحى الأداء الملحمي الذي يخلد عادات وتقاليد تراثية في قصائد تعليمية ويمثل هذه المدرسة : مصطفى كوك قايا، ناصح بزركان، حسين علي مبارك، محمد عزت خطاط، إسماعيل سرت توركمن، وشمس الدين توركمن أوغلو الذي يعتبر دون منازع خليفة مصطفى كوك قايا وغيرهم. أما الوزن الشعري المتبع في هذه المدرسة فهو وزن الهجا المعتمد على المقاطع الصوتية.
في قصيدة (كركوك الجريحة) يقول كوك قايا :
مدينتي كركوك، ألبس السواد
أكابد الجراح في حياتي
الغريب يقول : كركوك مدينتي !
إذن أين مدينتي أنا ؟!
شعراء الحداثة
و مثلما هو الأمر بالنسبة لأية حركة شعرية، فان ثمة صراع في الشعر التركماني أيضا بين الشعراء الذين يصوغون قصائدهم بالقوالب التقليدية، وشعراء يؤمنون بالحداثة و المعاصرة. و قد تمكن شعراء الحداثة والجدة في الشعر التركماني من صنع و إعداد الأسس لرسم القصيدة الجديدة، وخلق كيانها المتميز،وقاوموا ردود الفعل حول القصيدة التركمانية الجديدة.و تمكنوا بذلك من المحافظة على مسيرتها و إغناء تجربتها الإبداعية. كما تمكنوا من رفد القصيدة التركمانية الحديثة بدماء جديدة و تغذيتها بالاتجاهات المعاصرة. وبذلك فان هذه التجارب
أخذت تحمل روح الحداثة بعد أن أمتلك أكثر شعرائها وعيا فكريا و فنيا ناضجا،نتيجة إطلاعهم على الحركة الشعرية العراقية و العربية و العالمية عن كثب.
شرعت جريدة (البشير)* الصادرة في كركوك عام 1958 بنشر قصائد من الشعر الحر للشاعر عبدالخالق البياتي. وقد نشرت الجريدة نصوصه ونصوص غيره تحت اسم (الشعر المنثور). أتاحت دراسة بياتلي في الخارج (تركيا) له فرصة الإطلاع على تجارب الشعراء الأتراك. وقد حملت قصائده القليلة (إلى أمي في كركوك)، (14 تموز)، و(فلسطين) وغيرها سمات التجديد الشعري شكلا ومضمونا، لكنه اختفى من الساحة الشعرية بنفس السرعة التي لمع نجمه في سمائها... استطاعت بعده الشاعرة نسرين أربيل الانطلاق عبر ديوانها (حلم البحر) إلى مديات أوسع من بقية الشعراء. لكنها وبعد سنوات من التألق أثرت الانزواء لفترة تزيد على ربع قرن، وان تكون قد عادت مؤخرا لكتابة الشعر.. وكان يمكن للشاعر صلاح نورس أن يكون أحد فرسان الشعر الحديث إلا أن مراوحته بين الحداثة وبين شعر (الهجا) التقليدي قلل من فرص تواصله الإبداعي في القصيدة الحديثة. أما الشاعر عبداللطيف بندر أوغلو فقد تأثر بحكم انتماءه السياسي بناظم حكمت وحاول محاكاته، و يعتبر أكثر الشعراء التركمان إنتاجا بحكم توليه مديرية الثقافة التركمانية لأكثر من ثلاثة عقود.
أفرز الشعر التركماني أصواتا شعرية حداثوية أكثر اصرارا ممن تقدم ذكرهم، في إكساب هوية معاصرة للشعر التركماني ومن شعراء هذه المرحلة :، قحطان الهرمزي،،د. محمد عمر قازانجي، د.محمد مردان، عصمت اوزجان، نصرت مردان،رمزي جاووش اوغلو، مصطفى ضياء، حمزة حمامجي اوغلو، إسماعيل إبراهيم.د.محمد مردان..وغيرهم
يصر شعراء هذا التيار، على كتابة الشعر بلغة صافية،خالية من التعقيد و الغموض المفتعل و التقليد الفج، والانفتاح على آفاق رحبة جديرة بالانتماء للأصوات الشعرية المسكونة بهاجس الدفاع عن وجودها الحياتي و الشعري معا..
إن الشعر التركماني المعاصر كقضية شعر، يأخذ مداه مع القصائد الإبداعية لشعراء مبدعين أيضا. و ليس صدفة إن جهود الشعراء التركمان المعاصرين هي محاولات مخلصة لتلخيص تطور الشعر التركماني المعاصر.. وهي في الوقت نفسه، محاولة مخلصة لرفع حالة الحصار و الصمت عنه، وهي في الوقت نفسه تؤكد المسافة الطيبة المنجزة شعريا في التجربة الشعرية التركمانية.
إن الشاعر التركماني الذي ينطلق من وعي محدد،يحاول أن يطرح قضية يجند في سبيلها جميع العناصر المتاحة. القصيدة التركمانية مثل أية قصيدة في العالم تحمل دلالاتها و معناها في تأكيد الحداثة و الإدراك باعتبارها دليلا على أصالة الذات الشعرية. وهي أيضا تكشف عن مواقف ورؤى و مبادئ يؤمن بها الشاعر. وبذلك، فالنص الشعري يصبح حجة على الشاعر،وكاشفا عن نواياه و دليلا على مقصده.
الشعر التركماني ولد من خلال المعاناة. وبالمعاناة اخذ ينمو وينضج معانقا التجارب الإنسانية الثرة. وهي معاناة تجلب مضامينها باستمرار من خلال قدرته على اكتناز معان إنسانية ناضجة، موجها أنظاره إلى حافات العالم الأربع
و بصدور بيان شعري عن جماعة (شفق)الشعرية عام 1990.من قبل الشعراء : عصمت اوزجان، محمد عمر قازانجي و نصرت مردان،فان شعراء هذا التيار الشعري دشنوا آراءهم الشعرية بضرورة عدم الانزلاق في التجريب إلى متاهات بعيدة بل حرصوا على الارتباط بنسغ الشعر وروحه الحقيقية.
اليوم لا يزال الشعراء التركمان،ينشدون الشعر مثلما كانوا قبل مئات الأعوام،وسيظلون كذلك إلى أن تقوم الساعة.
نصوص شعرية
بغداد
هجري ده ده (1877 ـ 1952)
بغداد قمة الحسن وزهوة الكون
زهرة الكبرياء، وقلب السماء
بغداد، كاسرة الأغلال دوما
ومأوى الجيش المظفر
بغداد الحق، هي الزوراء
ودار السلام، وفيحاء الفردوس
بغداد، درة العروش ومجد الآتي والتليد
(الكاظمين الغيظ) سمات أهله منذ الأزل
بغداد، نبع الحياة والخلود للموتى
في نهره العطايا والمنايا والحياة
بغداد، فردوس الحضارات، وزهرة المدن
روضة التاريخ وملاذ المستجير في المحن
من ذا الذي لا يهيم بها عشقا كالمجنون
مادامت هي (ليلى) في صحراء الهيام ؟
دجلة
أسعد نائب (1900 ـ 1992)
في موسم مسرتك العبقة
صيفا وشتاءا
يغازل الربيع صدرك المتموج
يغدو انسيابك قريبا من الروح يا دجلة
تسحبنا أماسيك الساحرة
إلى الشاطىء في كل غروب
تتجمع الصبايا وتتسابق
القوارب في أحضانك يا دجلة
كانت ثمة حورية تزف العشاق كل يوم
لم يكن ما نشربه خمرا بل حبا
عشقها كان يسكرنا
نظراتك أيضا كانت سكرى يا دجلة
حلم
حسن كوره م (1924 ـ 1995)
شاهدتني في الحلم في رحلة
وصلت عالما لا أثر فيه للحزن
وجدت أناسا في صفاء ونشوة
لم يسحق الحزن أيا منهم
كانت بيوتهم من زجاج وطرقاتهم من بلور
ستائر بيوتهم من الأزهار
سالت فما وجدت للجهل مكانا بينهم
يعمل الجميع للعلم والفن
الكل يفكر في الآخر
سألت عن الظلم، لم يعرفه احد
علمت ان لامكان للشر هنا
لنكن نحن أيضا في جدهم
كي لا نقهر ونسقط في بحر الذل
من لا يتعظ بهمومه الماضية
لا ينال بغيته
لكل شيء عالم غير مرئي
ما الذي أوقعنا في نفس الداء ألف مرة ومرة ؟
سيتحقق حلمك حتما يا ((كوره م))
في يوم ما سيشفى القلب
من ألف داء وداء
رباعية
عثمان مظلوم (1922 ـ 1995)
ليحترق إلى يوم القيامة موجد النقود
أفلاطون بلا مال لا يساوي شيئا
لو كان ثمن التحية فلسا واحدا
لما عثرت من بين ألف من يحيي صاحبه.
الربيع في وطني
فلك أوغلو (1929 ـ 2002)
في موسم الربيع حيث الأزهار في كل مكان
ليتني أكون النسيم الذي يهب على الوطن
عندما يطير الوز وطائر التمة
ليتني أكون بحيرة عميقة متوجة
عندما تخرج حبيبتي للنزهة
ليتني أكون سهولا مزدانة بالمروج والأعشاب
عندما يعبث نسيم البحر بضفائر حبيبتي
ليتني أكون الأوتار التي تداعب جيدها
((فلك اوغلو)) يقول : عندما يحل المساء
وتقتحم حبيبة الروح خيالي
وتضع وسادة تحت رأسها لتنام
ليتني أكون اليدان المطوقتان لجيدها.
سألت فقال
علي معروف أوغلو (1927)
سألت المعدم عن حزنه
قال : أنا سابل ودوائي خيال
سألت العاشق عن نار الحب
قال :أنعش من الماء،وأبهج من الربيع
سألت الأستاذ عن السكير
قال :قزم يرى نفسه ماردا
ما السعادة ؟قال : طائر عنقاء
ذو ألف جناح،فر من قفصه
ما الدنيا إلا وجه مرائي
له قلب وحش ووجه ملاك
سألت عن المقدام فتغير صوته :
انه كالخضر يغيث المكروب!
الريح العاتية
د. عبدالخالق البياتي (1930)
هبت عاتية بغتة في غير موسمها
أنطفأ القنديل الذي كان يضيء عوالمي
غصت في الدياجير
تحطمت الجرة التي ورثتها عن أجدادي
في غير أوانها
ظمأت..فلا من حولي
النبع بعيد..النبع بعيد
علي الرحيل إلى البقاع النائية..النائية
في جبيني أورام
وفي صدري جرح عميق
ليس لي صاحب
فأنا حائر وكركوك حائرة
لقد وارى الثرى الأسود
أجساد الشباب الأبطال
منسيون
نسرين أربيل (1934)
منسيون نحن في قطرة دمع
في هذا القفص الضيق.
أكتافنا محملة بالرصاص
أحرار نحن : نعيش أسرى
في سجوننا.
منسيون نحن في قطرة دمع
لم يبق من يسألنا عن الأسباب
منسيون نحن في أغنية لم تنته
مدانة كل قصص الحب
ثمة ظل يفصل بيننا
بعيون كاذبة توسلنا ببعضنا
ملاحمنا تنتظر من يكتبها
منسيون نحن في جرح لم يضمد
لا شيء غير البكاء على شواهد
قبورنا.
الوطن
عبداللطيف بندر أوغلو (1937)
ستأخذني غفوة
وأنا أعود يا وطني
يا بغداد
يا كركوك
ياطوز*
وربما سيوقظني شخص ما
من حلمي السعيد
لكنني سأصيح
يا وطني..يا عراق
أنت أجمل الأشياء !
الخروج من الجنة رغبة
قحطان الهرمزي (1936)
تسلقت نهود الغجريات
أين اتجاهي ؟
الجرة العذراء
لا تحتوي رغباتي
ظمئت إلى قدح
طلبت ماء
رفضت الشفاه العاهرة
قمة مقاومة
تواجه شعوري بالهجوم
عيونها العسلية تحاصرني
لماذا تعود مشاعري البوذية
المهزومة في كل الحروب
إلى أعماقي
في كل آن ؟
مشاعري
ليست
رسول نفسي
غادرت عالم المحبة
حقائبي مليئة بالرغبات المهزومة
في ذاكرتي حمامات
دم شتى
أين طريقي
اجهل أين اتجه ؟
(2)
طيور أمسيات الأربعاء البيضاء
تطارد في شهر كانون أيامي المحطمة
فوق منارة (داقوق)
تحط الطيور
وتطير
لا يهمني ذلك البته
ولا يهمني هذا النشيد المفرط
في العواطف
هل تنام أشجار الصفصاف
أم تتجول، لا أعرف ؟
لماذا لا يعود جاري
إلى عشه
الذي غادره قبل مائة عام ؟
لماذا لا يمتد الزمن إلى مواسم العشق ؟
ولم لا يختصر عمر الأحزان ؟
أين هو ذاك الذي كان في كل مكان
من يدري؟
العزلة
صلاح نورس (1941)
ما أجمل لوحة الطبيعة
حين ترسم ألسنة اللهب الصاعدة
في حقول باباكركر*
خيالا قانيا في الأفق !
كان المنظر يوميء
إلى آلهة الرحمة عند الإغريق
وحين تقرع أجراس الكنائس
في حزن
داخل تلكم القلوب المؤمنة
التي تضمر الهموم والحسرات
حينها أدرك أنني وحيد
في الريح العاتية
كل عام وأنت بخير يا كركوك
محمد مردان (1940)
الليلة يرفع الجميع نخبك
حينما تودع الساعة
منتصف الليل
مدي يديك
واحضني أولادك
حذرينا من
أمواج بلا قرار
من الطاعون الذي يحاصرنا
أشعلي شمعا بلا حساب
نهر"خاصه " يمتد بلا ضفاف
أحجاره تحلم بأصابع الماء
في الصحو
أينما توجهت فأنت هناك
في الشرق
في الغرب
في الشمال
في الجنوب
تلتمع عيناك
في الجهة الخامسة
يؤمن العشاق
إن فراق الحبيب
هو رديف الموت
الموت في أحضانك
حياة دائمة
صدقيني يا كركوك !
الأصباغ الملونة
رمزي جاووش (1945)
لو اشترى لي أبي
أصباغا ملونة
سأرسم أولا بيتا صغيرا
سيكون للبيت
شباك مفتوح
سأزرع في مقدمته
أشجارا خضراء
سيكون في البيت
ورود وزهور
تضطجع خلفه
جبال متراصة
خلاف التلال
ستكون هناك
شمس
سأرسم
مدينة
حيا
وطنا
سيكون لشعاع وطني
ألوانا زاهية
وسماء ذات غيوم سخية.
النهر الجاف
محمد عمر قازانجي (1952)
جميل أن أكون نهرا
أن لا أكون شيئا آخر
جميل أن أكون نهرا
كف عن الجريان
جف
تخلص
من تحمل ألام الطرق والمسافات
النصف الآخر عندي والنصف الآخر عندك
محمد عمر قازانجي
شركاء كنا في الحزن
ورفاق للفرح
في النصف الباقي
من الرغيف الحار
والسكر
والملح والماء
كنا نتقاسم المشاعر
وقصص الحب
سوية كنا ننتمي للحب
ونبقى أتقياء من الحقد
معا كنا نهدهد
الآمال
تلك الآمال التي نصفها
عندك والنصف الآخر عندي
كم كنا نفكر بالأجمل.والأفضل !
كانت زنودنا فوق الأماني
تقدمتنا
أحلامنا
موجة اثر موجة
تلك الأحلام التي
نصفها عندك
ونصفها الآخر عندي
قلوبنا مرصوفة بالأغلال
وأيدينا كذلك
تلك الأيدي التي
نصفها عندك
والنصف الآخر عندي
كم من عيد ميلاد
قضيناه في الظلمة ؟!
كم حطبا أحرقنا،دون لهب
في أعياد ميلاد أطفالنا
دون حلوى
أو شراب ؟
كم ثقابا أشعلنا
في وجه الفقر ؟
هدهدنا جوعنا
بالقصائد
لم نهزم
تسلقنا بإصرار
سلم الحياة
ذلك الإصرار الذي
نصفه عندك
والنصف الآخر عندي.
خوريات
فاروق كوبرلو (1953)
تحول قلبي إلى كربلاء
ينهمر الدم من كل مكان فيه
كما الدم
من جثمان الشهيد
فارقت عيني فجأة
مثل حلم سكران
انهمرت من السماء
مثل شذى الربيع
حفرتني مثل ناي
كي تسمع شجوني
ها قد فرغ الكأس
وأقفرت غرفتي
عذب رقادك كركوك
حرابك لا يؤلم يا كركوك
شممت كل العطور
ولم أجد كشذاك يا كركوك !
أناشيد المياه العذبة
إسماعيل إبراهيم (1943)
(1)
تناولت التفاحة الأولى
فحرمتني من الجنة
تناولت الثانية
فحرمتني من الدنيا
لو تناولت الثالثة
فمن ماذا ستحرمني ؟
(2)
ربع قرن
وأنا ابحث
عن أذن الزمن
لأبصق فيه !
(3)
آه يا أخي
قيدوني
مزقوا أحلامي ودموعي
تركوني عاريا من كل شيء
إلا من الحب !
(3)
يبكي صغيري
فأنهض من غفوتي
على بكائه
وينهض الجيران
لا ! هو ليس مريضا
هو مثلي ومثلكم
يخاف من الظلمة.
(4)
في زمن كنت منطلقا وحرا كالرياح
كنت أحلم كل ليلة بفتاة جميلة
تنعكس الغابات على شعرها المسدول
الذي بلون الشمس وأمواج البحر
في كل صباح كنت استيقظ
حزينا..
مرت سنوات
انساب الزمان
احترقت أيامي
انتهت حياتي
عانيت سكرات الموت
صرخت بأعلى صوتي :
الهي، لتكن من أحب
آخر من أرى!
الكأس السابعة
حمزة حمامجي أوغلو (1945)
في الكأس الأولى :
أود أن أكون
سائقا مشاكسا يترك
يترك ركابه في نصف الطريق
في الكأس الثانية :
أود أن أكون فراشة بيضاء
وأحط على حلمتي نهديك الورديتين.
في الكأس الثالثة :
أود أن أكون باقة نرجس
يشمها أطفال العالم.
في الكأس الرابعة :
أود أن أكون راعيا للنسائم
في الكأس الخامسة :
أود أن أكون شاعرا متمردا
أنصب لكل حزن
ألف كمين.
في الكأس السادسة :
أود أن أكون حارسا ثملا
يطلق السجناء
بعد تقبيلهم من جباههم
في الكأس السابعة :
تجتاح رغبة عاصفة قلبي
التركماني الطبع
أود أن أكون ماردا آثما
تغمر خطاياه الجحيم.
انحيازا للشعب والحب والحرية
حمزة حمامجي أوغلو
ولدت صديقا الرياح
أليف الأمطار
ولربما بسبب من هذا
سقفي مثقوب
وجدراني متصدعة.
مع ذلك
كل صباح عندما أرفع يدي محييا شروق الشمس
يمر طغاة العالم، متلبسين، من ظلي
وهم يخفون تقزمهم تحت معاطفهم العريضة
السكرة المقدسة للحياة العارية
تأبى مغادرتي
ضحكة السماء الزرقاء أرغمتني على
النفور من كل أنواع القبعات
المداعبة الخضراء للأعشاب الطرية
علمتني التنزه حافيا
أما الجمال
فقد عودني على أكثر العادات غموضا
وابتلاء
وإدمانا :
الحياة حبا
ليس سهلا،
مولاي، اى أنحاز إلى الحب
إلى الحرية
إلى خمر الشعب وأغانيه
أنحاز إلى كهوف التحدي
أنادم الطيور
شماتة بالزواحف
إذا ما غدا العبيد عبيدا للعبيد
أشتري الحلم وأبيعه
أخلط الشعر بالشعر
واجعل الحب مقلاعا
أرجم به الموت فوق الأرصفة
ما دامت مرتعا للشمس.
اللعنة
عصمت أوزجان (1946 ـ 1994)
جعلت
لعنتي
سهما في قوس
أطلقتها
مع آهاتي
في وجه السماء
لعلها تكوي
روح الغيوم
فتهطل على جمرة
قلبي، السيول.
أغنية متوحشة
عصمت أوزجان
حبة الرمان
قطرة الدم
واللحن الجديد لهذا العصر
ينشد على أصول المقام الوحشي
العازفون
من أوركسترا الإرهاب!
حب حتى نهاية المطاف
نصرت مردان (1948)
أحب يديك
وأعلم أنهما
ستشيخان في يوم ما
أحب عينيك
واعلم أنهما
ستنغلقان في يوم ما
أحب الطيور
واعلم أنها ستقع
في الشباك في يوم ما
أحب الكتاب
واعلم أنه
سيدان في يوم ما
أحب الحب
واعلم أنه
سيرجم في يوم ما
أحب الشعر
واعلم أنه
سيدينني بالموت في يوم ما
أحب النهر
واعلم انه
سيجف في يوم ما
أحي مدينتي
وأعلم أنها ستقوم
بالإبلاغ عني في يوم ما !
اتركوا قلبي فهو يعرف طريق الحانة !
نصرت مردان
ارجموني على جدرانكم التي تحميها السلطة
اسحبوا من فمي كل الكلمات بالبنادق
فأنا حصان يهوى الجري في الأرحام الندية
وفي نخاع الأشياء !
دعوني بحارا بعيدا عن الموانيء
التي تحرسها الشرطة
أشم النوارس وآباط ألهات البحر
دعوني غزالا يكتب ميلاده
فوق الغابات وعلى
الأشجار الهاربة من الاعتقال
دعوني مسجونا في طفولتي
أسم البيوت في الشوارع
واحلم ببنات الجيران فوق سروالي
لا تعلموني حكم الأحزاب
وحفظ خطب القادة
دعوني أغني حريتي بصوتي!
الطريق الجديد
فردوس كركوكلي (1957)
في منخفضاته يمر ألم المواسم
تصطف أسرار العواصف في سمائه
في الأنفاس اللافحة عند الابتسام
سيشرب تراب الأرض الذابلة مطرا قانيا
أياد مجهولة ستبدد آثار الظلام
في شوقها اللامتناهي يبتدىء
طريقنا الجديد
قنديل يقبل القسمة على مرارة البهجة
منور ملا حسون (1953)
نفحات حروف مبهمة
تلملمها يراع شاعر مهووس
تلك الومضة من مخاضها اللذيذ
**
عندما تدمع عيون الورد
ترتجف الأهداب
مستجدية قاطف الورد
أن تكون تعويذة الشاعر
هي الرجفة الآتية في نزف جراحها
**
قنديل مكسور
يغدو في قلب الشاعر قيثارة
تنشد لمواسم الصبا المنسية
شطحات عشق اخضر
خط الزمان ذبوله
بجروح فاغرة
في ارتعاشات اللهفة
**
هاهنا قلب مطعون
وهمهمات أنين، في عينين عسليتين
شوش النزف رؤاهما الخائفة.
**
وتحت شجرة الزيتون هناك
تجلس طفلة شقراء مكتئبة
تندب دميتها الصماء في لحظة انتحار
وتفكر بتداعيات شقراء :
لأن الشاعر لا يعتق الحياة
لذا يلملم بقاياه المتناثرة
على ريش الرياح
ويبارك صمتها بجراح صاخبة.
هوامش
•- طوز: قضاء طوزخورماتو، يقع جنوبي شرقي كركوك ويبعد عنها 88كم.
•داقوق : بلدة تركمانية تقع بين طوزخورماتو وكركوكوك. تبعد عن الثانية أربعين كم.
•باباكركر : حقوق النفط بكركوك التي تشتهر بنيرانها الأزلية.
* يذكر الأستاذ عطا ترزي باشي، في كتابه الهام.(تاريخ الطباعة والصحافة في كركوك 1879 ـ 1985)،أن مطبعة(ولايت) هي أول مطبعة دخلت كركوك عام 1879، وأن جريدة (حوادث) هي أول جريدة تركمانية صدرت في كركوك في 24 شباط 1911،أصدرها أحمد قدسي زاده الذي يعتبر رائد الصحافة التركمانية في العراق.كما صدرت في كركوك مجلة (معارف) النصف الشهرية باللغة التركمانية في 24 نيسان 1913. وكانت مجلة أدبية ثقافية،أشرف على تحريرها أحمد مدني قدسي زاده.ومجلة (كوكب المعارف) في 1915،وكانت مجلة تعني بالأدب والثقافة، بإشراف الشاعر عرفي وساهم في تحريرها نخبة من الكتاب والمثقفين.
احتل الإنكليز كركوك في 9 تشرين الثاني 1918.وقد أصدرت القوات المحتلة صحيفة (نجمة) التي ورد في عددها الأول بأنها صحيفة رسمية،وكانت بمثابة صحيفة سياسية موالية لسياسة الاحتلال البريطاني.صدر عددها الأول في 15/12/1918 صدرت باللغة العربية أولا ثم أصبحت تصدر باللغة التركمانية.وقد قاطع أهالي المدينة هذه الجريدة.التي صدر 241 عددا منها بانتظام.وقد بدأت بعد العدد 242 بالصدور ثلاث مرات اسبوعيا ولمدة ثماني سنوات حتى 15/10/1926.حيث تم تغيير اسمها بعد هذا التاريخ إلى (كركوك). خلال دراسة الأستاذ ترزي باشي للصحف المهمة في هذه الفترة،يؤكد أن جريدة كركوك،هي أطول الصحف الصادرة باللغتين العربية والتركمانية عمرا،والتي استمرت بالصدور لمدة 46 عاما حتى توقفت عن الصدور في 20/8/1972 بناء على أمر صادر من رئاسة الجمهورية.ولم تسفر المراجعات حول إعادة صدورها عن أية نتيجة.
وعن جريدة (آفاق) يذكر الأستاذ ترزي باشي،أنها جريدة صدرت باللغتين العربية والتركمانية.صدر عددها الأول في 8 مايس 1954.وواصلت صدورها حتى العدد 202 الصادر في 8 مايس 1959.صاحب الامتياز شاكر الهرمزي،وكان مسؤول القسم العربي نجله سعاد الهرمزي (المذيع المعروف).
وتعتبر جريدة (بشير ـ البشير)،أول جريدة اسبوعية صدرت في كركوك باللغتين العربية والتركمانية بعد إعلان الجمهورية،والتي اهتمت بالشؤون الثقافية والاجتماعية، وبالحقوق الثقافية للتركمان..صدر عددها الأول في 23 أيلول/سبتمبر 1958،وعددها الأخير في 17 آذار/مارس 1959.
كما ساهمت مجلة (الإخاء ـ قارداشلق) التي صدرت عن (نادي الإخاء التركماني) ببغداد في مايس 1961 واستمرت بالصدور حتى عام 1990 في ازدهار الثقافة التركمانية، وأسهمت في إكساب الثقافة التركمانية أصوانا شعرية رائدة مثل : نسرين أربيل، صلاح نورس وعشرات آخرين. كما ساهمت بذلك أيضا جريدة (يورد ـ الوطن) التي استمرت بالصدور باللغة التركمانية منذ 1970 وحتى 2003.
حاليا تصدر في أربيل جريدة (توركمن ايلي) باللغتين العربية والتركمانية، وجريدة (كركوك) التي تعتبر أول جريدة يصدرها التركمان في كركوك بعد تحرير العراق، كما عادت مجلة (قارداشلق ـ الإخاء) إلى الصدور من قبل نادي الإخاء التركماني ببغداد.
التعليقات