ردود مجلس الشعب السوري على حديث خدام
انهارت السياسة ...لم يتبق غير جهاز الأمن
ان يجتمع مجلس الشعب السوري ولا يجد رداً على ما اطلقه عبد الحليم خدام في حق القيادة السورية من اتهامات وما اورده من وقائع، انسب من اتهامه بالفساد، والمطالبة بشطب لقب السيد الذي يسبق التلفظ باسمه، يكاد يبدو لمن يتابع الاوضاع السورية عن كثب مثابة المزحة الثقيلة. فلم يستطع نائب سوري واحد ان يرد سياسياً على اتهامات سياسية طاولت القيادة والرئيس نفسه في حنكته وقدرته على ضبط الامور وقراءة المستجدات. مثلما لم يستطع نائب واحد ان ينفي او يدحض ما ادعاه الرجل في موضوع تهديد رئيس الوزؤاء السابق رفيق الحريري من قبل الرئيس نفسه. بل اكتفوا بضم شهادة نائب الرئيس السوري إلى الملف السوري المعروف في ما يتعلق بادعاء تسييس التحقيق الدولي الذي قاده الألماني ديتليف ميليس في جريمة اغتيال رفيق الحريري.
نحن إذاً امام انهيار نصف المبنى السوري تقريباً. لم يعد ثمة الكثير مما يمكن ان يقال في مسألة وجود سياسة سورية فاعلة. حديث نائب الرئيس السابق دفن السياسة السورية الفاعلة من قبل ان تحبو اصلاً. سوريا لن ترد سياسياً على الأرجح لأن الاتهامات التي سيقت في حق قادتها ستطبع اي نشاط سياسي، ومع فجر اليوم الاول من العالم الجديد اصبح على السياسة السورية ان تبرر وترافع عن نفسها، وبهذه الشهادة انتقلت سوريا والمدافعون عنها من خانة من يطالب الآخرين بإثبات تورطها إلى خانة مطالبة القيادة السورية اليوم بإثبات براءتها.
صبيحة غرة كانون الثاني من العام 2006 لن يستطيع محمد رعد نائب حزب الله في البرلمان اللبناني او وئام وهاب وزير حكومة عمر كرامي السابقة الموالي لسوريا ان يقول: اثبتوا لنا ان سوريا متورطة، للحديث بعد هذا اليوم منحى آخر سيتخذ حكماً. سوريا اليوم متهمة وعلى قيادتها ان تثبت براءتها من التهمة الموجهة إليها. والمتهمون عادة اميل إلى الصمت لأن كل كلام يقولونه قد يورطهم اكثر فأكثر. ثانياً يجدر الانتباه في هذه الردود إلى التركيز على الحيز الذي اخذته عبارة المؤامرة على سوريا. والثابت ان كلام نائب الرئيس ما كان ليصبح معلناً ومنتشراً لو لم يساعد على استصداره عدد من الدوائر السياسية الاقليمية والدولية. في هذا المجال ايضاً يجب الانتباه إلى فداحة الحجة السورية الرسمية التي تقول ان اللبنانيين يحيكون المؤامرات على القيادة السورية وان حفنة من اللبنانيين يريدون الإضرار بالعلاقات اللبنانية السورية.
فحديث ابو جمال إلى العربية ما كان ليبصر النور دفاعاً عن لبنان فقط وحزناً على ما جرى لصديقه العزيز رفيق الحريري. هذه بعض الأسباب، لكن القابلة التي انجبت هذا الحديث المتلفز ليست اقل مستوى من دوائر عليا في دول متعددة عربية واجنبية. وهذا يضرب مقومين اساسيين في حجج سوريا وحلفائها في لبنان دأبوا على الاستقواء بهما في الأسابيع الاخيرة. ثمة المبادرة العربية التي اعترض عليها التيار المطالب بكشف حقيقة اغتيال رفيق الحريري، والتي يستند إليها السوريون وحلفاؤهم في الحديث عن تنصل من العروبة ومقوماتها من قبل تيار 14 آذار في لبنان. هذه المرة ليس الأمر على هذا القدر من التبسيط. المتحدث نفسه ليس بائع سمسمية ولا حتى ناشط في حضور جنازات الذين يتم اغتيالهم في بيروت مثل هسام هسام. المتحدث هذه المرة صاحب باع طويل في الدفاع عن موقع سوريا الإقليمي ودورها واحد صناع هذا الدور بامتياز, والوضع نفسه ينطبق على الوسيلة التي تحدث المسؤول السوري عبرها والأسباب التي دعته إلى تفجير هذه الصاعقة في هذا الوقت بالذات. هذه المرة لم يحسن النواب الحديث عن المؤامرة على سوريا ولا حتى الاستخفاف بالمتحدث على جاري عادتهم وهم يخاطبون اللبنانيين بلهجة الازدراء التي تمنع القادة السوريين عن رؤية ما يجري فعلاً.
قضائياً، أيضاً، ثمة لهذه الصاعقة تأثيرات بالغة على مجرى التحقيق ايضاً. والحال فإن اي تحقيق مهني، غير مسيس، سيجد نفسه ملزماً بطلب إفادة الرئيس السوري نفسه فضلاً عن نائبه السابق. هذه المرة لا ينقل الكلام عن فلان عن فلان عن فلان، ثمة حديث جرى بين خدام والرئيس السوري في مسألة التهديد وهذه قرينة من قرائن التحقيق لا يستهان بها. الردود السورية التي صدرت عن مجلس الشعب توحي ان المبنى متصدع فعلاً، وان احداً من النواب لم يستطع ان يرد الحجة بحجة، من دون ان يدين النظام برمته، في ماضيه، وفي حاضره الذي ليس إلا جزءاً من ارشيف ماضيه. وقد ركز السيد خدام في مقابلته على هذا التبدل في المحيط الإقليمي الذي كان يستوجب سياسة سورية متجددة للتعامل مع الوقائع المستجدة. لكن القيادة الحالية على ما يقول السيد خدام آثرت حكم سوريا من ارشيف السبعينات. ومعنى حكم سوريا من أرشيف السبعينات، عودة إلى الوضع المتوتر في كل مكان من المنطقة والتحضير للمعارك الكبرى على مستوى المنطقة برمتها، مما يسمح باستخدام سلاح الأمن بفاعلية ومن دون ان ينجم عن استخدامه تبعات خطيرة على المستويين السياسي والقضائي.
والأرجح ان ما يشير إليه السيد خدام شهد اول فصوله للمراقب الفطن منذ الطلقة الأولى التي اطلقت ضد القوات الأميركية في العراق، حيث ادينت قضائياً وسياسياً منذ اللحظة الأولى، ولم ينبر احد للدفاع عن شرعيتها السياسية، إلا اصحابها. لكن الإدارة السورية آثرت السير في هذه الطريق، بحسب قول السيد خدام، والتي جعلت سوريا في مركز العاصفة. الردود السورية كانت تشبه إلى حد بعيد ما يمكن اعتباره نعي السياسة السورية التي لم يبق لها غير الأمن تناور فيه. والحق ان ذلك متيسر إلى حين. لكن وقائع الهجوم السوري المعاكس في لبنان لا تستقيم بالأمن وحده، وإذا لم تستند إلى شرعية سياسية من نوع ما لن تستطيع سوريا الصمود كثيراً في مثل هذا الهجوم.
التعليقات