تحت عنوان quot;العهد الجديدquot; بدأت حملة الإبتزاز السياسي للتشكيلة الحكومية المرتقبة . صدحت حناجر النواب وأقطاب القوى السياسية محددة السقف المطلوب للإختيارات في مقابل التحذيرات الضمنية بعدم التعاون. سمعنا عن quot;شروطquot; مبطنة، قرأنا عن quot;تمنياتquot; بأن يكون الوزراء من هذا التوجه أو ذاك، توقفنا عند حصص التمثيل للقبائل والطوائف، لفتتنا مطالب استكمال تطبيق الشريعة وأخرى تدعو إلى إنفتاح سريع في كل المجالات، أخذتنا أفكار الليبيراليين والإسلاميين والقبليين والطائفيين والمذهبيين والمناطقيين إلى تشكيلات مختلفة حتى خلنا أن الحكومة ، وبمنطق quot;العهد الجديدquot;، ستتبلور أو تتشكل حسب إتفاق هذه القوى أو إختلافها.
بادىء ذي بدء لا بد من التوضيح أن أي عهد في الكويت يخرج من رحم العهد الذي سبقه، هو إمتداد له لكنه يتعاطى بطرق مختلفة في التفاصيل التي تفرضها طبيعة المرحلة ومنطق التطوير والمواكبة، فالنظام مستقر وسلسلة واحدة من المحطات يتسلم فيها الراية أمين من أمين.
تجديد العهد، إذن، أمر طبيعي تلقائي فرضه العقد الدائم بين الكويتيين وحكامهم ولا منة لأحد فيه ولا جميل. أما حديث الإصلاح فهو حديث دائم في كل وقت وكل مرحلة، أما مادام هناك من ينظر إليه من موقع المساومة، فلا بد من كلمة أو بالأحرى من كلام.
الجميع يتفق على أن التطوير الشامل للنظام السياسي تسبقه خطوات إصلاحية تدريجية، والجميع يتفق على أن الإستحقاق الدستوري الذي مرت به الكويت بعد رحيل المغفور له الشيخ جابر الأحمد كان أحد أكبر إمتحانات تجربتها السياسية واحد أوسع النقاط المضيئة في ترسيخ دولة المؤسسات والقانون. إن ما جرى على صعيد الإنتقال السلس للسلطة وكان موضع إعجاب العالم ومصدر ثقة متزايدة لدينا جدير بأن يكون المدخل الأساس للخطوات الإصلاحية المطلوبة، فالإحتكام للقانون والدستور على أعلى المستويات مكسب شعبي قبل أن يكون مكسباً للسياسة أو السلطة أو الحكم، وإسقاط التجربة على كل المستويات المتعلقة بالكويت والكويتيين يرسخ هذا المكسب ويجعله برنامج عمل ، أما التراجع عنه لمصلحة تسويات ظرفية وسياسية ومصلحية فله إنعكاسات في غاية السوء على التجربة السياسية نفسها .
نبدأ الحديث عن الإصلاح والتجديد من هنا، لا مما يريده نواب وقبائل ورموز مناطق وطوائف وتيارات سياسية، أي من إحترام القانون والدستور لا من سياسات quot;عدم الممانعةquot; على كل المستويات. وبما أن التطوير الشامل للنظام السياسي بدءاً من تطوير النظام الإنتخابي أمر لم يحصل وقد لا يحصل في القريب العاجل، وبما أن وظيفة النواب المنتخبين ndash; جميع النواب المنتخبين- على قاعدة الفردية صارت تخليص معاملات أبناء الدائرة أكثر من التشريع، وتحصين المكاسب الشخصية أو تلك التي تعود لتكتلاتهم أكثر من الرقابة، وبما أن سقف الإنتماء القبلي والمناطقي والطائفي ما زال العامل الرئيسي في حسم خيارات الناخبين، لا بد من أن نتوجه إلى الحكومة المقبلة التي هي أداة النظام في إدارة البلد بدعوة صريحة إنطلاقا من التجربة التي عشناها، وهي أن تبدأ الإصلاح الحقيقي بتطبيق مبدأ فصل السلطات تطبيقا فعلياً لا لفظياً.
الحكومة ، أداة النظام التنفيذية في إدارة البلد، عليها قبل غيرها أن تستفيد من درس إنتقال السلطة إستناداً إلى الدستور والقوانين، وتتشدد في تطبيق مبدأ فصل السلطات مهما كانت التحديات والتهديدات بالسؤال والإستجواب والندوات الشعبية، مدخلاً إلى كسر الحلقة المقيتة التي حكمت حتى الآن آلية التعامل بين السلطتين وعطلت عشرات المشاريع المنتجة والمفيدة.
الحكومة، أداة النظام التنفيذية في إدارة البلد، يجب أن تكون حكومة القرار الحر الذي لا يضع نصب عينيه سوى مصلحة الكويت والكويتيين. وإذا قال رئيسها المرتقب أو وزراؤها إن حرية الكلمة والموقف حق مكفول للجميع نواباً وتيارات فهذا لا يعني أن حرية الإبتزاز لتعطيل القرار حق مكفول لأحد، فالسلطة التنفيذية هي السلطة التنفيذية والتشريعية هي التشريعية والقضائية هي القضائية... وما دامت هناك آذان تطرب لكل إيقاعات التدخل والتداخل فالأفواه لن تستريح.
هل هذه دعوة للضيق والتضييق؟ معاذ الله أن تكون كذلك، ولا يمكن أن يصدر مثل ذلك الأمر من منبر إعلامي لا يستطيع الحياة أساساً من دون حريات وآفاق رحبة، إنما هي دعوة لإستعادة مبدأ فصل السلطات تمهيداً لإستعادة المبادرة الكاملة على طريق التطوير والتحديث... هي دعوة لأن نثبت للعالم الذي تباهى بديموقراطيتنا أننا جديرون بها.
جاسم بودي
رئيس تحرير جريدة quot;الرأي العامquot; الكويتية
التعليقات