امبراطورة في السجن
هل تعود رنا قليلات إلى سجنها اللبناني؟
بلال خبيزمن بيروت :في سجن رومية عاشت رنا قليلات عيشة مرفهة. كانت تغدق بأموالها على السجينات. واشترت جهاز تلفزيون لكل سجينة منهن، وكانت تدفع ثمن تذاكر السفر للخادمات الاجنبيات العاجزات عن تأمين المبلغ. فضلاً عن ذلك كانت تأكل ما يطيب لها وترتدي ما يحلو لها. وفي سجنها برومية تعرفت على انيت العماد من بلدة دير الأحمر، والتي كانت معتقلة بتهمة حيازة المخدرات. وثقت قليلات علاقتها بالعماد وتعرفت إلى اخيها طوني الذي كان يزور اخته في السجن ووثقت علاقتها به ايضاً. وعدت قليلات انيت العماد بتوظيفها لديها كطاهية بمرتب يبلغ 500 دولار، ووافقت السجينة على ذلك. لكنها عادت وصرحت انها تركت خدمة مخدومتها بعد هروب قليلات من لبنان، بسبب انها كانت قد وعدتها براتب شهري اكبر بكثير مما كانت تدفعه لها. لكن السجينة العماد كانت على علاقة طيبة معها في السجن وكانت تعتني بها وتدلكها حين تحتاج السيدة المرفهة إلى تدليك. والحق ان اخبار السيدة قليلات في السجن كانت اغرب من الخيال، إذ احتفلت بعيد ميلادها في السجن بحضور لفيف من المعارف، وقام طوني العماد بتأمين الحلويات وقالب الحلوى من المؤسسة التي كان يعمل فيها. وكانت على ما يروى تخطر بأثوابها الغالية في باحة السجن، وفي إحدى المرات صرحت انها تلبس ثوباً قيمته 12 ألف دولار وهي تتمشى في باحة السجن.
اكثر من ذلك، ذات مرة عانت السيدة قليلات من التهاب في وركها، بحسب تقارير اطباء السجن، فتقلت إلى المستشفى ووضعت في غرفة العناية الفائقة. ذلك ان السيدة قليلات على الأرجح لم تكن تستطيع ان تتحمل السجن حتى لو كانت كل رغباتها مؤمنة فيه. والحديث عن نقل السجينة المدللة إلى المستشفى يشبه حادثة نقل احد مسؤولي بنك انترا الذي كان بطل فضيحة مماثلة في الستينات إلى المستشفى بسبب توعك صحي، حيث أقام هذا الأخير في المستشفى في ذلك الزمن وجعل الجناح الذي يقيم فيه اشبه بأجنحة الفنادق الفخمة.
على اي حال كانت قليلات تحت قبضة العدالة ويمكن مساءلتها في أي امر. لكن الاوضاع التي استجدت في المنطقة، وفي لبنان خصوصاً بعد التمديد للرئيس لحود صدور القرار 1559، اشعر المسؤولين في لبنان ان ايام السلطة السورية اصبحت معدودة واغتيال الحريري في ما بعد. وعلى الرغم من أنّ القضاء رفض مراراً ترك رنا لقاء كفالات مالية باهظة، إلا أنّها حصلت على قرار قضائي بإخلاء سبيلها بكفالة مالية وخرجت من السجن في 17 آذار مارس 2005، ولكنّها لم تذهب إلى منزلها بل طلبت من وسام سراج أن يقلّها إلى منزله في بلدة برجا حيث تناولت طعام الغداء مع أفراد أسرته واستراحت بعض الوقت إفساحاً في المجال أمام إنهاء الموظّف لديها محمد قنديل لمعاملات حجز غرفة لها في فندقquot; ريجينسي بالاسquot; في محلة أدما. ثمّ تولّى سراج نقلها سراً ومن دون علم أحد إلى الفندق، لكي تظلّ بعيدة عن عيون الفضوليين وتحضيراً للسفر إلى خارج لبنان خلافاً لتدبير قضائي واضح وصريح يمنعها من ذلك.
أقامت رنا في هذا الفندق نحو 10 أيام كان وسام خلالها يتردّد عليها لشراء حاجياتها وإحضار ما يلزمها، كما كان سائقها محمود غنام يأتي إليها يومياً مصطحباً صديقتها الطاهية أنيت من منزلها لمساعدتها في ترتيب ملابسها في الفندق. ثمّ تركت الفندق وانتقلت للعيش مؤقتاً في منزل صديقها جهاد.ح في محلة الضبية حرصاً على توفير المزيد من السرية والأمن لتحركاتها تمهيداً للانتقال بصورة نهائية إلى خارج قبضة الملاحقة القضائية.
بعد ذلك تعاون مرافقوها على تهريبها إلى سورية من معبر العريضة في شمال لبنان. استحصلت رنا على جواز سفر تمت سرقته من حقيبة سيدة تدعى فخرية مهنا، التي تقدمت بطلب بعد هرب رنا قليلات بوقت طويل للحصول على جواز سفر بدلاً عن ضائع، وحتى الآن لم يعرف كيف استحصلت قليلات على هذه الوثيقة المسروقة. لكن السيدة فخرية من مواليد 1934، وثمة فارق في السن لا يخفى على أحد، لذا عمد اصدقاء قليلات إلى تعديل تاريخ الولادة على جواز السفر ليصبح التاريخ 1964 بدلاً من 1934، بما يتناسب مع سن قليلات، فضلاً عن تبديل الصورة. رغم ذلك لم يوقفها الأمن العام على الحدود رغم انه سجل هذه الفوارق على جهاز الكمبيوتر التابع لموظف الأمن العام وسمح لها بالمرور. حيث كانت تعليماته تقضي باتخاذ هذا الإجراء. من اللاذقية انتقلت قليلات مروراً بتركيا، وقامت بجولة اوروبية للاستجمام في انتظار تجهيز شقتها في القاهرة. وهناك عاشت رنا قليلات في شقة بحي العجوزة في بناية الريان، على ما اوردت صحيفة المستقبل، لكن السلطات المصرية انكرت وجود رنا قليلات على أراضيها، في ذلك الوقت. والارجح ان السيدة قليلات استعملت لوصولها إلى القاهرة جواز السفر البريطاني المزور الذي اعتقلت وهي تحمله في البرازيل. ما ان شاع خبر وجودها في مصر حتى فُقدت اثارها، واستمرت على هذه الحال، إلى ان استطاعت الشرطة اللبنانية تحديد مكان اقامتها في ساو باولو في البرازيل، حيث تم ابلاغ الشرطة البرازيلية التي اعتقلتها.
هروب قليلات المثير، وخروجها من السجن الذي يثير جدلاً اكبر جعلا من سيرتها على كل لسان. وشاعت اخبار في لبنان تفيد بأنها قتلت وتم اخفاء جثتها في مكان ما، لإسكاتها إلى الأبد. لكن اعتقالها في البرازيل أعاد فضيحة بنك المدينة إلى واجهة الاهتمام، خصوصاً ان تغييرات كثيرة حصلت في لبنان منذ ذلك الحين، ولم تعد تتمتع بالحماية التي كانت لها في عهد الهيمنة السورية.
لكن المسألة الشائكة اليوم، تتعلق بإمكان استرداد قليلات من البرازيل إلى لبنان. إذ ليس ثمة معاهدة او اتفاق بين البلدين ينص على ذلك. لهذا تعتبر البرازيل بالنسبة للبنانيين ملجأً مثالياً للهاربين والملاحقين. لكن رنا قليلات ليست مختلسة عادية، ذلك ان الإشارة إلى نشاطاتها وردت في تقريري ديتليف ميليس وتقرير براميرتز. حيث اعتبر المحققان الدوليان في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ان ثمة شبهة في ان تكون عملية اغتيال الحريري قد مولت بأموال صادرة من هذا المصرف، ووفق هذا الواقع فإن احتمال تسليمها للقضاء اللبناني يصبح اكثر من وارد وعلى الأرجح ستعود قليلات غلى زنزانتها القديمة في سجن رومية في الأسابيع القليلة القادمة. لكنها هذه المرة لن تستطيع تحويلها جناحاً من أجنحة الماريوت.
التعليقات