لا يخلط بين ميزاني القوة والضجيج
بطرس حرب مرشح اللبنانيين
بلال خبيز- بيروت: ما ان بدأت المطالبات بإقالة الرئيس اميل لحود تأخذ طريقها إلى العلن، وتتكاثر الدعوات لاستقالته، حتى برز اسم النائب الشمالي بطرس حرب في وصفه احد اكثر المرشحين حظاً في الوصول إلى سدة الرئاسة.
البطريرك الماروني نصرالله صفير يستقبل الشيخ بطرس في 17 آذار 2006 |
معنى ان يكون النائب بطرس حرب يملك حظوظاً كافية للوصول إلى رئاسة الجمهورية، لا يعني حكماً ان الرجل سيصبح رئيساً للجمهورية. فعمليات الترشيح في لبنان تحمل في طياتها اهدافاً متعددة، وليس الوصول إلى سدة الرئاسة هو غايتها الوحيد. يتم تداول بعض الأسماء من بعض الجهات والقوى المؤثرة ثم يصرف النظر عنها، ذلك ان الغاية من طرح الاسم وجعله قيد التداول تكون قد اثمرت نتائجها. وليس كل مرشح يخفت وهج اسمه هو بالضرورة خاسر او معدوم الدور.
بعض المرشحين هم كذلك فعلاً. لكن بطرس حرب ليس واحداً منهم. والأرجح ان الغاية من تداول اسمه بقوة في فترة مبكرة من مثول الاستحقاق الرئاسي داهماً على اللبنانيين، يهدف في ما يهدف إليه إلى جعل المعركة اقل حماوة على الصعيد الداخلي. فإذا كان لنا ان نطلق صفات على المرشحين البارزين لرئاسة الجمهورية في لبنان، وجب علينا ان نطلق على بطرس حرب في اللحظة السياسية اللبنانية الراهنة صفة فخامة الرئيس منذ الآن.
ذلك ان المعركة لم تنفتح على مصراعيها بعد، وتالياً ليس ثمة من يغامر في الهجوم على رجل يملك من مقاليد القوة ما يؤهله حقاً وفعلاً للوصول إلى سدة الرئاسة. وليس من مصلحة اي مرشح او طرف ان يخوض معركة جانبية مع مرشح قوي مثل بطرس حرب على المستوى الداخلي.
في مواطن القوة والضعف
إقرأ في الشأن اللبناني | |||
الحلقة الأولى: الأكثرية تعتبرها المقابلة الأولى والأخيرة |
من صفات بطرس حرب انه سياسي ماروني معتدل. الصفتان تحتاجان إلى تدقيق في معانيهما. ماروني بمعنى انه زعيم اهلي إلى هذا الحد او ذاك. اي ان الرجل لا يخرج عن طوع الطائفة خروجاً نهائياً وان كان يناور ويجادل ويتميز في معظم الاحيان. وان نقول ان بطرس حرب ماروني، فذلك يعني ايضاً ان الرجل يملك وزناً لا يستهان به شعبياً وسياسياً. في الخلاصة ليس موظفاً بيروقراطياً يحسن ادارة المؤسسة التي توكل إليه ادارتها. انه سياسي من طراز رفيع، ومجادل فذ لا يشق له غبار. والحق انه يشرّف موقعه الذي يتبوأه وغالباً ما يسر قلب من رشحه لشدة ما يستطيع ان يملأ المكان الذي يتسنم قمته، لا ادعاء ولا استئثاراً، بل قدرة على المجادلة والمساجلة ومناسبة المكان الذي وضع فيه.
وهو ماروني، بمعنى انه ليس مرشحاً لرئاسة الجمهورية ينتظر ان يستقر رأي الناخبين عليه، فلا يجرؤ على التحرك مخافة ان يزعج احداً من الناخبين الكبار. مرشح يملك وزناً يستطيع ان يضغط به على المستوى الماروني من ناحية اولى، وعلى المستوى اللبناني من ناحية ثانية. فالرجل لم يقطع حبل العلاقات مع الطرف الثاني ابداً، لكن سلطات الامر الواقع الميليشاوية في زمن الحرب الأهلية لم تستطع ان تضبطه متلبساً بخيانة مشاريعها فتعزله او تنتصر عليه. كان على الدوام يملك من اسباب القوة ما يؤهله لأن يخرج عن طوع القوى الميليشاوية في زمن الحرب، كما كان في وسعه ان يعقد صلات متينة مع قيادات من الضفة الثانية من ضفاف الحرب الاهلية. والحق انه كان بين المعارضين الأوائل لجمهورية ما بعد الطائف إلى جانب نسيب لحود ونجاح واكيم وسليم الحص ومحمد يوسف بيضون. لم تكن المعارضة التي يصليها النائب الشمالي لأهل جمهورية الطائف وحكامها معارضة عنيفة ومشاكسة كتلك التي تميز بها النائب نجاح واكيم او كتلك التي دأب عليها نائب المتن الأشهر وشيخ البرلمانيين اللبنانيين الراحل البر مخيبر. كان معارضاً لكنه لم يكن يسجل موقفاً للتاريخ. معارضة سياسية بمعنى انها تستند إلى موازين القوى، وبمعنى انه لا يخوض معارك كسر العظم إلا حين يكون متيقناً من احتمالات القوة التي يملكها على المستوى الداخلي اولاً وعلى مستوى علاقاته المتشعبة من جهة ثانية.
ربما يجب علينا ان ندقق جيداً في معنى كلمة السياسي على هذا المستوى. ففي بلد تتعقد فيه المسارب والمسالك السياسية إلى هذا الحد، ثمة كثيرون يخلطون بين الدور السياسي والدور الإعلامي، بين ميزان القوة وميزان الضجيج. والحال ان بطرس حرب لم يكن يوماً واحداً من الذين يحسبون انهم يبنون مجدهم السياسي على صفحات الجرائد وشاشات التلفزيونات. لم يكن يحسب ان المواقف الحادة والتي لا تستند إلى ميزان قوة يحميها يمكن ان تنشئ دوراً سياسياً فاعلاً. اللبنانيون يعرفون ان بطرس حرب كان واحداً من السياسيين الموارنة الذين لا يريدون مقاطعة الانتخابات النيابية في العام 1992، لكنه رغم ذلك التزم قرار المقاطعة لأن موازين القوى التي كانت متحكمة في الساحة المارونية يومذاك لم تكن في صالح رأي بطرس حرب. لذا لم يغامر في خسارة شاملة عند اول موقف. وعلى النحو نفسه كان اللبنانيون يعرفون ان الرجل الذي يحالف الرئيس سليم الحص في كتلته البرلمانية المعارضة يملك اراء اكثر حدة في ما يخص السياسة السورية في لبنان. لكنه ايضاً لم يجهر برأيه صلفاً ومباشراً إلا حين تأمنت للرجل اسباب القوة التي تجعل منه سياسياً يصعب هزيمته بالضربة القاضية، مثلما كانت حال غيره من المعارضين. الخلاصة ان الرجل كان سياسياً بامتياز، ومعنى ان يكون سياسياً في لبنان، هو ان الرجل حاسم في ان لبنان وطنه اولاً واخيراً ولن يهاجر منه عند اول طلقة رصاص. وهذه صفة بالغة الاهمية في لبنان ان لم نقل انها نادرة بين السياسيين.
لكن هذا كله لن يجعل حظوظ بطرس حرب اقوى من غيره في الوصول إلى سدة الرئاسة. فهذا مطمح تتحكم فيه قوى كبرى على الدوام. ونادراً ما يكون الناخب الداخلي حاسماً في هذا المجال. ولنقل ان بطرس حرب هو واحد من انسب السياسيين الموارنة للوصول إلى سدة الرئاسة. فنقاط قوته على الأرجح ستؤخذ في اعتبار الناخبين الكبار. لكن الموازين التي تتحكم في السياسة اللبنانية قد تنقلب على حظوظه وتجعله ابعد المرشحين عن الرئاسة موقعاً وحظاً.
في الحظوظ... وسمير جعجع يلتقيهفي 19 شباط 2006
في ظل الأزمة الكيانية التي تعصف بلبنان الخارج من تعليق لسياساته واجتماعه على مشجب القمع السوري الطويل، يبدو بطرس حرب واحداً من القادرين على حسن ضبط الشارع إلى حد ما. بين المرشحين الموارنة الكبار هو واحد من قلة يستطيع ان ينافس ميشال عون في شعبيته السياسية في الصف الماروني. واذا اضيف إلى شعبيته الراسخة، موقع رئاسة الجمهورية فإنه قد ينازل عون نداً لند بسهولة وطلاقة. والحال فإن الناخبين الذين لا يريدون ميشال عون رئيساً سيجدون في بطرس حرب نداً مناسباً.
من جهة ثانية يملك بطرس حرب صفة السياسي المعتدل، والحال فإن الناخب المسلم في لبنان لا يجد غضاضة كبيرة في تجرع كأس بطرس حرب، خصوصاً ان المقابلين له على مستوى الصف الأوسع من القيادات المسيحية، لا يتصفون بالاعتدال الذي يتصف به الرجل عادة. والأرجح ان الناخب المسلم سيرى في الرجل قدرة على ضبط الموارنة تحت سقف التعايش اللبناني ndash; اللبناني، لكنه ايضاً سيحرج الطرف المسلم ليكون ايضاً اكثر اعتدالاً. واذا كان الناخب المسلم في لبنان مستعد لأن يتجرع كأس بطرس حرب، تحسباً من كأس امر وأدهى، فإن الدولة اللبنانية ومؤسساتها بوصفها ناخباً ايضاً ويحتاج إلى رعاية وعناية شاملتين، سترى في بطرس حرب ضالتها المنشودة. اي الزعيم المعتدل القوي الذي يملك ان يواجه تطرفين في الوقت نفسه إذا تسنى له ان يتسلم سدة الرئاسة. والحال فإنه في هذه اللحظة السياسية المفعمة بالتقلبات في لبنان، يبدو بطرس حرب مرشح المواطنين ودعاة قيام دولة المؤسسات، والنابذين للتطرف الطائفي بامتياز.
يملك بطرس حرب ثالثاً كافة الشروط التي تخول الناخب الدولي موافقاً عليه، فهو من صناع 14 اذار، ومن عتاة المعارضين للهيمنة السورية على لبنان، أقله منذ العام 2000 وحتى اليوم، لكنه ايضاً ليس رجل مواقف لا يحيد عنها. اي انه ليس اصولياً بالمعنى الذي يجعل الأصولي واقفاً عند رأيه لا يحيد عنه ولو كلفه ذلك حياته. فالرجل مستعد لأن يبني التسويات المناسبة التي تحفظ للجميع حظوظهم من دون ان يخسر حظوظه.
في المعوقاتوسعد الحريري يستقبلهفي 20 شباط 2006
رغم ان الرجل يملك من القدرة على اقامة الجسور مع الأطراف المخالفة، الامر الذي أهله ليتبوأ منصباً بالغ الاهمية في الصف السياسي اللبناني الأول. إلا انه ايضاً زعيم يملك وزناً راجحاً في منطقته وبين المسيحيين عموماً. وهو إلى ذلك ليس قليل التقدير في الصف الإسلامي. لكنه وبسبب من هذه الصفات مجتمعة، قد يبدو رئيساً مارونياً قوياً في مواجهة رؤساء آخرين. وحيث ان الانقسامات المحلية الأهلية في لبنان بلغت واحدة من اعلى ذراها في الانتخابات النيابية الأخيرة، وهي مرشحة للاحتدام مجدداً ما ان تنفتح ابواب المعركة الرئاسية، فإن الرجل سيكون ثانياً في الخيارات. ففي ظل الانقسام الحاد، سيفضل الناخب المسلم رئيساً مطواعاً ولا وزن كبير له، وسيفضل الناخب المسيحي رئيساً اكثر قوة واشد تطرفاًً. وحيث ان المقبل على البلد هو انقسام من هذا القبيل بدأت نذر سحبه بالتلبد في سماء لبنان، فإن بطرس حرب في هذه الحال يصبح خياراً ثانياً.
من جهة ثانية يبدو لبنان على مفترق طرق في الاقتصاد والسياسة، وحيث ان الآتي مجهول ويكاد لا يستطيع اي كان ان يحدس بتوجهاته النهائية. ذلك ان عواصم القرار ما زالت تتردد في اعتماد الصيغة الأنسب لجعل لبنان مستقراً تحت سقف الهيمنة المقبلة عليه، فإن رجلاً يملك مثل هذه الحظوظ في ان يمتن اواصر زعامته بما يسمح له ان يكّون رأياً ويتخذ مواقف قد لا تكون في صالح الخطة العامة لا يبدو مرشحاً مناسباً. والأرجح ان تبدلات موازين القوى بعد ركود غبار المعركة التي تخوضها الولايات المتحدة في لبنان وسوريا على حد سواء ستجعل من بطرس حرب المقبول اليوم خطيراً غداً. وقد كان لنا في الطائف مثال دقيق. فالرئيس رينيه معوض الشمالي ايضاً، كان صاحب باع طويل في السياسة اللبنانية، واتى انتخابه كمحصلة لتوازنات القوى التي رعت اتفاق الطائف. لكن ما ان وضعت المعركة اوزارها حتى تخلت القوى الراعية عن ادوراها، وترك البلد حثيثاً ووئيداً نهباً لموجبات هيمنة محددة. مما جعل الرئيس الشهيد رينيه معوض يجد نفسه كما لو انه في موقع العقبة الكأداء امام استتباب الامور للوصي الخارجي. وحدث ان اغتيل الرئيس وجيء برئيس اكثر لياقة في التعامل مع هذه الموجبات.
الخلاصة:
بطرس حرب مرشح اللبنانيين. اعني باللبنانيين، هؤلاء المغلوبين على امرهم، والذين يجدون في السلم الاهلي ضمانة لاحتمال فك البلد عن المعوقات التي تحول دون تطوره دولة ومؤسسات، ونظاماً سياسياً. انه مرشح اللبنانيين، لأنه استطاع ان ينجو سياسياً من كل الأيام الحوالك من دون ان يرتكب خطيئات مميتة في حق اللبنانيين إلى اي جهة انتموا، لكنه رغم ذلك لم يغادر صفة الماروني المعتدل نحو ان يكون صقراً متطرفاً من صقور المارونية السياسية. وفي ذلك ما يدعو اللبنانيين إلى الاستبشار إذا ما قر الرأي ان يكون النائب البتروني رئيساً للبلاد.
التعليقات