حزب الله مع بقاء اميل لحود في الحكم
بلال خبيز: يحضر اسم نسيب لحود في التداول بين المرشحين لرئاسة الجمهورية اللبنانية منذ العام 1995، أي منذ ما قبل التمديد للرئيس السابق الياس الهراوي. ومنذ أن طرح اسمه في التداول كان النائب نسيب لحود واحداً من المرشحين الذين لا يمكن تجاهل حظوظهم في الوصول إلى سدة الرئاسة. فنائب المتن الشمالي السابق صنع لنفسه موقعاً سياسياً لا يمكن لأي كان ان يتجاهل أثره في المشهد السياسي اللبناني عموماً. بين المرشحين لرئاسة الجمهورية اللبنانية لا يستطيع اي كان ان يأخذ على السيد لحود مآخذ مسلكية او سقطات سياسية كبرى. والحق ان التلميع الذي رافق تعيين الرئيس الحالي اميل لحود عام 1998 رئيساً للجمهورية اللبنانية استند في المقام الاول إلى صفتين يملكهما قريبه نائب المتن الشمالي المعارض يومذاك.

فكانت حجة المتحمسين للرئيس لحود تراوح بين حدين: النزاهة ونظافة الكف حداً اول، وبناء دولة المؤسسات حداً ثانياً. بافتراض ان الرئيس لحود هو باني الجيش الوطني على اسس وطنية حاسمة، ووفق عقيدة قتالية لا غبار عليها، هذا الجيش هو نفسه الذي لا يستطيع اليوم ان يقوم بدوره في مناطق لبنان مثلما يجب، وهو ايضاً المختلف على اهمية او جدوى انتشاره في الجنوب اللبناني، ومدى قدرته على تنفيذ الخطة السياسية اللبنانية التي يمكن ان يجمع عليها الاطراف المتحاورون في لبنان اليوم.

تأسيساً على تجربة الرئيس اميل لحود حاكماً ربما يجب ان نخشى اليوم توافر هاتين الصفتين في اي مرشح لرئاسة الجمهورية اللبنانية. إذ بدا ان دولة المؤسسات في عهد الرئيس لحود لم تتجاوز في حدودها حدود الدولة الأمنية الملحقة، ما جعل البلد يخوض في صراعات لا تنتهي بين قواه المؤسسة له، وتطلب الدولة الأمنية الحكم والتحكم بمفاصل البلد على كل صعيد، إلى ان وصل الأمر في اللحظة الراهنة من حكم اميل لحود إلى حافة الانهيار الفعلي، اقتصادياً وسياسياً وامنياً. ففي ظل هذه الدولة التي تطلبت التحكم بمفاصل البلد، حدثت جريمة اغتيال رفيق الحريري، وإلى اليوم ليس ثمة مشتبه بهم على الصعيد القضائي غير قادة الأجهزة الأمنية اياهم الذين يقبعون في السجن بتهمة الاشتراك والتخطيط في جريمة قتل رئيس وزراء لبنان الأسبق.

لكن تجربة البلد مع اميل لحود لا تنطبق على اي وجه مع ما يمكن ان يحققه نسيب لحود رئيساً. بل ويمكن القول ان المهللين للرئيس اميل لحود في بداية عهده، كانوا ينظرون إلى نسيب لحود ويطلقون صفاته على اميل لحود ليكون مقبولاً من عموم اللبنانيين. لكن الفارق بين الرجلين جوهري إلى حد لا يمكن معه جمعهما في مكان واحد. فنسيب لحود حقق سمعته السياسية من تمسك بالأصول البرلمانية والديمقراطية دفع ثمنها غالياً. كان دوماً الشخص غير المرغوب فيه في أي برلمان، وإن كان الجميع يكنون له الاحترام الكبير ولا يستطيعون التطاول عليه، إلا انهم جميعاً كانوا يرونه شوكة في حلق اي محاولة للخروج على اصول الديمقراطية البرلمانية التي كان نسيب لحود علماً من أعلامها.

سيرة نسيب لحود السياسية بنيت في بيت السياسة ولم تُفرخ في بيوت الامن والاستخبارات او حتى في مكاتب الشركات والمصارف والعلاقات العامة. والرجل على ما يعرف عنه متمول كبير ورجل اعمال ناجح، لكنه لم يوظف اي من نجاحاته هذه في التسويق لنفسه، ولم يستخدم قوة المال في شراء الولاء، ولم ير، بخلاف كثيرين، ان النجاح الاقتصادي، الشخصي، مقدمة لنجاح سياسي او وسيلة لتحصيل زعامة. وهو في هذا يختلف عن كل اصحاب التجارب السابقة في السياسة اللبنانية التي شهد لبنان امثلة عليها منذ الطائف حتى اليوم. ايضاً لم يستخدم الرجل علاقاته المتشعبة، وهو الذي كان سفيراً للبنان في واشنطن في بداية عهد الطائف، وهو المرتبط بعلاقات نسب مع احد اهم قادة العالم العربي. فلم يستخدم علاقاته في سبيل تحقيق مجده الشخصي بل استمر يبني خطه السياسي كما لو انه يبدأ من الصفر.

ايضاً لم يعمد نسيب لحود، في ما خلا مناسبات انتخابية قليلة جداً، إلى استثمار مارونيته في تصليب عود الموالين له. بل استمر حاسماً في سياسته في مواجهة خصومه المستفيدين من انتماءاتهم الطائفية والمناطقية، واستمر قادراً على هزيمتهم، على المستوى اللبناني الأعم، دائماً وأبداً، وكثيراً ما استطاع هزيمتهم على مستوى المنطقة والطائفة ايضاً.

في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2005 لم ينجح نسيب لحود في اختراق لائحة ميشال عون المتحالفة مع ميشال المر في المتن. كان الانقسام الطائفي في هذه الانتخابات في أعلى درجاته. ولم يكن مقدراً للحود المعتدل والليبرالي ان يخترق جمهور الطائفة باعتداله في مواجهة الخصوم والحلفاء على السواء. لكن نسيب لحود الذي خسر الانتخابات وجعله الاصطفاف الطائفي الحاشد ادنى موقعاً في سلم الزعامات الممثلة لأهلها وعزوتها، استمر زعيماًَ لبنانياً بامتياز. وقد يكون نسيب لحود الوحيد بين القادة اللبنانيين اليوم الذين يتجاوزون طوائفهم في قدرتهم على التمثيل إلى متن الطوائف الأخرى.

لهذا السبب ربما، لا يستطيع الناخبون تجاهله وهم يفكرون بالرئيس العتيد. فليس ثمة من يستطيع ان يأخذ عليه ايثاره فئة على أخرى. والحق انه اذا تعذر على اهل الطوائف وقادتها الهيمنة على الطوائف الأخرى، وهذا مرجح ترجيحاً حاسماً مثلما يردد السيد حسن نصرالله من دون كلل، فإن قادة الطوائف قد يقبلون بدور دولتي بيروقراطي يأخذ حصصاً من امام الجميع.
نسيب لحود رئيساً. ينبغي ان يعلم اللبنانيون حجر هذه الأمنية بعلامة بيضاء. وحين نتحدث عن اللبنانيين، فالمعني دائماً وابداً هؤلاء المشتتون بين الطوائف الذين ينتظرون سيادة دولة القانون والمؤسسات. والفارق هائل بين سيادة دولة القانون وسيادة دولة القمع، مثلما كان الطموح الرئاسي في عهد الرئيس الحالي. والحق انه اذا تسنى لنسيب لحود ان يصبح رئيساً فإن مؤسسات الدولة الجامعة ستجد فرصتها الذهبية في تحقيق هيمنة العام على الخاص.

راجت معلومات في الفترة الأخيرة تفيد ان توافقاً حصل على انتخاب نسيب لحود رئيساً بين القوى المتحاورة او معظمها على الأقل، لكن هذا الحديث خفت اليوم ليحل محله حديث متجدد عن منازلة جديدة سيشهد لبنان فصولها في المقبل من الاسابيع القليلة القادمة. والحق ان اسم نسيب لحود يكون طاغياً وطافياً على مسامع اللبنانيين، في حال واحدة فقط: حين يدرك قادة الطوائف وزعماؤها النافذون ان طريق كل منهم نحو الهيمنة على البلد مسدود ومغلق على نحو قاطع، وانهم مجبرون على تحقيق استقرار في البلد، هم بعض اسباب تقلقله.

نسيب لحود رئيساً: الرابح لبنان والخاسر طوائفه. امنية لكنها تبدو قابلة للتحقق، ذلك ان الخيار الآخر، في حال انسداد الآفاق على اي تسوية، ان يُحكم البلد بأربعة رؤوس حامية، وان يتعطل مشروع الدولة على نحو يكاد معه يتعذر اي إصلاح. قد يمر نسيب لحود إلى موقع الرئاسة في لحظة تجل لبنانية ودولية. لكن وجوده على رأس الدولة اللبنانية، سيجعل الصراع بين القوى اللبنانية حامياً. لكننا هذه المرة، على الأرجح، سنجد انفسنا امام انقسام لبناني بين اهل الدولة واهل الطوائف، بين المواطنين والرعايا. ليس على الطريقة الكاريكاتورية التي تمت فيها هذه المعركة في عهد الرئيس الحالي اميل لحود، بل على نحو جدي وحاسم، سيجعل من ولادة الدولة اللبنانية القادرة قيد الإمكان التاريخي.