نسيب لحود رئيساً

ميشال عون مرشح الرئاسة

بطرس حرب مرشح اللبنانيين

الانتخابات الرئاسية االلبنانية
تحت مطارق الداخل المتعددة وسندان الخارج الصلب

رياض سلامة: الرئيس التكنوقراطي
تطييف المال والأعمال

بلال خبيزمن بيروت: من محاسن صدف اوضاع الطائفة المارونية في لبنان، ان تضم هذه الطائفة العريقة في صفها السياسي الاول تنوعاً في الشخصيات السياسية يكاد يعصى تحقيقه على اي طائفة أخرى في البلد. هذا الوضع الذي يتصل اتصالاً وثيقاً بالدستور اللبناني من جهة وبأوضاع الطائفة التاريخية والديموغرافية من جهة أخرى يصيب الاعتصاب الطائفي الماروني بالوهن والضعف، لكنه يتيح للدولة الجامعة ان تجد حظها من الأمل.

على هذا يبدو امراً مبتوتاً ان يحتكر السيد وليد جنبلاط التمثيل الدرزي في مؤتمر الحوار، وان يتمثل الشيعة حصراً بأمل وحزب الله، وان يكون ممثل السنة الشيخ سعد الدين الحريري. وتالياً ان لا يستطيع رئيس حكومة ان يحكم بمعزل عن موافقة الزعيم السني الأبرز، وان لا يستطيع اي شيعي القبول بمنصب وزير في اي وزارة من دون موافقة الحزبين الرئيسيين اللذين يمثلان الطائفة. وينسحب الوضع نفسه على حال الدروز من دون اي تعديل. لكننا حين نتحدث عن قمة هرم التمثيل الماروني في الدولة اللبنانية، لا نستطيع ان نغّيب رجال سياسة من الصف الثاني الماروني او الثالث بدعوى ان ميشال عون وسمير جعجع هما الزعيمان الأبرزان في الطائفة، مما يستدعي ترشيحهما دون غيرهما لسدة الرئاسة الاولى.

والحق ان بعض اسس زعامة ميشال عون القوية في الوسط المسيحي عموماً والماروني خصوصاً انما تحصلت له من العدوى التي اصابت الموارنة بمرض استفحل في لدن الطوائف الاخرى، وبدا غير قابل للشفاء منه في المدى المنظور. ذلك ان احتشاد اهل الطوائف الأخرى خلف زعاماتهم صفاً واحداً، جعل الموارنة يشعرون بضرورة توحدهم تحت راية زعيم اوحد ليشكل اعتصابهم وتوحدهم حزمة متكاملة لا يمكن كسرها تفريقاً وتشتيتاً.

لكن ما ينطبق وصفاً على الطوائف الأخرى وما يبدو ممكناً وقابلً للاستمرار والصمود، لا ينطبق بالدرجة نفسها على الطائفة المارونية. والحال فإن حظوظ ميشال عون، الزعيم الأوسع قاعدة شعبية في الصف الماروني الأول، في الوصول إلى سدة الرئاسة اللبنانية لا تزيد كثيراً على حظوظ حاكم مصرف لبنان الحالي، والمستمر في منصبه منذ العام 1992، إلى هذا اليوم.

رياض سلامة رجل اقتصاد ومال، لم يتدخل كثيراً في الشؤون السياسية، وان كان كما يصفه الذين يعرفونه ديبلوماسياً ومحنكاً. لكنه في نهاية الأمر ليس اكثر من موظف كبير. حظه في الوصول إلى سدة الرئاسة ليس معدوماً، وأحياناً يبدو وازناً ومرجحاً. ويحكى ان الاميركيين والفرنسيين لا يعترضون على تسميته رئيساً. ويسر بعض المشاركين في الحوار اليوم ان السيد حسن نصرالله طرج اسمه مرشحاً على مسمع الشيخ سعد الدين الحريري.

لكن رياض سلامة ليس المرشح الذي يقرر حظوظه زعماء الطوائف الأخرى في معزل عن الموارنة انفسهم. ففي بلد تبدو فيه الشؤون العامة ملك اطراف أهلية بامتياز، فيدار الشأن الاقتصادي تحت راية سنية، ويحرر لبنان من الاحتلال الاسرئيلي تحت خفق رايات شيعية بامتياز، ويبقى دور الزعامة الدرزية وازناً في تحديد اتجاهات السياسة الخارجية، يبدو ان حاكم مصرف لبنان مرشح لجعل الطائفة المارونية مؤهلة لتخصيصها بواحد من الشؤون العامة ايضاً، او مشاركتها فيه على اقل تقدير. المتحمسون للرجل يقولون انه يستطيع ان يجعل الموارنة في منافسة مع السنة في تدبير الشأن الاقتصادي اللبناني عموماً. خصوصاً ان سلاح الموارنة الأمضى في هذا المجال يتصل بمهاجريهم في مشارق الأرض ومغاربها، فإذا تحصل للموارنة دور اقتصادي معترف به، مستنداً على استقرار نسبي في الأمن والسياسة، قد يستطيع المتمولون المهاجرون من هذه الطائفة ان ينافسوا على قيادة البلد اقتصادياً ومالياً على نحو لا شك فيه.

فضلاً عن دور المستثمرين المهاجرين من الطوائف المسيحية عموماً والذين قد يؤدون دوراً مستقبلياً في لبنان. ثمة ورقة محلية اخرى يملكها حاكم مصرف لبنان وقد تزيد من حظوظه مرشحاً. هذه الورقة تتمثل في الفارق الهائل بين الدور الاقتصادي الذي يلعبه رجال الأعمال المسيحيين في لبنان اليوم، والدور السياسي الذي يضطلعون به. والحق ان القطاع المصرفي اللبناني وهو انجح قطاعات البلد الاقتصادية، وأكثرها حيوية، والذي يرأسه رسمياً حاكم مصرف لبنان الحالي، هو قطاع من القطاعات التي تنشط فيها الرأسمالية المسيحية عموماً. والناظر إلى طبيعة التمثيل الأورثوذوكسي في مؤتمر الحوار لا بد ان يلحظ هامشاً متسعاً بين دور رجال الأعمال الأورثوذوكسيين الكبير والوازن في اقتصاد البلد، وهامشية دورهم السياسي في مؤتمر الحوار إذا ما تم قياسه بأدوار ممثلي الطوائف الأخرى. ولا يشذ وضع رجال الأعمال الموارنة عن هذا الخط في هذا المجال، فالتمثيل الماروني في مؤتمر الحوار هو تمثيل سياسي بامتياز. في حين ان موارد الطائفة الأبرز ليست في السياسة وحدها بل حتماً ومن دون شك في الاقتصاد.

رياض سلامة في هذا المعنى يراد له ان يمثل القوى الاقتصادية في سدة الرئاسة. مما يجعل هذه القوى مؤثرة في الاتجاهات السياسية اللبنانية على نحو حاسم. والحق ان في مثل هذا الطموح ما يمكن اعتباره وجيهاً وعلى قدر من الدراية وحسن الفطن. فضلاً عن اتصاله المنطقي بتاريخ الاقتصاد اللبناني الذي استند في بداية عهد الاستقلال على دور مسيحي عموماً وأرضية سنية. بمعنى ان السنة كانوا ملاك الأرض والمسيحيين كانوا المستثمرين. لكن مأسسة هذه الوقائع التاريخية ليست بالأمر اليسير، وايضاً ربما لا تكون بالأمر المحمود والممكن على اي حال.

على هذا يبدو طرح اسم رياض سلامة مرشحاً اساسياً للرئاسة اللبنانية كما لو انه يأكل من صحن السنة نفسه، ليبقى الصحن الشيعي ملكاً لأهل الطائفة بامتياز. لكن الفارق بين الصحنين والتوجهين بالغ الأهمية. فالدور الاقتصادي الذي يدعى الموارنة والمسيحيين عموماً إلى المشاركة في تقريره على مستوى البلد عموماً هو دور مستقبلي، على النقيض من دور الطائفة الشيعية الذي يبدو من الماضي. إذ ينحصر النقاش في مسألة السلاح الشيعي المقاوم لاسرائيل في حدود نزعه والطريقة الأمثل لتسليمه. فيما يبدو الحديث عن دور سياسي للقوى الاقتصادية يشارك فيه الموارنة دوراً مستقبلياً بامتياز. والارجح ان مستقبيلة هذا الدور هي بالضبط مكمن خطورته، إذ يستطيع البلد ان يتقبل دوراً دفاعياً للطائفة الشيعية آيلاً إلى التقنين والقوننة والانحسار، لكن اقتراح حصر التمثيل الاقتصادي بأهل الطوائف قد يحمل تبعات لا تحمد عقباها في المقبل من الايام.

يقال ان ترئيس رياض سلامة سيجعل الموارنة شركاء فعليين في تقرير توجهات البلد الاقتصادية، كما لو انه الموظف الأكفأ لتمثيل رجال الأعمال اللبنانيين. لكنه ولهذا السبب يبدو قليل الحظ في الوصول إلى سدة الرئاسة. ربما لأن تنصيبه رئيساً سيعيد تركيب شراكة سنية مارونية في تقرير وصوغ مستقبل البلد. والمفارقة ان من يطرحه هو حزب الله الذي يعتبر الطرف الأكثر تضرراً من تحقيق هذه المعادلة. لهذا ربما يبدو قليل الحظ في الوصول إلى هذا المنصب. فمن يوكل إليه تحقيق دور اقتصادي مزدهر لا يستطيع ان يطلق وعوداً او يرتب خططاً إذا كان لا يملك الحق في التأثير بحرب البلد وسلمه واستقراره الأهلي.