قصي صالح الدرويش من باريس:

شهدت ضاحية فيللييه لوبيل القريبة من باريس أحداث شغب واضطرابات ليل الأحد الماضي إثر مقتل مراهقين اصطدمت دراجتهما النارية الصغيرة بسيارة شرطة. وفور ذيوع الخبر تجمع مئات الشبان من فيللييه لوبيل والضواحي المجاورة لها معبرين عن نقمتهم عبر الحرق والتكسير والمواجهات مع رجال الشرطة. وأسفرت الصدامات التي لم تلبث أن امتدت إلى بعض الضواحي المحيطة والتي استمرت ست ساعات عن إصابة 25 شرطيا، جروح اثنين منهم خطرة، إضافة إلى إحراق 28 سيارة وأربعة مبان خاصة منها معرض لبيع سيارات بيجو وآخر لسيارات هيونداي وكذلك مطعم للوجبات السريعة quot;ماكدونالدquot; ومحطة للوقود.

وقد تطلب الأمر الاستعانة بنحو 200 شرطي طوقوا المنطقة التي عاد إليها هدوء مشحون وسط مشهد السيارات المتفحمة التي تشهد على عنف أحداث الليل الفائت، فيما يتخوف السكان والمسؤولون من عودة أحداث العنف مع حلول الليل، خاصة وأن التحقيق الأولي في القضية لا يوجه التهمة إلى رجال الشرطة المتورطين بالحادث وهذا ما يرفضه الشبان الغاضبون الذين خرجوا بعد ظهر الاثنين في مسيرة صامتة تعبيرا عن حدادهم.

وتباينت رواية رجال الشرطة عن رواية الشهود بشأن ظروف الحادث، فبينما تشير الرواية الأولى إلى أن سيارة الشرطة كانت تسير بسرعتها المعتادة وأن الدراجة كانت تسير بسرعة لم تراع أولوية المرور ما أدى إلى ارتطامهما، كما تؤكد أن الضحيتين لم تكونا ترتديان خوذات الأمان الإجبارية لقيادة الدراجات النارية مما جعل الحادث مميتا. ومن جهتها تشير رواية الشهود إلى أن سيارة الشرطة تعمدت الارتطام بالدراجة ويؤكد بعض الشهود أن رجال الشرطة سارعوا إلى مغادرة مكان الحادث مخلفين السيارة والضحايا دون مد يد العون لهم. من جانبه أشار والد أحد الشابين القتيلين إلى حدوث تلاسن بين ابنه وأحد رجال الشرطة مؤكدا أن هذا الأخير وجه له التهديد.

وفي ردود الفعل، أعلن رئيس الحكومة فرنسوا فيللون أنه يتابع الوضع عن كثب مع وزيرة الخارجية التي انتقلت إلى موقع الحدث وأكدت أن التحقيق سيأخذ مجراه بكل استقلالية. أما رئيس بلدية المدينة الاشتراكي الذي أخفق في دخول الحي المشتعل فطالب بإجراء تحقيق محايد وشفاف يسلط الضوء على ملابسات الحادث في أسرع وقت ممكن، داعيا إلى ضبط النفس. ومن جانبه شدد رئيس الحكومة السابق دومينيك دوفيلبان على ضرورة الإسراع في كشف ما حدث مؤكدا أن الإسراع لا يعني أسابيع وإنما ساعات. ومن صفوف المعارضة صدر تعليق عن أمين عام الحزب الاشتراكي فرنسوا هولاند الذي وجد أن الأحداث تترجم أزمة اجتماعية وسياسية وطلب أن تكون الحكومة شديدة الوضوح بشأن ظروف الحادث وشديدة الحذر كي لا تعود أحداث الشغب التي شهدتها فرنسا قبل عامين. هولاند ندد بمناخ توجس وكراهية يسود العلاقة بين الشرطة وشبان بعض الضواحي المهمشة والفقيرة والتي لم تشهد أي تغيير رغم الوعود الانتخابية للرئيس ساركوزي.

وفي بيان لها، رفضت نقابة الشرطة استغلال هذه المأساة من قبل quot;عصابةquot; عمدت إلى إشعال المدينة وتحدي قوانين الجمهورية. النقابة أشارت أيضا إلى أن وضع الضواحي لم يتغير في العمق منذ أحداث 2005 حتى ولو توقفت أحداث الشغب، فالأسباب الاجتماعية التي تنذر بالانفجار ما تزال على حالها.

يشار إلى أن سكان الضاحية المنكوبة قاموا بحراسة مكان الحادث حتى وصول المحققين كي لا يتم التلاعب بالأدلة. هذا وقد أعلن النائب العام للجمهورية عن بدء تحقيق بتهمة القتل غير المتعمد وعدم مد يد العون لأشخاص في خطر، وعهد التحقيق لدائرة التفتيش العامة الخاصة بالشرطة. وسيكون على المحققين تحديد مدى مسؤولية سيارة الشرطة في الحادث وصحة ما قاله الشهود عن انسحاب رجال الشرطة دون محاولة إنقاذ الضحايا.

هذه الحادثة تعيد إلى الأذهان حادثة مقتل صبيين صعقا بالتيار الكهربائي أثناء فرارهما من ملاحقة الشرطة، حادثة أدت إلى أعمال شغب واضطراب دامت ثلاثة أسابيع وشغلت فرنسا. ورغم أن الرواية هنا لا تتحدث عن ملاحقة، إلا أن السؤال يطرح عن تبعاتها التي ستظهر خلال الليل المقبل. فمن المعروف أن الأحياء التي تطلق عليها تسمية quot;حساسةquot; قابلة للانفجار في أي لحظة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالبوليس، حيث هناك شعور يومي بالملاحقة واحتقان بسبب صعوبة الحياة . وضمن هذا المنظور، تم نشر قوات أمنية حول المدن المجاورة تحسبا لانتشار العنف الذي رأى شقيق أحد المراهقين القتيلين أنه غضب وليس عنفا.

ما حدث ليل أمس قد يكون نتاج خطأ متعمد أم لا من رجال الشرطة وقد يكون مجرد حادث في ضاحية quot;حساسةquot; دفع رجال الشرطة المتورطين في الحادث إلى الانسحاب خوفا من تبعاته.

ولا بد من التذكير بأن سكان الضواحي quot;الحساسةquot; وغالبيتهم من أصول أجنبية مغاربية وأفريقية يعانون شروطا حياتية صعبة، حيث الخدمات دون مستوى الأحياء الأخرى وحيث معدل البطالة مرتفع جدا. وشبان هذه الضواحي لا ينظرون بعين الرضى إلى ساركوزي الذي سبق له أن وصف من شارك بأحداث 2005 منهم بأنهم quot;رعاعquot; ، وكان ساركوزي حينها وزيرا للداخلية. تصريحات بدت آنذاك قريبة من طروحات اليمين المتطرف الذي يدعو إلى طرد الأجانب، بمن فيهم من ولدوا على الأراضي الفرنسية واكتسبوا الجنسية. إلا أن تصريحات ساركوزي الوزير مختلفة عن سياسة ساركوزي الرئيس الذي اختار ثلاث وزيرات من أصول مغاربية أفريقية محاولا فتح صفحة جيدة مع الجاليات المغاربية والأفريقية.