أفدحها أزمة مجتمع... وأعمقها ضمور رؤيا
أربعة أسباب أيقظت سرطان العنف في الجزائر
الجزائريون قلقون لاحتمال عودة كابوس التسعينات 62 قتيلاً وإصابة العديد من الأجانب بإعتداءين في الجزائر روسيا تدين اعتداءي الجزائر وتعرض تعاونها
كامل الشيرازي من الجزائر: بعدما سرى انطباع ظرفي في الجزائر خلال الفترة القليلة الماضية، أنّ المتمردين هناك باتوا يعيشون quot; آخر أيامهم quot;، سقط كلت التخمينات في ماء عكر، إثر الضربتين التي وجههما ما يعرف بـquot; قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي quot; صبيحة الثلاثاء بالمنطقتين الأكثر أمنا وحراسة في قلب عاصمة الجزائر. وفي خضم تساؤلات داخلية وخارجية ملحّة عن خلفيات هذا التصعيد المتجدد في أعمال العنف، أنجزت quot;إيلافquot; تحقيقًا موسعًا في الموضوع، توصل إلى حصر 4 أسباب كبرى للفلتان الأمني الجديد، بحسب الفاعلين في الساحة الجزائرية، فما هي أسباب تجدد العنف؟، وماذا عن راهن ظاهرة الإرهاب هناك؟، في ظل كل الأحاديث عن أفق البلد وما ينتظره من استحقاقات في القريب العاجل.
quot;قصورquot; الخطة الأمنية
يعتقد خبراء الشأن الأمني في الجزائر، أنّ quot;قصورquot; وquot;محدوديةquot; الخطة الأمنية التي أطلقتها السلطات غداة تفجيرات 11 أبريل/نيسان الماضي، وراء عودة العنف من بعيد، ويرى أكثر من متتبع للوضع، إنّ مخطط الأجهزة الأمنية لم يؤت أكله بالشكل المأمول، حتى وإن نجح في تحييد عدد معتبر من المسلحين وتفكيك عشرات شبكات الدعم.
بهذا الصدد، يلاحظ quot;هيثم ربانيquot; الخبير في الشؤون الأمنية، إنّ وضع تدابير وقائية على مستوى الأماكن العامة والاستعانة بخدمات أعوان أمن إضافيين لتأمين المدن والمراكز quot;الاستيراتجيةquot;، لم يحل دون تحجيم آلة القتل الهمجية، ويعتبر محدثنا إنّ تجدد العنف راجع لتراخي قوات الأمن في تعاطيها مع مجموعات الارهاب، على الرغم من أنّ كل المؤسسات الأمنية في الجزائر مستنفِـرة لدرجة أن عُطل المنتسبين إليها لا تزيد في أحسن الأحوال على واحد وعشرين يوما في السنة.
والظاهر بحسب رباني أنّ السلطات أخطأت مرتين باعتقادها أنّ التهديد الإرهابي للأشخاص والممتلكات أصبح محدود التأثير، في وقت كشّر الجيل الجديد للقاعدة المغاربية، عن أنيابه وأبان في أكثر من مناسبة، أنّه بات قادرًا على تجهيز سيارات مفخخة وتفجيرها عن بُعد في وقت متزامن وفي المكان الذي يريد، مع الإشارة إلى أنّ المتمردين يركّزون على أهداف نوعية بهدف زعزعة وضرب معنويات عناصر الأمن، ويريد من وراء توزيع هجماته المتكررة في أنحاء متعددة من البلاد، إثبات وجوده.
ويرى رباني في تصريحات لـquot;إيلافquot; أنّ منظومة الارهاب في الجزائر، صارت احترافية وعصية على الاختراق، فنظامها الأمني الداخلي لم يمكّن مصالح الأمن من الوصول إلى المخابر التي تصنع فيها المتفجرات وتجهز فيها السيارات الملغومة، كما يلاحظ رباني أنّه بسبب التجارب التي خاضتها مجموعات التمرد مع عناصرالأمن، صار المسلحون يتدربون على طرائق مراقبة قوات الأمن لتحركاتهم، ما مكنّهم من اقتحام أكثر المناطق حراسة وتحصينا في البلاد، كما يبرز محدثنا أنّ الاعتداءات الأخيرة حرص مهندسوها على استعمال عبوات ناسفة بوساطة الهاتف النقال وتقنية التفجير عن بعد، فضلاً عن إخفاء الأدلة، ما يجعل الوصول إلى الواقفين وراء الاعتداءات صعبة للغاية.
كما يتفق المختص عمر آميني مع رباني، في كون الجماعة السلفية تجددت ودخل اليها شباب دون الثلاثين، بينما (شاخت) وحدات الأمن ولم يطالها داعي التشبيب، بل حافظت على نفس الوجوه وصار أعضاؤها يتجاوزون الأربعين وأدى تقدمهم في السن إلى تراجع آداؤهم، ومن ثمّ صاروا لا يستطيعون مقارعة المتمردين سيكولوجيا وبدنيا، مع أنّ قبضة الجيش وقوات الأمن بشكل عام شديدة في الأساس، وهي تقع ضِـمن مصطلح، ليس في الإمكان أبدع مِـما كان، على الرغم من أنّ انضمام quot;الجماعة السلفيةquot; إلى quot;القاعدةquot; جلب معه جيلاً جديدًا جرّ معه مزيدًا من الشبان الناقمين على مواقف واشنطن وسياساتها في العراق وفلسطين.
ويشير مراقبون إلى عدم تمكن عرابي الخطة الأمنية من إيجاد quot;وصفةquot; مناسبة للجيل الجديد من المسلحين، وبقاء هؤلاء مجهولين، ما ترك مجال الحراك والتنقل أمامهم مفتوحا، سيما مع خصوصية المدن الجزائرية المفتوحة، ويرجّح رباني أنّ تخطيط منفذي هجمات الثلاثاء، اتسم بطول المدى، حيث تكون الجهة المهندسة للاعتداءين درست أهدافها جيدا بشكل لم يترك المجال لأي صدفة.
من جهته، يربط عمر بلهوشات مدير صحيفة quot;الوطنquot; الجزائرية الناطقة بالفرنسية، عودة العنف بنشاط ثمانمائة مسلح معروفون بغلوهم وتطرفهم، وركز على المجندين الجدد وهم غير معروفين بتاتًا لدى الجهات الأمنية، لذا يستطيعون التحرك كما يشاؤون، مشيرا أيضا إلى ما تنتجه البطالة والفقر ومحدودية المستوى العلمي والديني.
ويربط بلهوشات الموضوع برمته مع تعاطي سلطات بلاده مع ظواهر الاسلاموية والجهادية في المجتمع الجزائري، وعدم قيام دوائر القرار بكبح جماح الاسلاميين، وعفوها بدلاً عن ذلك عن آلاف المسلحين ممن تورطوا بحسبه في مجازر جماعية ضدّ مواطنيهم، ملقيًا المسؤولية على مخلفات مسار المصالحة، التي لم يراع فيها بحسبه، منطق القصاص والمساواة بين الجلاد والضحية بداعي الصفح عن الماضي وتقليب ورقة جديدة.
quot;آلان باورquot; الخبير الفرنسي المختص بشؤون الجماعات المسلحة، يرى أنّ السياسات الحكومية المتضاربة وعدم وجود توافق سلطوي تجاه خيار المصالحة، فسح المجال لتخصيب عنف جديد، ويربط باور تجدد العنف بالجزائريين العراقيين ومجموعات المرتزقة الأجانب الذين التحقوا بصفوف القاعدة خلال الأشهر الأخيرة.
إفلات من الرقابة
أمام الضبابية التي تطبع الإستراتيجية الشاملة في مكافحة الإرهاب، بات المتمردون يراهنون على الافلات من الرقابة، عبر حمل كثير منهم لأسماء مستعارة، موظفين مزية عدم تقييدهم على لائحة quot;المبحوث عنهمquot;.
وبحسب مصادر محلية، تحتوي القاعدة على ''خزان'' من المقاتلين المجهولين، ممن لم تفلح مصالح الأمن في تحديد هوياتهم وأماكن تواجدهم، ومن عادة أفراد التنظيمات المسلحة وما يعرف بعناصر الدعم، النشاط بأسماء مستعارة ويحرصون على عدم تمكين بعضهم البعض من أسمائهم الحقيقية تفاديا للاعتقال وحتى يعطوا لأنفسهم وقتًا لتغيير مواقعهم في حال إيقاف رفاقهم.
ويلح معلقون على أنّ الأجهزة الأمنية مدعوة لتحصيل معلومات ميدانية تتعلق بنشاط فرق الموت التي يُعتقد أنها تشكلت أخيراً من دون معرفة هوية أصحابها وأماكن وجودهم، خصوصا مع تنامي التهديد الذي يمثله هؤلاء.
وإذا كان محللون يرون بصعوبة تحجيم هذا الخطر، تبعًا لتبني القاعدة أسلوب عناقيد العنب التي يصعب أكلها لمجة واحدة بسبب تعدد تفريعاتها وفصائلها، يراهن آخرون على حساسية إطلاق السلطات حملة واسعة لرصد تحركات المسلحين عبر الانتصار لخطط أمنية جديدة وتدابير وقائية تمنع حدوث تفجيرات أو اعتداءات في الأماكن العامة.
إهمال جذور العنف
يشدّد هيثم رباني كما الخبير إلياس بوكراع والكاتب عابد شارف على أنّ استمرار العنف مرتبط أساسا بوضعية اجتماعية وفكرية، في صورة المدن الجزائرية الساخنة أو تلك الموصوفة بـquot;الانفجاريةquot;، لما تنطوي عليه من مآسي ونكبات وحرمان، واختزان شبابها واقعا مؤلما، يدفعه للانحراف ومحاولة تغيير الأوضاع على طريقته الخاصة من خلال انتصاره للغة السلاح.
ويتصور الخبير الأمني الجزائري إلياس بوكراع، أنّ معالجة الدولة الجزائرية لجذور العنف، لا تزال قاصرة، في صورة عجز الحكومة عن إنقاص معدلات التذمر الاجتماعي إزاء تفاقم ظواهر البطالة والغضب والاستياء والاستبعاد، مقللاً من أثر الاكتفاء بمنطق القوة لدحر المسلحين.
ويدرج رباني عاملاً آخر، يتمثل في (نجاح) الدولة الجزائرية في حوصلة المجتمع الجزائري ضِـمن طوق مُغلق صاغته بإحكام، وهو ما أورث لا اكتراثًا بما يجري محليًا لدى غالبية الشعب الجزائري (ما تؤكده نسب المشاركة في سائر المواعيد الانتخابية السابقة)، لذا تولّد نوع من التوازي، عجّل بتشكيل جزائريين من نوع عنيف يسارعون إلى تفجير أنفسهم بأي ثمن، مع أنّه لا علاقة لهم بأي منظار أو توجه جهادي، ولا فقه إسلامي لديهم، عزاؤهم الوحيد التخلص من بؤسهم ويأسهم فحسب.
لعبة سياسية... و تضييق ديني
يقول خبراء إنّ ركود الفعل السياسي في الجزائر، وإصرار الأقلية على حكم الأغلبية، وما أفرزه ذلك من اتساع للفجوة بين الحكام والمحكومين، وانصراف شعبي عن شؤون السياسة الرسمية، يمنح المتمردين في الجزائر الفرصة للصيد في مناخ كهذا عبر الإيقاع بالشبان وتوسيع نطاق أنشطته.
وعما إذا كان تنامي الارهاب الجديد له علاقة بشيخوخة دوائر الحكم وما يتردد عن مرض الرئيس بوتفليقة، ينفي من سألناهم أي دور لهذه الحيثية بما يجري، بيد أنّ المحللة السياسية فتيحة بوروينة لا تعزل الاعتداءات عن النقاش السياسي الساخن حول ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية ثالثة، خصوصًا بعد تأكد استمراره رئيسًا غداة نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة.
وتفيد بوروينة أنّه يمكن إدراج التفجيرات ضمن سياق أحزاب معارضة استنكرت تحريك حكاية التمديد لبوتفليقة وجعلها أولوية، في وقت تشهد الجبهة الإجتماعية غليانا ينذر بالانفجار على خلفية التهاب أسعار المواد الغذائية الواسعة الإستهلاك.
كما لا تفصل بوروينة ما حصل قبل 24 ساعة عن فشل السلطة في إدارة الملف الأمني لمرحلة ما بعد ما تسميها quot;مراوحة ميثاق السلم والمصالحةquot;، وبقاء عديد المعضلات عالقة على غرار وضعيات الناشطين السابقين في جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة، إضافة إلى ملفات معتقلي محتشدات الصحراء والمفقودين التي لم تساعد على إخراج البلاد من عنق الزجاجة.
من جهته، يشير الخبير الاستراتيجي أرسلان شيخاوي، إلى أنّ مجموعات التمرد، تريد إحراج الدولة الجزائرية مع هيئة بوزن الأمم المتحدة ناهيك عن مختلف شركائها، والتأثير سلبًا على علاقات البلاد الخارجية، وينبّه شيخاوي إلى رغبة جيوب التمرد خلق ضجيج إعلامي، وإظهارها للعالم على أنها تعاني من أزمة داخلية مستمرة.
بيد أنّ محسن بلعباس المتحدث باسم الحزب الأمازيغي المعارض quot;التجمع من أجل الثقافة الديمقراطيةquot;، يرجع العمليات الأخيرة إلى ما أنتجه ميثاق السلم، وذكر أنّ الأخير زاد من قوة مجموعات الإرهاب، كما اتهم السلطات بعدم الاهتمام بمعطى انتماء الدعوة والقتال إلى تنظيم القاعدة، وما كرسته الخطوة من خطورة كبيرة.
ولا يفصل المحللون العنف المتجدد، عن تشديد السلطات لرقابتها على المساجد، وإلزامها الأئمة بمجموعة تدابير يراها الكثير quot;صارمةquot; وquot;مبالغ فيهاquot; وتنجم عن تقييد ومصادرة لحرية ممارسة الشعائر التعبدية داخل بيوت الله.
ويركّز المحلل الجزائري عابد شارف على أنّه من غير المجدي محاربة quot;الإرهابيينquot; إذا لم يتم التعامل مع الاسباب التي تؤدي لظهورهم، وأضاف أنه من دون إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي فستتوفر العوامل لتجدد العنف.
المتمردون يتجهون خارج معاقلهم التقليدية
في محاولة منهم لفك الخناق في أعقاب الضربات الموجعة التي تلقوها من القوات النظامية، يلاحظ مراقبون أنّ عناصر قاعدة بلاد المغرب، يتجهون نحو مغادرة معاقلهم التقليدية على غرار منطقتي القبائل والصحراء، وتوسيع نطاق تحركاتهم بهدف اللعب على وتر quot;توسيع نطاق الرعبquot;.
وتبرز الخارطة الجغرافية للعمليات الإرهابية أو عمليات التمشيط التي قادها الجيش الجزائري مؤخرًا، ظهور ''بؤر توتر'' جديدة، بعدما كان نشاط الجماعات الإرهابية ينحصر ضمن نطاق ضيق، ولسنوات عند حدود منطقة القبائل التي تضم ولايات بومرداس وتيزي وزو والبويرة.
وأظهرت تقارير أمنية، ملامح خارطة جديدة لانتشار المتمردين، ما يحيل على ظهور بؤر توتر جديدة، مثل ولاية ميلة (أقاصي شرق الجزائر) وجارتها منطقة باتنة أيضًا، وعلى المنوال ذاته ولاية تبسّة التي يبدو أنها اختيرت لإعادة جمع شتات القاعدة، وعلى هذا، ومن دون تعاطي جدي مع معطى خطير كالذي تقدّم، لا يستبعد متابعون، وقوع مزيد من الهجمات قد تستهدف مسؤولين وشخصيات عامة وأفرادًا من الجيش.
التعليقات