إيلي الحاج من بيروت : يصعب في لبنان تصور عودة مجلس النواب إلى ممارسة دوره التشريعي والرقابي رغم الضغط الذي تمارسه الغالبية على رئيس هذا المجلس نبيه بري من خلال حضور النواب أعضاء هذه الغالبية بكثافة إلى البرلمان كل ثلاثاء، على غرار ما فعلوا اليوم للمرة الثالثة، حيث وقفوا أمام قاعة الجلسات المقفلة في وجوههم، ثم اجتمعوا في مكتب نائب رئيس المجلس فريد مكاري وأصدروا نداء إلى بري يحضه على توجيه دعوة إلى جلسة نيابية وترؤسها بعدما حان موعد افتتاح دورة العقد العادي منذ نحو أسبوعين . و قد لاقاهم نواب من المعارضة إلى البرلمان مما رفع عدد الحضور إلى ما يزيد على الثلثين وحوّل ساحة سجالات ، في حين تتراكم الملفات الملحة والتي تحتاج إلى بحث وإقرار، وفي طليعتها ملف إقرار تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي ومشاريع القوانين المتعلقة بتطبيقات مؤتمر باريس- 3 لمساعدة لبنان إقتصادياً .

والتبرير المعلن الذي يرفعه رئيس البرلمان هو أن اصطدام المساعي إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بجدار المواقف النهائية والثابتة، يجعل من المستحيل انعقاد مجلس النواب في صورة طبيعية وأجواء هادئة وايجابية . وهو كان واضحا في الربط بين الأزمتين الحكومية و quot;المجلسيةquot;، ويقول أنه يفضل الخيار السيء هذا على الأسوأ إذا كانت المفاضلة محصورة بينهما . والسيئ ان يظل المجلس متوقفا عن العمل ومحيّدا عن الصراع. أما الأسوأ في رأي بري، فهو ان تدخل الأزمة البرلمان وتفجره من الداخل فيصيبه ما أصاب الحكومة من انقسامات وتصدعات، وهو quot;المؤسسة الدستورية التي لا تزال تحافظ على حد معقول من الوحدة والتماسك وغير مطعون في شرعيتها بخلاف ما هو حاصل مع مؤسستي رئاسة الجمهورية والحكومةquot;.

ومع استمرار مجلس النواب مغلقا، سيكون من الصعب والمتعذر اقرار قانون المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس الحريري ورفاقه quot;في ظل توافق لبناني ومن ضمن الأطر والمؤسسات الدستورية اللبنانيةquot; على النحو الذي أقرته القمة العربية في الرياض، خصوصا ان كل مشاريع ومقترحات الحلول التي طرحت في الأشهر الماضية بنيت على أساس مبدأ الترابط والتلازم بين توسيع الحكومة والمحكمة، وفق ما ذكّر نواب المعارضة الذين اجتمعوا اليوم في البرلمان في بيان تلاه النائب quot;العونيquot; نبيل نقولا.

ولما كانت حكومة الوحدة الوطنية سقطت كمشروع توافقي لرفض الغالبية إعطاء الحزب وحلفائه الثلث الضامن أو المعطل، يصعب ان تمر المحكمة الدولية او تقر كمشروع توافقي، وإنما يمكن ان تمر عبر طرق استثنائية غير مسبوقة من شأنها ان تعيد الوضع إلى دائرة التوتر والتأزم.

ومع دخول الأزمة مرحلة جديدة ونشوب فصل آخر من المواجهة السياسية الدستورية المتكافئة، يبرز quot;انشدادquot; الى الاستحقاق الرئاسي الذي سيكون من الآن فصاعدا عنوان المرحلة بعدما انطلقت معركة الرئاسة وبدأت فعلا وفتحت على كل أنواع السيناريوات والاحتمالات والمفاجآت السارة وغير السارة.
وثمة في لبنان من ينتظر الاستحقاق الرئاسي وينظر اليه بإيجابية على انه مخرج للأزمة ومدخل الى الحل. ومع استحالة التوصل الى توافق حول الحكومة لأن الجميع أصبحوا أسرى مواقفهم، ولأن أحدا لا يريد ان يسجل على نفسه هزيمة سياسية او أن يضعف أوراقه السياسية عشية انتخابات الرئاسة، فإن التوافق حول رئاسة الجمهورية لا يزال ممكنا ومتاحا اذا توصل الطرفان الى اقتناع مشترك بأن الرئيس المقبل لا يمكن ان يكون من فريق ١٤ آذار/ مارس ولا من فريق ٨ آذار، انما يفترض به ان يشغل موقعا سياسيا وسطيا، وان يكون مؤهلا لأداء دور وطني متوازن وجامع.

ولكن ثمة من يرى في المقابل أخطاراً محدقة بالاستحقاق الرئاسي اذا لم يتحقق توافق على الرئيس المقبل . وهو توافق يصعب حصوله اذا استمرت الأزمة على حالها.ذلك أن الأسباب التي حالت دون حصول توافق على الرئاسة في مؤتمر الحوار الوطني قبل عام لا تزال قائمة، لا بل تعمقت وترسخت بفعل الأزمة الوطنية والتطورات والانقسامات السياسية والحكومية.

وهذا يعني ان انتخابات الرئاسة تواجه احتمالات سيئة هي الأخرى، وان المسألة التي ستكون مطروحة بعد أشهر قليلة ليست مسألة من يكون الرئيس اللبناني الجديد، انما هل تجري انتخابات الرئاسة أم لا؟ ويعزز هذا التساؤل المقلق ان أطراف الصراع يستعدون منذ الآن لأسوأ الاحتمالات والسنياريوات بما في ذلك احتمال الوصول الى quot;رئيسين وحكومتينquot;.

يحصل ذلك في حال أصرت الأكثرية على انتخاب رئيس من صفوفها بالأكثرية المطلقة، أي بنصاب دون الثلثين، وفي جلسة تعقد quot;حُكماquot; ومن دون دعوة من رئيس المجلس قبل عشرة أيام من انتهاء الولاية الممددة للرئيس الحالي إميل لحود . وفي هذه الحال سيحصل الرئيس الجديد على اعتراف دولي لكنه سيكون مطعونا في شرعيته ودستوريته quot;داخلياquot; من المعارضة التي ستتمسك في هذه الحال بلحود كرئيس أمر واقع بعد انتهاء ولايته الدستورية الممددة، وبعد أن تكون قد أعدت لحكومة موازية من خلال مرسوم يصدره رئيس الجمهورية ، وإن خلافاً للدستور باعتبار أن الحكومة الحالية حكومة مستقيلة.

هكذا تكون العقد مترابطة وحل إحداها يقود الى حل الأخرى والعكس صحيح. فإما تسوية شاملة او لا تسوية ولا حل لأي موضوع. إما توافق على المحكمة الدولية والحكومة يفتح طريق التوافق على الرئاسة، وإما لا محكمة ولا حكومة ولا رئاسة.وأصلاً تركيبة لبنان معقدة.