أحصنة السباق على السلطة في باكستان
سيناريوهات عودة شريف... والمواجهة مع مشرف وبوتو
المحكمة العليا الباكستانية قضت برئاسة قاضي القضاة افتخار تشودري ndash; الذي عاد لتوه إلى منصبه بعد أن عزله مشرف ndash; بأن عائلة شريف بجميع أفرادها حرة في العودة إلى بلدها. مشرف عزل نواز شريف من رئاسة الوزراء في انقلاب 1999، بعد أن حاول شريف منع الطائرة التي تقل مشرف والقادمةً من سريلانكا من الهبوط على الأراضي الباكستانية، مهددًا حياة مشرف والركاب الآخرين مما دفع جنرالات الجيش للدفاع عن قائدهم وإرسال نواز الى سجن قلعة اتوك العتيد الذي بناه المغول على مرتفع يمر بجانبه نهر كابول ويخشى الناظر له أن يمد النظر أو يطيله إلى هذا السجن الكبير، وهو يقود سيارته في الطرق التي تلتف حول السجن القلعة منطلقة إلى الجسر المقام في النهر فاصلاً بين اقليم البنجاب الباكستاني واقليم الشمال الغربي الذي تعرف عاصمته ببيشاور، خشية من أن تلصق به تهمة ما ويصبح نزيل سجن لا يمكن أن يصل إليه إلا افراد القوات المسلحة الذين لا وقت لديهم للاستماع إلى اي شكاوى أو تذمر، ناهيك عن قدرة ادارة السجن على معرفة احوال قاطنيه من السجناء الذين تنقطع حياتهم عن العالم الخارجي بمجرد دخوله.
التهم التي جمعها نواز حول عنقه او التي من شأنها في ذلك الحين ان تتركه متخمرًا وراء القضبان بقية سنين حياته، كانت تضم بين العديد منها اختطاف الطائرة التي تقل قائد الجيش والفساد بمجاميع ما يمكن أن يضمه من صنوف مختلفة. إلا أن نواز محظوظ لدرجة خروجه من هذا السجن وإلغاء التهم عنه والعيش ايضًا في السعودية ndash; حلم الباكستانيين بغنيهم وفقيرهم الذهاب إليها حتى إن منهم من يحج إليها كل عام من دون انقطاع. ولم يسكت نواز وهو في السعودية عن المضي قدمًا في هوايته، وهي مواصلة أعماله الاقتصادية والتجارية وما يتعلق منها على وجه الخصوص بالحديد والصناعات المشتقة منه ودخل في صفقات مع جهات هندية في هذا المجال.
اذا تمكن نواز شريف من اتخاذ قرار حتمي ومؤكد بالعودة الى باكستان في الأيام الأولى من شهر أيلول/سبتمبر، فإنه لن يفوته أن يرسل شقيقه شهباز شريف قبله الى مدينة لاهور عاصمة اقليم البنجاب لكي يقوم باعداد شوارعها بطريقة تكتظ فيها جوانبها بالمرحبين بنواز شريف ابن المدينة. ولعل شهباز سيبدأ هذه التحضيرات من منطقة موديل تاون ndash; التي فيها منازل العائلة الشخصية ndash; أو ربما بدأ من المول رود الذي على جانبيه ومن مسافة متقاربة مقر حاكم إقليم البنجاب ومقر رئيس وزراء الإقليم الذي تعرض فيه شهباز شريف لصفعة قوية على وجهه، عندما رفض الإمتثال لأمر ضابط عسكري صغير طلب منه إخلاء مقر رئاسة وزراء الاقليم وقت تنفيذ انقلاب عام 1999، انتقامًا لما تعرض له مشرف.
من السياق يتضح أن المواجهة بين نواز شريف وبرويز مشرف يطغى عليها النفور والعداء الشخصي بينهما، ولا بد أن نواز شريف يعض اصابعه ندمًا لأنه اقدم على تعيين مشرف قائدًا للجيش عندما كان رئيسًا للوزراء متخطيًا بذلك اربعة جنرالات آخرين كانوا أقدم وأحق منه بالمنصب.
شهباز سيحاول اذا تمكن من العودة أن يقوم بتسيير مسيرات شعبية ضخمة في انحاء مدن اقليم البنجاب الذي يتمتع فيه حزبه بنفوذ كبير لا تستطيع بينظير بوتو مجاراته، إلا بإقليم السند الذي تنتمي عائلة والدها إليه. الهدف من هذه المسيرات اذا ما تمت هو اظهار عضلات حزب نواز شريف امام منافسيه على السلطة وخصوصًا حزب الرابطة الاسلامية الباكستانية ( مجموعة كاف ) الحاكم برئاسة تشودري شجاعت حسين والذي يسمى حزب الملك بسبب موالاة قادته للرئيس مشرف، منذ أن انشقت هذه القيادات عن نواز شريف بعد الانقلاب والتي بدا بعضها في ترك حزب الملك والاتجاه مرة اخرى نحو حزب نواز شريف بعد أن ظهرت محاولات مشرف الهادفة إلى استمالة بينظير بوتو إلى جانبه وهو ما يعتبر تخليًا عن القيادات البرلمانية التي دعمته طوال الخمسة اعوام الماضية وتفضيل حزب بينظير المعارض له عليها. واذا ما عاد نواز شريف فانه سيبدأ في ما وصفه بحملة تحدي النظام العسكري القائم في بلاده.
ولكن مشرف وداعميه من الدول الغربية ينظرون إلى القضية من جهة اخرى. وهي الجهة التي تبقي على مشرف كمركز رئيس للأحداث السياسية في باكستان ومن حوله حكومة وطنية تتم اقامتها بعد تمكينه من تحسين اوضاعه المبعثرة حاليًا. يدعم وجهة النظر هذه الجنرال جامشيد اياز خان رئيس المركز الوطني للابحاث والمخططات الاستراتيجية في معهد الدراسات الإقليمية في اسلام آباد، والذي يؤمن جادًا بأن إطار عمل السياسة الاميركية للمنطقة يرتكز على المحافظة على بقاء مشرف كقائد مركزي لباكستان، وأنه سيتم اقناع الاحزاب السياسية الاخرى على تقديم الدعم له.
وهذا ما استدعى قيام بينظير بوتو إلى التخاطب مع مشرف، وسوف تلتقيه مرة ثانية في غضون اسبوع من اجل العودة إلى بلدها من منفاها الذاتي في دولة الامارات العربية المتحدة ولكي يتقاسم حزبها السلطة مع مشرف. المشكلة الحقيقية تدور حول الرتبة العسكرية للرئيس مشرف والتي من المتوقع أن يعلن قريبًا جدًا عن تخليه عنها لتمرير صفقته مع بينظير بوتو التي امهلته يومين لاتخاذ قرار حاسم بشأن تخليه عن البزة العسكرية والتقاعد من الجيش والذي كان مقررًا أصلاً في عام 2000، واتفق مشرف مع التيار الديني على التقاعد بحلول 31 كانون الأول/ديسمبر 2004 ولكنه لم يفعل، وتحدث مشرف كثيرًا عن انه سيتخلى عن البزة العسكرية ولكنه لا يزال يرتديها. بل ان هناك عدم ارتياح بين صفوف الحزب الحاكم الموالي لمشرف بسبب رغبة الأخير في اعادة انتخاب نفسه بالبزة العسكرية، وهو ما جعل احد الوزراء يستقيل من منصبه احتجاجًا على ذلك وقيام اخرين بنفث إستيائهم في سماء البرلمان الوطني والبرلمانات الاقليمية مما يزيد من تعكير الاجواء المحيطة بمشرف.
ان الوضع الراهن من شأنه ان يؤدي الى اقامة حكومة وطنية تخضع لتوجهات مشرف من دون البزة العسكرية، وسيكون نواز شريف مجذوبًا نحو المشاركة فيها ومعه الاحزاب السياسية الكبيرة الاخرى، وسيكون ذلك بدوافع المصالحة السياسية والضغوط الخارجية على قيادات الاحزاب الباكستانية وهي ضغوط تحكمها مصالح هذه الأحزاب مع تلك الجهات الاجنبية.
ولكن يبقى من الضروري أن يتم انتخاب مشرف أولاً بالبزة العسكرية ولفترة انتقالية وذلك لضمان انتقال ثلث السلطة إلى الحكومة القادمة، ويبقى أن توافق بينظير بوتو على ذلك باعتبار أن بيدها الكثير من المفاتيح وأكثر مما بحوزة نواز شريف. والجيش الباكستاني يعي تمامًا أن مشرف لا يستطيع الاستمرار ببذلته العسكرية، لما ألحقته سياساته من ضرر وتذمر بين اوساط فئات كثيرة من الجيش الباكستاني وهي السمعة التي يرغب قادة الجيش في تغييرها نحو الأفضل.
عناوين الصحف الباكستانية ستمتلئ إلى ذروتها في الأسابيع القادمة بسياسة الشارع والمسيرات، ولكن من غير المحتمل أن تقدم الولايات المتحدة وحلفاؤها في الحرب ضد الإرهاب على تغيير احصنتها في ساحة سباق السلطة في باكستان ndash; حاليًا على الأقل. فهم يرغبون في إبقاء زمام الأمور بيد مشرف لحين ضمان وصول حكومة مدنية قوية الى السلطة في اسلام آباد.
التعليقات