قصة quot;الختيارquot; الذي حقق إنتصاراته عبر التلفزيون فقط (4/6)
حينما حاول عرفات نسب الإنتفاضة الفلسطيينة إليه !
زيد بنيامين من دبي: توسع دور الفلسطينيين في لبنان أجبر اسرائيل على التدخل عسكريًا في هذا البلد والوصول الى بيروت بحلول العام 1982 بقيادة الجنرال ارييل شارون الذي أكد فيما بعد أنه كان عليه أن يقتل عرفات خلال هذا الغزو، وتلقى الفلسطينيون ضربات عنيفة حتى اجبروا على توقيع إتفاق برعاية واشنطن من أجل سحب آلاف المقاتلين من لبنان في أغسطس 1982، حيث إنتقل هؤلاء المقاتلون إلى ثماني مدن عربية وانتقل قادتهم الى تونس حيث تحول مركز عمليات منظمة التحرير. الحنين الى دولته التي اسسها في لبنان، قاد عرفات الى واحدة من اكبر مغامراته حينما قرر العودة سرًا الى هذا البلد عام 1983 ولكن مجموعات فلسطينية اخرى مدعومة من قبل سوريا وقفت في وجهه ودفعته للاستقرار في شمال لبنان، وبعد ستة اسابيع وتحديدًا في ديسمبر من ذلك العام طرد عرفات خارج البلاد كليًا.
كان لعرفات تواجد محدود في الساحة اللبنانية على الرغم من انسحابه من بيروت وانحسار المساعدات العربية عنه، وقد قضى بقية اوقاته منتقلا بين العديد من العواصم العربية بحثاً عن الدعم المالي، وقد اعطاه الاسرائيليون الحجة حينما حاولوا عام 1985 مهاجمة منزله في تونس والقضاء عليه لكن هرب من ايديهم. خلال السنوات التالية، تراجع دور عرفات كثيرًا وبصورة تدريجية حتى بات يعيش على الهامش في المشهد العربي، واصبحت لديه قناعة تامة بأن البقاء على الساحة السياسية يتطلب منه تغييرًا تامًا في التوجهات والتكتيك.
وما بين نهاية الستينات التي شهدت اعلان عرفات quot;اشعال الثورة المسلحة في جميع اجزاء ارضنا الفلسطينيةquot; من اجل تحويلها quot;الى حرب تحرير ضد اسرائيلquot; وبين نهاية الثمانينات التي شهدت ادارك عرفات ان اسرائيل لا يمكن قهرها بالقوة، وان حربه لم تصل يوماً الى حرب تحرير سواء اثناء استقراره في الاردن او في لبنان.. كان هناك عرفات مختلف تماماً.
جاء هذا الوعي في الوقت الذي شارفت فيه الحرب الباردة على الانتهاء، حيث انقسم الاتحاد السوفياتي المعين الرئيس للكثير من الدول العربية والمجموعات المسلحة كمنظمة التحرير بصورة غير مباشرة، وكانت مصر هي البلاد الوحيدة التي نجحت في الحصول على ارضها في ذلك الوقت من خلال الرئيس المصري انور السادات الذي توصل الى عقد اتفاقية سلام استعاد بموجبها ما تبقى من ارضه وهي الخطوة التي كان عرفات قد ندد بها سابقاً ووصف السادات بانه quot;يد امريكا في المنطقةquot;، ولكن كانت الولايات المتحدة في ذلك الوقت فعلاً القوة الوحيدة التي تستيطع الضغط على اسرائيل لتقديم تنازلات سياسية.
في اواخر العام 1987 اندلعت الانتفاضة الفلسطينية دون موافقة او تشجيع من منظمة التحرير الفلسطينية في المناطق التي احتلتها اسرائيل وهو ما دفع عرفات الى المزيد من الواقعية والاعتدال في نهجه، وهو ما قاده تحت ضغط امريكي الى قبول قرار الامم المتحدة بالاعتراف باسرائيل ونبذ الارهاب لكن بعد وقت قصير سيفقد عرفات جزءً كبيرا من مكتسباته، وعرفات لم يشأ الا نسب اعمال الانتفاضة إليه، في اطار رد على سؤال طرح في هذا الخصوص quot;اعتقد انه من الواضح لكل العالم ان الجماهير هي التي تقوم بهذه الاعمال بعد ستة اشهر من اندلاعها، وهي ترفع في الوقت نفسه اعلام منظمة التحرير الفلسطينية، وتطلق الشعارات الخاصة بمنظمة التحرير الفلسطينيةquot;، مضيفًا quot;ما يحدث اليوم في غزة والضفة الغربية ليس وليد اللحظة بل وليد سنوات من تعاظم المقاومة ومعارضة الاحتلال على مستوى جميع الاجيال، وعلى جميع المستويات، وكان القرار قرارنا بالمناسبة باستمرار هذه المظاهرات بطريقة ديمقراطية ومتحضرة في مواجهة الاسلحة الاسرائيلية باستخدام العصي والصرخات حتى يقومون بالانسحابquot;.
في الساعات الاولى من يوم الثاني من اغسطس 1990 يقرر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين غزو الكويت ويستولي فعلاً على هذه الدولة في غضون ست ساعات وتردد عرفات في الانضمام الى احد جانبي الازمة فسر على انه وقوف الى جانب الرئيس العراقي وهو ما اثار غضب الدول العربية الغنية وتقرر اثر ذلك قطع الدعم المالي الذي كان مقدماً لمنظمة التحرير الفلسطينية والبالغ 100 مليون دولار سنويًا وهنا اصبحت المنظمة اكثر عزلة عربياً من قبل.
عرفات نفى بدوره كل هذا الكلام قائلاً انه لم يقف مع صدام حسين مؤكدا في مقابلة نشرت له في تونس ان المنظمة مازالت في quot;قمتها من حيث الجماهيريةquot;، وانه (اي عرفات) quot;اكثر شعبية من اي وقت مضىquot; سواء على مستوى quot;الجماهير العربية، او جماهير الامة الاسلامية، او بين شعوب العالم الثالثquot;.
ولكن مع تراجع الاموال في خزائن منظمة التحرير اصبح امر الاطاحة بعرفات من رأس المنظمة وارداً ومطلباً يزداد صداه يوماً بعد يوم، لهذا كان الحل الوحيد امامه هو الهروب نحو مفاوضات السلام الذي رميت حباله اسرائيل للعرب، بعد اشهر فقط من انتهاء حرب الخليج، بخروج القوات العراقية مهزومة من الكويت لكن رئيس الوزراء الاسرائيلي رابين كان متردداً بصورة كبيرة في البداية من القبول بمنظمة التحرير كطرف على طاولة المفاوضات ولكن خوفه من تنامي قوة حماس الحركة الاسلامية الفلسطينية المتشددة والتي كانت قد تأسست قبل حوالى خمس سنوات من ذلك التاريخ وتنامت قوتها في غزة وانتقلت الى الضفة الغربية اجبره بقبول عرفات في النهاية ومقاتليه الجائعين على طاولة المفاوضات.
بدأت مفاوضات السلام بين اسرائيل والعرب وبضمنهم الفلسطينيين وليس منظمة التحرير الفلسطينية من اجل السعي الى تسوية تحت شعار (الارض مقابل السلام) وبالتزامن مع ذلك بدأت مع انطلاقة العام 1992 اتصالات سرية بين ممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل في تل ابيب، وتم استكمال المباحثات في اوسلو وبحلول سبتبمر 1993 تم التوصل الى جوهر الميثاق الذي سيعقد بين الطرفين، وهو الاعتراف المتبادل بين الطرفين، وانشاء مناطق للحكم الذاتي في غزة واريحا كبداية لنقل اكبر للاراضي للفلسطينيين في الاراضي المحتلة.
ومع توقيع اتفاقية اوسلو عام 1993 وهو الاتفاق الاول بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية كان الكثيرون من الاسرائيلين يرفضون الاتفاقية ومثلهم من الفلسطنيين بالاضافة الى حصول انقسامات في فتح نفسها نتيجة هذه الاتفاقات الا ان السبيل الوحيد لتوحيدهم كان عرفات نفسه وهو ما عرفت اهميته اسرائيل كاحد النتائج غير المتوقعة للاتفاقية.
تقول حنان عشراوي احدى ابرز الشخصيات اثناء هذه الجولة من المفاوضات quot;تعليمات متضاربة، العديد من القنوات، عدم وجود استراتيجية محددة، قرارات تصدر دون بنية واضحة، عدم احترام لمواقعنا في وفد التفاوض، عدم وجود انفتاح بين اعضاء الوفد في الحديث عن كل المستجداتquot; ، وما حدث في 1993 سيتكرر مع كل جولة مفاوضات كما تقول عشراوي في مرة من المرات لعرفات quot;لم يحدث في التاريخ ان اعطى شخص مبررات وادوات لفشل وفده مثل ما فعل عرفات معناquot;.
المصادر:
ارشيف صحيفة النيويورك تايمز.
مجلة التايم الاميركية.
لقاءات اجريت مع ياسر عرفات في الصحافة الغربية ومنشورة في الارشيف البريطاني للصحافة.
في الحلقة الخامسة:
معركة عرفات القادمة: حماس!
التعليقات