quot;إيلافquot; تحاور سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي (1 من 2)
موسى: سنخوض صراعًا يعيد الأوضاع لتوازناتها الصحيحة

شعار الحزب الشيوعي العراقي
أسامة مهدي من لندن: عزا سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد موسى ظاهرة سيطرة الأحزاب الطائفية والعرقية على مقاليد الأمور في البلاد إلى تراجع الحركات الإشتراكية والقومية وضعفها، وأكد رفض الحزب لحل مجلس النواب وشدد على حاجة القائمة العراقية لإعادة نظر وتقويم جاد لأدائها حول طريقة صياغة المواقف وصنع القرارات والتشاور لإنضاج الآراء وعلاقتها بمؤسسات السلطة، ودعا إلى تغيير النظام الإنتخابي واعتبار العراق دائرة واحدة كطريقة أمثل للممارسة الديمقراطية، وقال إن بعض مسؤولي هيئة اجتثاث البعث السابقة قاموا بممارسات سيئة أو متشددة. وفي حوار على حلقتين أجرته معه quot;إيلافquot; يتحدث حميد مجيد موسى الذي يناديه رفاقه في الحزب الشيوعي quot;أبو داودquot; في الأولى منه عن التطورات السياسية في البلاد وعلاقة الحزب مع القائمة العراقية الوطنية برئاسة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي وعدم استجابته لقرارها بالإنسحاب من الحكومة وموقف الحزب من حل مجلس النواب وتشكيل حكومة إنقاذ وطني وكذلك رأي الحزب في قانون المساءلة والعدالة البديل لقانون اجتثاث البعث.

كما يتحدث سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في الحلقة الثانية عن الفساد المالي والمطلوب لمعالجته ومدى الحاجة لتغيير اسم الحزب الشيوعي وتوجهاته الفكرية والسياسية وأسباب عدم حصوله على أكثر من مقعدين في مجلس النواب، إضافة الى دوافع تعاون الحزب مع الولايات المتحدة في العراق وهو الذي بنى إرثه السياسي على مقارعة الامبريالية والرأسمالية التي تمثلها واشنطن. والحزب الشيوعي العراقي هو أعرق الأحزاب السياسية في العراق حيث تأسس عام 1934 وخاض نضالاً مريرًا ضد النظم التي تعاقبت على السلطة في العراق منذ ذلك الوقت وقدم تضحيات كبيرة في سبيل ذلك. وحميد مجيد موسى من مدينة الحلة (100 كم جنوب بغداد) وهو في بداية الستينات من عمره وعمل في صفوف الحزب في وقت مبكر من عمره وحصل على زمالة دراسية في تشكوسلافاكيا التي غادر إليها عام 1973 وعمل في منظمات الحزب في الخارج. وفي نهاية سبعينات وبداية ثمانينات القرن الماضي انتخب عضوًا في اللجنة المركزية للحزب ثم سكرتيرًا للجنة خلال المؤتمر العام للحزب الذي عقد في بلدة شقلاوة في شمال العراق عام 1993.

وفي ما يلي نص الجزء الأول من الحوار مع حميد مجيد موسى:

ظاهرة سيطرة الاحزاب الطائفية على الشارع العراقي
ما هو تحليلكم لظاهرة سيطرة الأحزاب الطائفية والعرقية على الشارع العراقي حاليًا... على الرغم من ان معظم الأحزاب العراقية قد اتفقت جماهيريًا على الفكر العلماني أو القومي أو الماركسي انطلاقًا من شعار quot;يا عمال العالم أتحدواquot;؟

-إن عوامل ضعف التيار الديمقراطي وقواه المتمثلة في جزء منها بالحزب الشيوعي، تشكل هي ذاتها ظروفًا أنسب لقوى أخرى. فالتيار الإسلامي لم يشهد حركة صعود ومد في العراق فقط، وإنما كان ذلك تعبيراً عن ظاهرة إقليمية، بل وعالمية. كما ان هناك الكثير مما ساعد القوى الإسلامية على مواصلة النشاط غير الظاهر والترويج الضمني لسياساتها في الداخل، وقد أفادت من تلك الأجزاء التي لم يصبها أذى في ظل النظام الحاكم، مثل المساجد والحسينيات التي بقيت عاملة بطريقة أو أخرى في ظل النظام السابق، وكانت عونًا وأساسًا ماديًا لها عند سقوط النظام، كي تتحول الى قوى سياسية فاعلة بسرعة. وقد أفادت هذه القوى والأحزاب كما سبق القول من المد العالمي والمد العام، في مقابل ما واجهته الحركات الاشتراكية والقومية من ضعف وتراجعات على أكثر من صعيد، إضافة الى عدم توفر الفرصة للمواطن العراقي للتعرف مجدداً إلى الأفكار والماضي وتفسير الأحداث، كي يستطيع التمييز والاختيار بحرية . وفي ظل الظروف الجديدة استمر عنصر الخوف الذي كان مهيمنًا أيام الدكتاتورية والاستبداد بأشكال أخرى. وانتهى السعي الى تأمين الحماية للذات بالكثيرين الى ما هو مشاع ومتيسر ومعروف في الموروث الشعبي، واعني الطائفة والعشيرة وغيرهما من التشكيلات تحت الوطنية، بما يؤمّن السلامة لهم ولعائلاتهم ويحميهم من خطر الضياع وفقدان الوظيفة وضياع الممتلكات. خصوصاً حينما شاعت الفوضى في البلاد بعد أن استتب الأمر للاحتلال وسلطته. وفي اعتقادي ان هذه كلها، فضلاً عن مساهمة القوى الإسلامية الأساسية في الصراع ضد الدكتاتورية وتحملها أعباء ذلك النضال، تسجل لها وقد ساعدت على نمو تيارها وحصوله على مواقع مهيمنة بفضل الانتخابات التي جرت مبكرا . لكن هذا لا يعني بعد أن الأمور قد استتبّت وانتهت لصالح تيار وهزيمة تيار آخر، فكما أسلفت نحن امام جولات في الصراع الاجتماعي والسياسي السلمي، وعلى اساس مصالح الناس ومن يمثلها ، جولات تعيد الأمور الى نصابها وتوازناتها الصحيحة.

دعوات حل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة

* ما هو موقف الحزب الشيوعي العراقي من الدعوات الحالية لحل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة؟
- الحزب الشيوعي لا يتبنى الدعوة الى حل مجلس النواب، وهو ينطلق في ذلك من القناعة بأن أي انتخابات جديدة في هذه الأوضاع السياسية المعقدة والتي لم تستقر بعد، لن تأتي بتركيبة برلمانية تختلف كثيرًا عن التركيبة الحالية. فبدلاً من المضي في لعبة الانتخابات المبكرة، يبدو الاسلم ومن باب أولى أن يجري التركيز على معافاة الوضع السياسي، وتحقيق الأمن والاستقرار وإعادة الإعمار، بما يمكن المواطنين من ممارسة حياة طبيعية دون خوف او مواجهة ضغوط قد تجبرهم على اختيار من لا يمثلهم . حياة توفر لهم المناخ والظروف السياسية الأنسب لاختيار من يمثلهم، أحزابًا أو شخصيات، على أساس برامجهم السياسية وعلى أساس سلوكهم العملي وخصالهم الفردية.

طريقة الانتخاب ومدى ضرورة تغييرها

* ما رأيكم بطريقة الانتخاب الحالية، القائمة على القوائم المغلقة؟ هل تدعون إلى تغييرها... كيف، ولماذا؟
- نحن من أنصار (العراق دائرة واحدة) والانتخابات النسبية ، وهي الطريقة التي اعتمدت في انتخابات الجمعية الوطنية. فتلك هي الطريقة الأمثل للممارسة الديمقراطية وللتعبير عن مشاركة كل التنوع الفكري - السياسي في المجتمع، ولضمان مساهمة النساء والأقليات في البرلمان القادم.

الحل لانسحاب الكتل السياسية من الحكومة

* كيف ترون الحل الأمثل لإنهاء مشكلة انسحاب الكتل السياسية من الحكومة؟
- المطلوب هو العمل على جبهتين.الاولى هي جبهة الحكومة وخاصة رئيسها، في بذل ما هو ممكن من جهد لفتح الحوار، ومعالجة القضايا التي طرحتها القوى المنسحبة، والسعي معها للوصول الى مشتركات من شأنها أن تؤمن عودة المنسحبين. ويتمثل الجانب الثاني في مسؤولية المنسحبين أنفسهم في ان يظهروا المرونة ويقدموا التنازلات، بما يساعد على استبعاد الانسحاب، والعودة الى العمل المشترك مع القوى الأخرى، لما فيه مصلحة العراق ومصلحة تطوير أداء الحكومة ومصلحة العملية السياسية وتقدمها .

موقف الشيوعي من الانسحابات من العراقية
* شهدت القائمة العراقية مؤخراً انسحابات من عضويتها... فما هو موقفكم من ذلك؟ وهل لديكم خطط للسير على الطريق نفسه؟
- من حق المنسحبين ان يمارسوا حريتهم. فهم دخلوا القائمة الانتخابية بإرادتهم الحرة، ولهم الحق في ان ينسحبوا من قوامها، خصوصاً وان انسحابهم لم يكن من دون أسباب وجيهة، وانما ارتبط بانتقادات لطريقة أداء القائمة، ولكيفية صنع القرار فيها ومواقفها السياسية. نحن نحترم قناعات هؤلاء الزملاء، بل ونتفهم انتقاداتهم. اما بالنسبة إلينا فنأمل ألا نصل درجة القطيعة مع القائمة، ونعلن نحن ايضا انسحابنا منها.

امتناع الشيوعي عن سحب وزرائه استجابة لقرار العراقية

* لم تستجيبوا لقرار القائمة العراقية التي تنتمون إليها بسحب وزرائها من الحكومة... لماذا؟
- لان ما اتفقت عليه القائمة أصلاً هو المساهمة في حكومة السيد المالكي والسعي من داخلها، عبر المشاركة الفاعلة فيها، لتطوير أدائها. فالانسحاب - في رأينا ndash; خطوة تؤدي الى إرباك الوضع وتعقيده، والى إضعاف مساهمة القائمة. لهذا وشعوراً منا بالمسؤولية، وبضرورة أن نمارس دورنا في إصلاح العملية السياسية من داخلها وتطوير أداء الحكومة، لم نستجب لفكرة الانسحاب من الوزارة. وبذلك نكون في الوقت نفسه قد أكدنا تمسكنا بالأسس والمبادئ ذاتها، التي اعتمدناها حين ساهمنا في تشكيل القائمة العراقية الوطنية. فالدخول في قائمة انتخابية لا يعني إطلاقاً ولا يمكن أن نفهمه باعتباره مصادرة لحق أي من أطرافها السياسية، في التمتع باستقلاليته الفكرية والسياسية والتنظيمية. فبإمكان أي طرف يرى أن موقفاً معينا لا ينسجم مع الاتفاق العام ويتعارض مع خطه ونهجه، أن يعتمد ما يراه منسجماً مع مصالحه وتوجهاته الفكرية والسياسية.

حاجة القائمة العراقية لإعادة نظر
* هل تعتقدون ان القائمة العراقية بحاجة الى إعادة نظر في طريقة عملها وتشكيلتها.. وكيف يكون ذلك؟
- القائمة العراقية استحقت إعادة النظر والتقويم الجاد لأدائها منذ زمن. والحديث يدور حول طريقة صياغة المواقف وصنع القرارات، وطريقة التشاور لإنضاج الآراء، وحول علاقة القائمة بمؤسسات السلطة : البرلمان، الوزارة والمجلس السياسي للامن الوطني . فالقائمة العراقية بحاجة الى نظام داخلي ديمقراطي يؤطر علاقات أعضائها، ويضمن مساهمة كل الأطراف في صياغة مواقفها، وفي الوقت ذاته يرسخ قناعة جمهورها في ما يتخذ من خطوات ملموسة وقرارات سياسية مهمة، تتعلق ليس بأداء الكتلة البرلمانية، وانما بحياة ومصائر من انتخبوها. وهذا الاستحقاق ما زال قائما، والقائمة العراقية بأمس الحاجة اليه، ولن تستطيع ان تواصل عملها كقائمة ائتلافية من دونه أو من دون تحقيقه.

قانون المساءلة واجتثاث البعث

* ما رأيكم في قانون المساءلة والعدالة الجديد؟ هل تعتقدون أنه بديل عملي لقانون اجتثاث البعث، ولماذا؟
- قانون المساءلة والعدالة الجديد الذي ينبغيأن يحل محل قانون اجتثاث البعث، والممارسات السيئة أو المتشددة التي اتسمت بها إجراءات وتصرفات بعض مسؤولي هيئة اجتثاث البعث السابقة، هو حاجة ومرتكز أساسي من مرتكزات المصالحة الوطنية. لا شك ان هذا القانون هو محصلة لتوازن القوى الحالية السائدة في البلد، محصلة لمختلف عناصر التأثير في مضامين القوانين الجديدة، وأيضاً محصلة للظروف السياسية المعقدة التيما زال يئن منها الوطن، وهو يواجه الارهاب والتخريب والفساد والمفسدين. على كل حال، هو ليس القانون المثالي، لكنه يمثل خطوة أفضل ملموسة قياساً الى القانون السابق، ففيه إصرار على التمييز بين المجرمين المسؤولين عن موبقات النظام السابق وأدواته الحقيقية، وبين الكثرة من أعضاء البعث الذين لم يتورطوا بما يلطخ أياديهم أو سمعتهم بجرائم. وهذه ضرورة سياسية مهمة في الوقت الحاضر. وهو من ناحية ثانية يتسم بجانب إنساني عميق، واقصد السماح لهذه الجمهرة الواسعة ولعوائلهم بالاستفادة من إمكانية العودة للمساهمة في بناء الوطن والعمل في دوائر الدولة. صحيح ان القانون قد استثنى بعض الفئات المتقدمة في حزب البعث من بعض الوظائف، لكن هذه ليست إشكالية كبرى في الوقت الحاضر. والمهم ان تترتب لكل هؤلاء فرص العمل وامكانية العودة الى الوظائف المدنية، وتأمين التقاعد لهم ولعوائلهم ان لم يستطيعوا العودة الى الوظائف المدنية. وهذا أيضا مهم لسحب البساط من تحت أقدام الجوع والتجويع ، إن صح التعبير، لكي لا يضطر هؤلاء للانسياق وراء المخربين والإرهابيين. ومن ناحية ثالثة، وهذا ملمح أساسي ومهم ، يحيل القانون الجديد حسم قضايا البعثيين الى القضاء لتعالج وفق القانون، ولا يتركها بيد سياسيين قد يتأثرون بنزعات الثأر والانتقام.

هذه برأيي ابرز الملامح الايجابية التي ينطوي عليها القانون الجديد، وهو بذاته، شأنه شأن الكثير من القوانين التي يجري تشريعها في الوقت الحاضر، يتوقف تحقيق اهدافه على الجهاز التنفيذي الذي سيتولى مهمة تطبيقه. فعلينا ان نحسن اختيار الهيئة المسؤولة عن تطبيق المساءلة والعدالة، وأن يجري الإصرار على اختيار هؤلاء المسؤولين من بين من يتميزون بالحيادية والمهنية والنزاهة والاستقامة والإيمان بالمصالحة الوطنية. هذا اضافة الى تفعيل ما نص عليه هذا القانون بشأن الرقابة المباشرة والارتباط المباشر بمجلس النواب.