طارق عزيز.. رجل الدبلوماسية والنظارة السميكة والسيكار (2/8)
الطريق الى مجلس قيادة الثورة .. وأسباب قطع القمح عن العراق

طارق عزيز: معاهدة جبر- بيفن صنعته سياسيًا ووجد في البعث

زيد بنيامين من دبي: وجد الاميركيون حزب البعث في السلطة فجأة في عام 1963، quot;وقتها كنت رئيساً لتحرير الصحيفة الناطقة باسم الحزب وقد التقيت بالعديد من الصحفيين القادمين من بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي ولكن عدد الصحفيين الاميركيين كان قليلاً مقارنة بهولاء، كان يرأس الولايات المتحدة في ذلك الوقت كينيدي ومن ثم جونسون، ويمكن وصف تلك العلاقات العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق بالمحدودة للغاية، سفارة اميركية في بغداد ومثلها عراقية في واشنطن، لكنني لا اتذكر اي اهتمام استثنائي بالنظام القائم، ثم شهد النظام انقلاباً وصادف وجودي وقتها في سوريا، وقد عشت لمدة عام في السجن في هذا البلد لذلك لم تكن تصلني المعلومات بدقة، لكننا اخبرنا ان عدد من عملاء السي اي ايه اصبحوا اكثر فعالية بين سياسي الحكومة القائمة وبين التجار والضباط، ربما كان الامر مجرد اشاعات او قد يكون الامر صحيحاً وقد ظهر ان بعض ما روج في هذا السياق قد اصبح حقيقة، لانه فعلاً وجدنا ان البعض لديه ارتباطات مع الاميركيين، ولكننا لم نجد في النهاية ان هذا يعتبر تدخلاً اميركيا قوياً في البلاد، لم يكونوا مهتمين بالعراق على هذا المستوىquot;.

تولى طارق عزيز رئاسة صحيفة (الجماهير) الناطقة باسم البعث اولاً حيث كان قد تخرج من قسم اللغة الانجليزية في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد وعمل صحفياً حتى قبل تخرجه لينضم الى البعث في عام 1957.

كان طارق عزيز من بين الطاقم الذي وصل الى السلطة في العراق مع انقلاب السابع عشر من تموز (يوليو) 1968 رغم بقاءه بعيداً عن الحلقة الداخلية لمساعدي الرئيس العراقي احمد حسن البكر ومساعده صدام حسين والذي مثل الرجل القوي في البلاد في سنوات لاحقة من حكم البكر وحينما بدأ السيد النائب يجمع حلقة من الرجل المخلصين من حوله اصبح طارق عزيز احد هولاء اللذين راهنوا على الرجل الصحيح.

اصبح عزيز عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في عام 1974 وحتى عام 1977 وخلال هذه الفترة وما تلاها عرف عزيز بأنه (القلم الرسمي) لمن سيكون رئيس العراق حيث سيكتب صدام حسين خلال السبعينات سلسلة من المقالات بقلم عزيز نفسه او يدعو الاخير ليكتب بدلاً عنه في فترة سياسية اتصفت بالهجومية وكانت ابرز تلك المقالات مقال حمل عنوان (الدم لا الدولار ايها السادة) والذي كتب لمهاجمة الدول العربية والخليجية منها على وجه التحديد والتي قررت تقليل صادرتها من النفط الى العالم تدريجياً بنسبة 5% على خلفية حرب اكتوبر بين مصر وسوريا من جهة واسرائيل من الجهة الاخرى.

في الثلاثين من نوفمبر 1974 اعلن عن سلسلة قرارات جديدة في بغداد، حيث شهدت الحكومة عدة تغيرات وقد حملت طارق عزيز الى الواجهة بعد ان جاءت برجال صدام حسين الى السلطة بقوة لم يسبق لها مثيل حيث تولى عزيز وقتها وزارة الثقافة والاعلام وتراجع مكان العسكريين البعثيين في السلطة.

يقول عزيزquot;خلال تلك الفترة كان الاهتمام منصباً لتطوير البلاد، واستمر الرئيس صدام حسين في رئاسة مجلس التخطيط المسؤول عن التطوير وقد تولى الامر منذ بدايات العام 1970 وكنت وقتها وزيراً للاعلام، وقد شعرت باهمية التغيير وعملت على تطبيق ذلك على الواقع في الحزب، وقد ارادنا ان نكون في ذلك المجلس، ليس فقط للمناقشة فيما يخص الامور التقنية والاقتصادية ولكن لاعطاء تحليل سياسي ونظرة سياسية حول افضل طريقة للتعامل مع العالم، لاننا كنا نريد تحويل العراق الى بلد متطور جداً صناعياً، خدماتياً وتكنولوجياً وعلى مستوى التعليم ولم يتغير الامر حتى في الحرب العراقية الايرانية، لم يتغير طموحنا بتغير الظروف التي اصبحت اصعب وقت الحربquot;.

خلال تلك الفترة كان صدام حسين قد تحول الى الرجل القوي في العراق بفضل غياب اجبرت عليه الظروف للرئيس العراقي احمد حسن البكر الذي فقد ابنه منتصف السبعينات ومن ثم زوجته قبل ان تتراجع صحته ويغيب عن ممارسة مهامه الرسمية، فيما كانت الظروف المحيطة للعراق تتغير بسرعة كبيرة حتى جاءت بالخميني الى الحكم في ايران وهنا يعلق عزيز بالقول quot; لا علاقة لتنحي البكر عن السلطة بمجيء الخميني لحكم ايران، لقد كان الرئيس البكر السكرتير العام للحزب ورئيس للدولة وكنا نحترمه كثيراً، رغم ان الحقيقة تقول ان الرئيس الحقيقي للبلاد كان صدام حسين، صدام حسين كان رجلاً صبوراً، ولم يقفز مباشرة الى السلطة، ولقد خدم تحت حكم الرئيس البكر بولاء وصدق تام، ولكن الرئيس البكر اصبح وقتها كبيراً في العمر ومريضاً، وقد ادرك هو نفسه انه لا يمكنه حكم العراق والذي كان يصبح يوماً بعد يوم اكثر اهمية عالمياً، لم يكن يعجبه حضور الاجتماعات الاسبوعية، وكذلك اتمام امور الحكومة اليومية، وكان اغلب العمل يذهب الى مجلس التخطيط برئاسة نائب رئيس الدولة صدام حسين وقتها، واصبح الوضع حرجاً للغاية، وقد دقت الساعة التي عرف خلالها انه لا يستطيع اتمام الامور بهذه الطريقة، وبالتالي قالها في اجتماع رسمي، اخبر مجلس قيادة الثورة وقيادة الحزب بانه يريد الرحيل بطريقة هادئةquot;.

تحول طارق عزيز وبسرعة الى اول صانعي الاحداث في سياسة الرئيس العراقي صدام حسين، فبعد ان نجا من مجزرة الرفاق في 21 يوليو 1979 والتي قتل فيها العديد من مسؤولي البعث العراقي بتهمة التأمر لقلب نظام الحكم سيكون عزيز ابرز الوجوه التي سيتم الاستعانة بها لقيادة العراق الى الحرب مع ايران، حيث ستستهدفه محاولة اغتيال اثناء قيامه بحضور تأبين لطلبة الجامعة المستنصرية في بغداد ويقود المحاولة حزب الدعوة الد اعداء النظام العراقي، كانت مجزرة الرفاق (رد) صدام حسين الرسمي على كل من عارض استقالة البكر ومجيئه الى السلطة وانذاراً لرفاق المستقبل من مصير سيلقاه اي خائن يفكر بمكان صدام نفسه.

كانت مهمة طارق عزيز خلال الحرب مع ايران الدفاع عن صورة الرئيس العراقي صدام حسين بالاضافة الى مهمته الاخرى التي كانت واضحة منذ العام 1982 للسعي لانهاء ما عرفه العراق بـ (قادسية صدام المجيدة) حينما اصبحت الحرب لعبة الخميني وخرجت عن سيطرة صدام حسين، كانت الصورة الديمقراطية لنظام صدام حسين محط تسأول لدى الغرب في وقتها quot;ما لا تعلمونه ان علينا ان ندفع الشعب العراقي الى الامام 200 عام بعيداً عن القرون الوسطى عن طريق التعليم والانضباط وليس عن طريق الافكار الرجعيةquot; ويضيف quot;ان بلدنا يقطع العديد من المراحل التي كان يجب ان يمر بها خلال وقت قصيرquot; .

في عام 1983 زار طارق عزيز مصر في اول زيارة لوزير خارجية عربي للقاهرة منذ ان قررت قمة بغداد في عام 1978 مقاطعة هذا البلد على خلفية التوقيع على معاهدة كامب ديفيد، وكانت هذه الزيارة تمهيداً لاعادة العلاقات بين البلدين في عام 1987 كما قاد خلال تلك الفترة الجانب العراقي في مفاوضات مع فرنسا للحصول على قرض من اجل الحصول على طائرات تستطيع استهداف قواعد الصواريخ الايرانية من مسافات عالية.

وفي العام التالي كان عزيز عراباً لاعادة العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق (سترد تفاصيل ذلك في حلقة قادمة) حيث كان اول من اطلق صفة (شهر العسل) على العهد الدبلوماسي الذي بدأ بين البلدين quot;لقد نضجنا الان، كنا كالمراهقين والهواة، ولكننا وصلنا الى مرحلة النضج، فالناس تكبر في النهاية، هذا كل ما في الامرquot;.

وبرغم ان صدام حسين كان يظهر في العديد من الصورة الصحفية والمتلفزة عسكرياً الا ان عزيز وبحكم عمله في العديد من الصحف العراقية كان يعي جيداً اهمية الصورة بالنسبة للخارج فكان غالباً ما يرتدي افخر الملابس الى جانب نظاراته السميكة وسيكاره ويبتعد في اغلب الاوقات عن الملابس العسكرية.

كانت مهمة عزيز الاساسية خلال هذه الحرب الدفاع عن صدام حسين واقناع الاخرين ان الحرب قد بدأت قبل الثاني والعشرين من سبتمبر (ايلول) 1980 اي قبل ان تتجاوز القوات العراقية الحدود بين البلدين وتدخل في العمق الايراني، كما كان ينفي على الدوام شبهة استخدام الاسلحة الكيمياوية في الحرب حتى انه مازح احد الصحفيين الاميركيين منتصف الثمانينات حينما وجه سؤالاً له بهذا الشأن فرد عزيز قائلاً quot;هل شممت رائحة غاز هنا يا صديقي؟!quot;.

بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية دخل العراق الى مرحلة جديدة، فبدأ صدام حسين يقدم نفسه على انه الاجدر بحماية الخليج من الولايات المتحدة الاميركية وكانت الولايات المتحدة تنتظر من صدام حسين دوراً اكبر في مسألة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.

وجاء التحول الكبير بعد تأسيس مجلس التعاون العربي والذي ضم العراق ومصر واليمن والاردن، وكانت مصر تحاول من خلاله احتواء العراق كي لا يأخذ دورها عربياً بعد ان وقعت القاهرة اتفاقية كامب ديفيد في نهاية السبعينات وكانت بغداد قد انتهت تواً من حربها وبدأت تعود الى ممارسة دورها الاقليمي القوي.

يقول طارق عزيز quot;العديد من القادة العرب تلقوا رسائل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي تحثهم على ضرورة اتخاذات قرارات ملزمة بضرورة تسوية النزاع في العربي الاسرائيلي الذي دام 40 عاماً حتى الانquot; ويواصل عزيز قوله quot;هذه الرسائل اقل ما يقال عنها انها تتجاوز كل البروتوكولات الرسمية وتبين سعي محموم من قبل القوتين العظميين عالمياً لتسوية هذا النزاع والتوصل الى اتفاقية سلام لازمة الشرق الاوسط بعد سنوات من المواجهات المحتدمة بين القوتينquot;.

المصادر:
مجلات (التايم، فورين افيرز، نيوزويك) الاميركية
ارشيف صحيفة النيويورك تايمز
ارشيف صحيفة لوس انجلوس تايمز
لقاء لطارق عزيز مع برنامج (الفرونت لاين)

في الحلقة الثالثة:
quot;التعاون الاستخباراتي بين الـ CIA والعراق انتهى بحلول عام 1988 حينما انتهت الحرب العراقية الايرانيةquot;
روبرت غيتس
رئيس الـ CIA الاميركية في شهادته امام لجنة الاستخبارات الاميركية في 19 سبتمبر 1991.

[email protected]