طارق عزيز.. رجل الدبلوماسية والسيكار (5/8)
القيادة درست موضوع غزو الكويت منذ نهاية يونيو 1990!

زيد بنيامين من دبي: كانت الاجواء متأزمة تمامًا، فصدام حسين لا يزال يدفع ثمن تصريحه الأخير بأنه سيحرق نصف اسرائيل وما زالت كلمات الرئيس صدام حسين في اجتماع القمة العربية الإستثنائي في بغداد لا تجد لها صدى لدى عدد من الدول الخليجية ومنها الكويت... يقول عزيز quot;بحلول 17 يوليو لم يكن اي شيء قد تغير، لقد تصرف الكويتيون بإهمال وبصورة تنم عن عدم المسؤولية وهو ما قادنا الى ما وصلنا إليه فيما بعد، لم يأتِ موضوع الكويت الى ذهن القيادة الى نهاية يونيو 1990 كنا وقتها نأمل ان تكون جهودنا قد حققت النجاح، وكانت القمة العربية قد انتهت قبيل بدء الشهر، وقد ذهب نائب رئيس الوزراء لرؤية الملك فهد وقد وعده الاخير بفعل شيء لكنه لم يفِ بوعده، ومع نهاية يونيو بدأنا نفكر بوجود مؤامرة ضد العراق تقوم بها الكويت مدعومة من الولايات المتحدة، وحينما اتفقنا على هذه الرؤية كان الوقت قد حان للتفكير بردة فعل ضد اعدائنا المستقبليين!quot;.

كان صدام مهوساً بنظرية المؤامرة وكانت القيادة مختصرة في شخصية واحدة الا في حال الحاجة الى حجج للتراجع quot;تحليلنا انه ليس بالامكان لامارة صغيرة كالكويت ان تزعج العراق ان لم تكن خلفها الولايات المتحدة، كنا نتوقع هجوما اميركيًا او اسرائيليًا او كلاهما سواءً بوجود الكويت او من عدمها، وخصوصًا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي حيث بدأ الرئيس بوش يعتقد انه اقوى رئيس في الشرق الاوسط وقرر استلام الامور في المنطقة ووضع يده في نفط المنطقة وهو امر لا يستطيع القيام به من دون تدمير العراق وآلته العسكريةquot;.

لكن ما يبدو من اجابة عزيز ان القيادة العراقية ظنت ان دخولها الكويت لم يكن ليحظى بردة فعل اميركية quot;في 1975 ndash; 1976 اجتاحت سوريا لبنان من دون ان يحظى هذا الاجتياح بردة فعل عالمية، كانت هناك العديد من الثورات والانقلابات وتغيير الملوك والرؤساء في شتى انحاء العالم وكنا نمتلك في الوقت نفسه علاقات قوية مع الاتحاد السوفيتي، ولكن على الرغم من كل ذلك لم نفكر في الكويت لاننا لم نرد الكويت، كنا نريد خلق بلد متطور في العراق ومعادلة القوى بين العرب واسرائيل ولم نفكر اصلاً في ان تكون هناك حرب مع اسرائيلquot; ويضيف في مجال اخر quot;كنا نعتقد ان احتلال الكويت سينقل حربنا الى خارج العراق وهو ما يعطينا بعض الفوائد، كان تحليلنا يصب في هذا السياق ولكن الكويت لم تكن في مخططنا لانه لو كانت كذلك لكنا فعلنا ما فعلناه في عام 1990 قبل ذلك التاريخ بـ 15 عاماًquot;.

كان عزيز عرابًا للقاء الذي جمع صدام حسين بسفيرة الولايات المتحدة في العراق ابريل غلاسبي quot;كان الرئيس يريد ايصال رسالة واضحة الى جورج بوش بان العراق ليس عدواً للولايات المتحدة ولم تكن في وارد تهديد مصالح الولايات المتحدة او مصالح الدول المجاورة، كانت الازمة مع الكويت مشتعلة وخلال اللقاء تلقى الرئيس مكالمة من الرئيس المصري حسني مبارك، وقد قال لنا انه كان في الكويت والسعودية وانه نجح في تنظيم اجتماع بيننا في جدة وقد اخبرها الرئيس بهذه المعلومة وقال لها نصاً quot;انظري، هناك اخبار جيدة، الرئيس مبارك اخبرنا انه نجح في تنظيم اجتماع بيننا وبين الكويتيينquot; لهذا كان مرتاحاً من وجود حل سلمي لتلك الازمة وكانت تلك الكلمات بحد ذاتها رسالة الى اميركا ولم تكن تلك الرسالة الاولى وقد كررنا الرسالة في 6 اغسطس بعد ان دخلنا الكويت مع السيد ويلسون مسؤول المصالح الامريكية في العراق حيث قال له الرئيس quot;انظر اريد ان تنقل الى الرئيس بوش بانني لا اريد مواجهة مع الولايات المتحدةquot; وانا مستعد لتحسين علاقتي مع الولايات المتحدة ومستعد لحل الازمة بالوسائل الدبلوماسيةquot;.

يضيف عزيز quot;هناك الكثير من اللغط يدور حول موضوع اللقاء مع ابريل كلاسبي الا ان الحقائق فيما بعد تكشف تفاصيل ما فكرت فيه القيادة العراقية، بعد ساعتين فقط من دخول القوات العراقية للكويت في الثاني من اغسطس غيرت القيادة العراقية مواقعها وبقيت انا لوحدي في مكاني ومكتبي وهذا يدل على ان القيادة العراقية كانت تعرف جيداً ان من الممكن ان تستهدف من قبل الولايات المتحدة بهذه السرعة فلذلك القول ان الاجتماع مع كلاسبي كان يعني اخذ تطمينات امر يوحي بالجنون، في لقائي مع وزير الخارجية الاميركي جيمس بيكر في جنيف قال لي الرجل quot;لديكم مشكلة مع المجتمع الدوليquot; فقلت له quot;كلا، لدينا مشكلة معك، ، انا لا اتكلم مع السكرتير العام للامم المتحدة ممثل المجتمع الدولي، ولكنني اتكلم معك انتquot;.

كان تعامل العراقيين مع قضية الكويت غريباً، يقول خافيير بيريز ديكويلار الامين العام للامم المتحدة وقت الازمة quot;كان عزيز يقترح علي يطالبني بالصبر وممارسة الدبلوماسية الهادئة، فقلت له، لا يمكنك ان تطالب بالدبلوماسية الهادئة وان تقضي اشهر وسنوات من اجل ان تتعامل مع هذه القضية، الوضع جدي للغاية، ولايوجد هناك وقت للانتظار، لكي نحل الازمة خطوة خطوةquot;

ويضيف الامين العام للامم المتحدة الذي تعامل مع عزيز مسبقاً في قضية وقف الحرب الايرانية العراقية quot;لقد اكد لي طارق عزيز وقتها انه سيحاول جهده من اجل حل موضوع السفارات، كان هذا نوع من المرونة بالنسبة إلي ولم يتحدث عن الدبلوماسيين قائلاً فليتدبروا امر انفسهم الانquot;و quot;خرجت بعد 6 ساعات من المحادثات بلا نتيجةquot;.

انحسرت مهمة طارق عزيز في ضرورة اقناع الغرب بمشروعية الغزو العراقي للكويت quot;تذكرت حينما كان يتحدث معي في موسكو بعد غزو الكويت بمحاولته اقناعي بمبررات الغزو العراقي للاراضي الايرانيةquot; كما يقول بريماكوف مبعوث الاتحاد السوفيتي وقتها لحل الازمة.

ويقول عزيز في لقاء اجري معه في برنامج (ليت نايت) على شبكة ان بي سي التلفزيونية في 17 اغسطس 1990 quot;ليس لدينا اي شيء ضد السعودية، ما يقال عن هذا الامر عبارة عن فبركات من قبل الادارة الاميركية وانا اسف لقول ذلك، ولكنها الحقيقة، العراق لم يمتلك اي دافع طوال السنين ليكون ضد السعودية او ضربها عسكرياً، انها حجة امريكية للتدخل في المنطقة، وارسال عتادها الى الخليج، لقد كان المسؤولون السعوديون على علم بمشكلتنا مع الكويت، واسباب الازمة، واننا لم نكن نريد ان تصل الامور الى ما وصلت اليه، لقد قلنا ذلك بوضوح في مؤتمر القاهرةquot;.

ويضيف quot;اخبرنا السعوديين اننا مستعدين لتقديم ضمانات من قبل اعلى المستويات، او تحت نظر الجامعة العربية، ولكنهم لم يقبلوا الاصغاء لنا، لقد قبلوا الاستماع لكم، انهم يستمعون الى التلفيقات والقصص غير الحقيقة التي تجلبها لهم واشنطن، ولهذا نقول ان العراق لا يملك اي شي ضد السعودية، لقد قلت بانه ليس هناك من سبب واحد لنهاجم السعوديةquot;.

كانت الصور الاميركية قد اقنعت السعودية بوجود هجوم مبيت ضدها وتبين بعدها quot;الناس لا يرسلون جيوشهم عبر الحدود من دون سبب، ليست لدينا مشكلة حدودية مع السعودية، ولم نقل سابقاً ان السعودية كانت جزءًا من العراق، لدينا تكامل سياسي واقتصادي مع السعودية، ولا يوجد اي سبب للحرب، انت لا تحرك قطعك العسكرية بدون اي سببquot; وquot;اذا كانت الولايات المتحدة الاميركية ترسل جيوشها واسلحتها لتحمي السعودية، فاقول لها انها تضيع الوقت، لان ذلك يعتبر اعتداء ضد العراق، وتحاول اضعاف العراق، وان تسيطر على المنطقة كلها وتسلب نفطها، وقد توقعنا ذلك حينما تحدث الرئيس صدام في قمة مجلس التعاون العربي في عمانquot;.

بدت فرصة عزيز واضحة ليذكر مخاوف العراق من تعاظم التواجد الاميركي في الخليج بعد ان اعتقد العراق لوهلة انه سيقود الخليج باعتبار دفاعه عن المنطقة على مدى ثماني سنوات quot;لقد جربت الولايات المتحدة الهيمنة على المنطقة لتكون القطب الوحيد المسيطر على النفط، وعلى السياسة النفطية، وسياسة الانتاج والتسعير، من اجل ان تشبع احتياجتها في المقام الاول، وان تنفذ استراتيجتها على مستوى العالمquot; و يضيف quot;لم نرتكب اي عدوان ضد الكويت، قصتنا لها جانب اخر، مسألة الكويت كانت تعيش مع العراقيين منذ فترة بعيدة، ومع كافة سكان المنطقة منذ فترة طويلة، واي سياسي خبير في وضع المنطقة سيعرف هذا الموضوع مباشرةquot;.

المصادر:
مجلات (التايم، فورين افيرز، نيوزويك) الاميركية
ارشيف صحيفة النيويورك تايمز
ارشيف صحيفة لوس انجلوس تايمز
لقاء لطارق عزيز مع برنامج (الفرونت لاين)

في الحلقة السادسة:
quot;على مدى ست ساعات من المحادثات لم اسمع شيئًا منه يدل على المرونةquot;
جيمس بيكر وزير الخارجية الاميركي بعد اجتماع جنيف 1991

[email protected]