شربل بعيني من أستراليا: الجسر الذي بنته الشاعرة آن فيربيرن بين الثقافتين الأسترالية والعربيّة، أصبح في كتابها الجديد (خيوط الشمس) جسوراً عديدة بين ثقافات لا حصر لها، وكأن الكلمة أبعد من الحدود، وأوسع من البلدان، وأسمى من كل اللغات المتراقصة على شفاه الناس. فلقد شيّدت عمارة أول (أنطولوجيا للشعر الأسترالي) بحجارة شعراء بنّائين مغامرين جاؤوا من بلدان أحلامهم لينتسبوا إلى الوطن الحلم، دون أن يتنكّروا للغتهم الأم، أو لتراثهم الإجتماعي والأدبي.
الكتاب من إنتاج (وزارة الهجرة والمغتربين وشؤون الأبوردجنال)، قدّمه الوزير فيليب رادوك بكلمة مختصرة، أختار منها:
"عندما يكتب الشعراء يحملوننا إلى عالـم من الخبرة والإحساس. دهشة الإكتشاف، لوعة الفراق، الإنتماء إلى الأماكن والأشياء. هذه هي بعض الأحاسيس التي جمعتها خيوط الشمس.
مراجعة هذه الأشعار المتتالية تخبرنا أن لا فرق إذا كانت لغتنا الأم هي العربيّة أو الإسكتلنديّة أو الكوريّة، ناهيك عن الأديان والأعراق، طالما أننا كأستراليين نتكلّم لغة واحدة مفعمة بالتقدير والإحترام
كلمة جميلة للوزير رادوك، كانت ستصبح أشد جمالاًً، لو أتى سعادته على ذكر الشاعرة فيربيرن، وتوجيه الشكر لها، باسمنا جميعاً، لأن ما قامت وتقوم به من أجل نشر آدابنا وتلقيحها ببعضها البعض، لأسمى من الشكر، وأكبر من الكلام
إذا استثنينا السكّان الأصليين، أي الأبوردجنال، نصبح كلّنا في الهواء سواء، كما يقول مثلنا العامي، لا فرق بين إنكليزي أو إسكتلندي، أو صيني أو فيتنامي أو عربي أو إيطالي أو يوناني إلى آخره، فالكل انتسب إلى هذا الوطن الحلم أستراليا، والكل أعطاه الفكر والجهد وعرق الجبين وما منّ اللـه عليه من البنات والبنين، ليصبح الوطن الأجمل دون منازع. وهذا ما عملت آن فيربيرن على إظهاره لنا، في (خيوط الشمس) التي جمعتها من كل أصقاع الأرض، ليحضنها كتاب مؤلف من مئتي صفحة، تفرح العيون عندما تتصفّحه، وترتعش القلوب.. فأسماء الشعراء والبلدان التي تحدّروا منها كثيرة، ولكن حبّهم لأستراليا واحد، وكلمتهم في إعلاء شأنها واحدة، وإنسانيتهم في تعايشهم الأخوي واحدة. فهل أجمل من هذه الجسور التي تبنيها شاعرة عملاقة دون الإلتفات إلى الوراء، أو دون أن تجني مكسباً. إنها ابنة عائلة نبراسها الأدب والفن، ومن هذا النبراس جمعت شعاع عمرها، لتصبح، في كل عمل أدبي تقوم به، شمساً مشعّة تنير ظلمات غربتنا، وترمينا على طرقات المجد، بينما نحن ننام في أسرّتنا، أو نغرق في لجج أعمالنا. وصدّقوني أنني عاجز عن تصوير فرحتي عندما أخبروني أن قصيدتي (تازمانيا) كانت من بين مئات القصائد المختارة، التي علّقتها آن فيربيرن على الصفحتين 145 و146 كنجمة باسيفيكيّة، أو كتفّاح تازمانيا المعطّر كأعناق صباياها
عام 1989، ترجمت آن فيربيرن، بمساعدة العديد من شرفاء الكلمة، أكثر من مئة قصيدة لشعراء عرب، أهدتها إلينا باللغتين العربية والإنكليزيّة في أنطولوجيا رائدة أسمتها (الريش والأفق)، وأعترف هنا، أنني كدت أن أكون واحداً من هؤلاء الشعراء العرب، الذين حضنتهم حروف آن فيربيرن المضيئة، لولا بعض الإشكالات التافهة والمضحكة في آن واحد. فلقد ترجمت لي مطلع قصيدة (كيف أينعت السنابل؟) الذي أقول فيه
لا تسلني يا حبيبي
كيف أينعت ألسنابل؟!
رغم رحيل الشمس عن أرضي
وأنّات البلابل
رغم الحرائق والتشرّد
رغم صيحات الأرامل
فبلادي، يا حبيبي، لـم تعد رفّ حمامٍ
ينقر الضوء تباعاً
كي يصير الضوء سائل
يسقي الحقول والتلال الخضر
يجري في شرايين الجداول
كما ترجمت لي الرباعيّة الزجليّة الشهيرة التي أعجبت الشاعر العراقي الكبير المرحوم عبد الوهّاب البيّاتي، التي أقول فيها
سكران وحدي بغربتي سكران
ومسكّر بوابي بوجّ الناس
بحاكي كراسي البيت والحيطان
وبصير إتخانق أنا والكاس
وبهذا أكون أوّل شاعر مهجري في أستراليا عملت آن جاهدة على نقل قصائده إلى الإنكليزيّة، وعلى قراءتها في المهرجانات الشعبيّة، كالمهرجان العربي في ويلي بارك، أو في المكتبات العامّة، كالمكتبة الوطنيّة في كانبرا. كما أنها شاركت باحتفال تكريمي بمناسبة صدور ديواني (مناجاة علي)، وكانت كلمتها سيّدة الكلام
عام 1991، أصدرت كتاب (ذكريات بحرينية) خلدت به امرأة بحرينية اسمها (عائشة يتيم). كما أهدت قصيدة (حديقتان في القاهرة) للعملاق المصري نجيب محفوظ، إثر فوزه بجائزة نوبل للآداب. أما (ربيع أحلام في وادي رم) فقد استوحته من الصحراء الأردنية وأهدته إلى الملك الأردني الراحل حسين في عيد ميلاده. ومن الشاعر فريد الدين العطّار صاحب قصيدة (مؤتمر العصافير)، استوحت قصيدتها الطويلة (مؤتمر أسترالي للعصافير). أما من أدبنا الإغترابي فلقد أخذت من الشاعر وديع سعادة (سماءه السريّة)، لتتوجّها عام 2000 بـ (حلم شعري في ظلال أرز الربّ)، نقله إلى العربيّة الأستاذ أنيس غانـم، وأهدته للرئيس اللبناني آميل لحود في القصر الجمهوري، يوم زارت لبنان، ويسرني أن أكون واحداً من أولئك الشعراء الذين أدخلتهم ملكوت حلمها الرائع
هذا ما أعطتنا إياه (صانعة الأحلام) كما لقبّها الأستاذ إبراهيم العبسي، فماذا أعطيناها نحن؟
يوم كنّا عرضة لاتهامات الإعلام الأسترالي، بأننا نأوي العصابات ونكوّنها، كانت آن فيربيرن تخط حلمها الشعري تحت ظلال أرزنا الخالد.. لتقول للجميع: هؤلاء هم اللبنانيون.. أدباء، شعراء، مبدعون، لا كما يصورّهم الإعلام المنحرف.
&ويوم انهارت القيم الإنسانيّة بانهيار برجي التجارة العالمية في نيويورك، واتهم العرب، كل العرب، مسلمين ومسيحيين، بالإرهاب، كانت آن فيربيرن تمتشق سيف الحق والعدالة لتدافع عنّا، وتتغنّى بنّا وبقيمنا الحضاريّة. ومن منّا ينسى رحلتها التاريخيّة إلى العراق لإنقاذ مواطنينا الأستراليين من جحيم حرب الخليج القذرة، والعودة بهم سالمين إلى أحضان عائلاتهم
آن فيربيرن أدخلتنا التاريخ العالمي من بابه الواسع، وهمست في أذنه: إذا لـم تدخل هؤلاء الأدباء العرب إلى جنّتك، فبئس التاريخ أنت. أفلـم يحن الوقت لندخلها نحن إلى قلوبنا وبيوتنا، ونمنحها شرف المواطنيّة العربيّة، ونقول لها بصوت واحد، من الخليج إلى المحيط: شكراً.. آن فيربيرن. تماماً، كما قالت لها الحاكم العام في ولاية نيو ساوث ويلز السيدة ماري بشير، إبنة لبنان، في رسالة حميمة، أطلعتني عليها آن، لتخبرني أن الدنيا لا تخلو من الكبار الكبار.
الكتاب من إنتاج (وزارة الهجرة والمغتربين وشؤون الأبوردجنال)، قدّمه الوزير فيليب رادوك بكلمة مختصرة، أختار منها:
"عندما يكتب الشعراء يحملوننا إلى عالـم من الخبرة والإحساس. دهشة الإكتشاف، لوعة الفراق، الإنتماء إلى الأماكن والأشياء. هذه هي بعض الأحاسيس التي جمعتها خيوط الشمس.
مراجعة هذه الأشعار المتتالية تخبرنا أن لا فرق إذا كانت لغتنا الأم هي العربيّة أو الإسكتلنديّة أو الكوريّة، ناهيك عن الأديان والأعراق، طالما أننا كأستراليين نتكلّم لغة واحدة مفعمة بالتقدير والإحترام
كلمة جميلة للوزير رادوك، كانت ستصبح أشد جمالاًً، لو أتى سعادته على ذكر الشاعرة فيربيرن، وتوجيه الشكر لها، باسمنا جميعاً، لأن ما قامت وتقوم به من أجل نشر آدابنا وتلقيحها ببعضها البعض، لأسمى من الشكر، وأكبر من الكلام
إذا استثنينا السكّان الأصليين، أي الأبوردجنال، نصبح كلّنا في الهواء سواء، كما يقول مثلنا العامي، لا فرق بين إنكليزي أو إسكتلندي، أو صيني أو فيتنامي أو عربي أو إيطالي أو يوناني إلى آخره، فالكل انتسب إلى هذا الوطن الحلم أستراليا، والكل أعطاه الفكر والجهد وعرق الجبين وما منّ اللـه عليه من البنات والبنين، ليصبح الوطن الأجمل دون منازع. وهذا ما عملت آن فيربيرن على إظهاره لنا، في (خيوط الشمس) التي جمعتها من كل أصقاع الأرض، ليحضنها كتاب مؤلف من مئتي صفحة، تفرح العيون عندما تتصفّحه، وترتعش القلوب.. فأسماء الشعراء والبلدان التي تحدّروا منها كثيرة، ولكن حبّهم لأستراليا واحد، وكلمتهم في إعلاء شأنها واحدة، وإنسانيتهم في تعايشهم الأخوي واحدة. فهل أجمل من هذه الجسور التي تبنيها شاعرة عملاقة دون الإلتفات إلى الوراء، أو دون أن تجني مكسباً. إنها ابنة عائلة نبراسها الأدب والفن، ومن هذا النبراس جمعت شعاع عمرها، لتصبح، في كل عمل أدبي تقوم به، شمساً مشعّة تنير ظلمات غربتنا، وترمينا على طرقات المجد، بينما نحن ننام في أسرّتنا، أو نغرق في لجج أعمالنا. وصدّقوني أنني عاجز عن تصوير فرحتي عندما أخبروني أن قصيدتي (تازمانيا) كانت من بين مئات القصائد المختارة، التي علّقتها آن فيربيرن على الصفحتين 145 و146 كنجمة باسيفيكيّة، أو كتفّاح تازمانيا المعطّر كأعناق صباياها
عام 1989، ترجمت آن فيربيرن، بمساعدة العديد من شرفاء الكلمة، أكثر من مئة قصيدة لشعراء عرب، أهدتها إلينا باللغتين العربية والإنكليزيّة في أنطولوجيا رائدة أسمتها (الريش والأفق)، وأعترف هنا، أنني كدت أن أكون واحداً من هؤلاء الشعراء العرب، الذين حضنتهم حروف آن فيربيرن المضيئة، لولا بعض الإشكالات التافهة والمضحكة في آن واحد. فلقد ترجمت لي مطلع قصيدة (كيف أينعت السنابل؟) الذي أقول فيه
لا تسلني يا حبيبي
كيف أينعت ألسنابل؟!
رغم رحيل الشمس عن أرضي
وأنّات البلابل
رغم الحرائق والتشرّد
رغم صيحات الأرامل
فبلادي، يا حبيبي، لـم تعد رفّ حمامٍ
ينقر الضوء تباعاً
كي يصير الضوء سائل
يسقي الحقول والتلال الخضر
يجري في شرايين الجداول
كما ترجمت لي الرباعيّة الزجليّة الشهيرة التي أعجبت الشاعر العراقي الكبير المرحوم عبد الوهّاب البيّاتي، التي أقول فيها
سكران وحدي بغربتي سكران
ومسكّر بوابي بوجّ الناس
بحاكي كراسي البيت والحيطان
وبصير إتخانق أنا والكاس
وبهذا أكون أوّل شاعر مهجري في أستراليا عملت آن جاهدة على نقل قصائده إلى الإنكليزيّة، وعلى قراءتها في المهرجانات الشعبيّة، كالمهرجان العربي في ويلي بارك، أو في المكتبات العامّة، كالمكتبة الوطنيّة في كانبرا. كما أنها شاركت باحتفال تكريمي بمناسبة صدور ديواني (مناجاة علي)، وكانت كلمتها سيّدة الكلام
عام 1991، أصدرت كتاب (ذكريات بحرينية) خلدت به امرأة بحرينية اسمها (عائشة يتيم). كما أهدت قصيدة (حديقتان في القاهرة) للعملاق المصري نجيب محفوظ، إثر فوزه بجائزة نوبل للآداب. أما (ربيع أحلام في وادي رم) فقد استوحته من الصحراء الأردنية وأهدته إلى الملك الأردني الراحل حسين في عيد ميلاده. ومن الشاعر فريد الدين العطّار صاحب قصيدة (مؤتمر العصافير)، استوحت قصيدتها الطويلة (مؤتمر أسترالي للعصافير). أما من أدبنا الإغترابي فلقد أخذت من الشاعر وديع سعادة (سماءه السريّة)، لتتوجّها عام 2000 بـ (حلم شعري في ظلال أرز الربّ)، نقله إلى العربيّة الأستاذ أنيس غانـم، وأهدته للرئيس اللبناني آميل لحود في القصر الجمهوري، يوم زارت لبنان، ويسرني أن أكون واحداً من أولئك الشعراء الذين أدخلتهم ملكوت حلمها الرائع
هذا ما أعطتنا إياه (صانعة الأحلام) كما لقبّها الأستاذ إبراهيم العبسي، فماذا أعطيناها نحن؟
يوم كنّا عرضة لاتهامات الإعلام الأسترالي، بأننا نأوي العصابات ونكوّنها، كانت آن فيربيرن تخط حلمها الشعري تحت ظلال أرزنا الخالد.. لتقول للجميع: هؤلاء هم اللبنانيون.. أدباء، شعراء، مبدعون، لا كما يصورّهم الإعلام المنحرف.
&ويوم انهارت القيم الإنسانيّة بانهيار برجي التجارة العالمية في نيويورك، واتهم العرب، كل العرب، مسلمين ومسيحيين، بالإرهاب، كانت آن فيربيرن تمتشق سيف الحق والعدالة لتدافع عنّا، وتتغنّى بنّا وبقيمنا الحضاريّة. ومن منّا ينسى رحلتها التاريخيّة إلى العراق لإنقاذ مواطنينا الأستراليين من جحيم حرب الخليج القذرة، والعودة بهم سالمين إلى أحضان عائلاتهم
آن فيربيرن أدخلتنا التاريخ العالمي من بابه الواسع، وهمست في أذنه: إذا لـم تدخل هؤلاء الأدباء العرب إلى جنّتك، فبئس التاريخ أنت. أفلـم يحن الوقت لندخلها نحن إلى قلوبنا وبيوتنا، ونمنحها شرف المواطنيّة العربيّة، ونقول لها بصوت واحد، من الخليج إلى المحيط: شكراً.. آن فيربيرن. تماماً، كما قالت لها الحاكم العام في ولاية نيو ساوث ويلز السيدة ماري بشير، إبنة لبنان، في رسالة حميمة، أطلعتني عليها آن، لتخبرني أن الدنيا لا تخلو من الكبار الكبار.
التعليقات