اغلب الظن ان نتيجة الاستفتاء على الدستور ستكون نعم لكن هذه النعم اشارة فرح لدى البعض وعلى مضض عند البعض الآخر وبينهما جمهور غفير يقولها ولا يعرف لماذا سوى انه يثق برأي المرجعية. وبغض النظر عن اسباب الموافقة او الرفض ومدى عدالة كل منهما واقترابه من الصواب فان ما يمكن توقعه من خروج الدستور سالما هو التاكيد على امكانية توجيه ضربة غير مسلحة لجماعات الارهاب كما حصل في الانتخابات الماضية وتعزيز قوة الاحزاب الاسلامية والكردية الى حين الانتخابات المقبلة التي قد تكون نتائجها مغايرة لسابقتها اما لتطور في الوعي العام او لان التجربة البرلمانية لم تفضي الى تلبية اولى مطالب الناس وهي الامن. في المجال التشريعي لايستبعد ان تكون البداية في دائرة الاحوال الشخصية، فبموجب المادة (39) من الدستور فان المواطنين احرار في الالتزام باحوالهم الشخصية حسب اديانهم ومذاهبهم ومعتقداتهم واختياراتهم، وبالطبع فان هذا لايتم الا بوجود لوائح قانونية متعددة ومحاكم مختلفة ؛ اسلامية ومسيحية وصابئية، جعفرية وحنفية وشافعية وحنبلية...الخ. ان اختلاف احكام الاحوال الشخصية حسب الاديان امر مفهوم لكن المذاهب الاسلامية لاتختلف الا في جزئيات بسيطة، وكان قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959 المعدل قد اخذ بالاصلح من فقه جميع المذاهب. ان هذه المادة المباركة !! من الدستور تقول للناس احذروا الزواج المختلط كي تتوجهوا الى محكمة واحدة لحل خلافاتكم، ويا ايها الشيعة انغلقوا على انفسكم وافعلوا ايها السنة الشيء نفسه. اما من عقدوا زيجات مختلطة فالويل لهم اذا اختلفوا فلن يجدوا محكمة تنظر في قضاياهم لان الدستور قد الغى قانون الاحوال الشخصية دون ان ينص على ذلك. هذه اذاً اولى ثمرات الدستور ولكنها ان صدقت التوقعات ستكون مرة كما ارادها قرار مجلس الحكم رقم 137. غير ان للرئيس جلال الطالباني له رأي آخر فهو يعتقد ان منح الناس حرية في معالجة قضاياهم الخاصة من مقتضيات الديمقراطية (حديثه في السفارة العراقية في لندن) وقد يكون

محقاً لان المادة تشير الى المعتقدات والاختيارات، وعليه فان تقدم رجل وامرأة وقالا لاشأن لنا بالمذاهب والاديان فلنا معتقداتنا واختياراتنا الخاصة، سيكونان على حق لأنهما يستندان الى الدستور، المشكلة الى اين سيتوجها ووفق اي قانون سيحلا اشكالاتهما. هناك امر حسن حملته المادة (29) من الدستور، التي تنص على منع العنف والتعسف في الاسرةوالمدرسة والمجتمع. وهذا المفهوم الجديد في التشريع العراقي ينسف القواعد القديمة التي قامت عليها فكرة تأديب الزوجة والابناء في قانون العقوبات العراقي الذي ينص على عدم اعتبار الفعل جرميا اذا كان استعمالاً لحق التأديب. انها ثورة حقاً على تقاليد جائرة ارهقت العائلة وتجاوزت على مبدأ المودة والرحمة بين الزوجين والرفق بالابناء. كذلك فان هذه تضع حداً لما يجري في المدارس من اساءة واعتداءات على الطلاب.

نقطة تستدعي القلق تتعلق بالجنسية العراقية فقد كانت مسودة الدستور في مادتها الثامنة عشر قد اقرت بان

العراقي هو من ولد لأب عراقي او لأم عراقية، وفي هذا انصاف للمرأة واعتراف بمواطنتها كاملة كما هو

انصاف لآلاف العراقيين من ابناء المهجرين والمهاجرين، لكن تعديلاً طرأ على هذه المادة جعلها كالتالي : ( يعد عراقياً كل من ولد لأب عراقي ولأم عراقية وينظم ذلك بقانون )، اي ان الام وحدها والاب وحده لا يعتبر كل منهما اهلاً لنقل جنسيته الى ولده الا اذا اجتمعا، ومعنى ذلك ان التعديل لايصادر حق المرأة فقط بل حق الرجل ايضاً، بالاضافة الى حرمان الآلاف من ابناء العراقيين من حقهم الطبيعي في الجنسية. ان هذا التغيير الذي الحٌ في طلبه المعترضون العروبيون يبعث من جديد التقسيم الجائر الذي ميزّ بين العراقيين في مواطنتهم وجعلها على درجتين ؛ الاولى(عثمانية) والثانية (تبعية) ايرانية، وذلك وفق قانون صدر في العشرينات، استبطن ارث الصراع بين الامبراطوريتين العثمانية والصفوية وسياسة التمييز الطائفي التي مارسه العثمانيون ضد الشيعة ولم يكن حاملو الجنسية( التبعية) ايرانيين حقاً لكنهم اختاروها كي لا يشاركوا وابناؤهم في حروب الدولة العثمانية من نتائج نعم للدستور ايضاً ان مشاريع قوانين كثيرة ستعرض على البرلمان، فان بدت مخالفة لثوابت احكام الاسلام فسترفض بسرعة لان الامر واضح وهناك وفرة نحسد عليها من ذوي الرأي في الدين، ولكن ان تعارض المشروع مع مبادئ الديمقراطية او حقوق الانسان اين نجد النصوص التي تعيننا بعد ان الغيت تعسفاًالمادة(44) من مسودة الدستور، التي نصت على تمتع العراقيين بالحقوق الواردة في المعاهدات الدولية المعنية بحقوق الانسان. ما اتوقعه ان يستبق الاحداث بعض المنظرين الى اقتراح تشكيل لجنة برلمانية تتولى صياغة ميثاق لحقوق الانسان في الاسلام، فتثبت وتمحو ما تشاء. ان مسودة الدستور اقرت النظام الاتحادي الذي يضع حداً للمركزية التي شابت العهود السابقة، وبمقتضاه يكون من حق الاقاليم ممارسة السلطة التشريعية وفي هذه النقطة تكمن مخاوف كبيرة، فلو ان الدولة الاتحادية المقبلة اقتصرت على اقليمين ؛ عربي وكردي ولامركزية واسعة في المحافظات لهان الامر، لكن الدستور يتيح قيام اقاليم متعددة لكل منها صلاحيات تنفيذية وقضائية

وتشريعية وهي الاخطر. ووفق ذلك سيشهد الجنوب مثلا تشريعات تلزم المرأة بالحجاب بخاصة في منطقة البصرة التي تئن تحت وطأة النفوذ الايراني، بالاضافة الى استصدار قوانين لمنع النساء من تولي وظائف معينة والتحكم في المناهج الدراسية واستيراد المفردات التربوية من الجارة ايران، وامام كل ذلك لايمكن الاحتجاج بمخالفة ذلك لمبادئ الديمقراطية لغياب النص في مقابل هيمنة دينية تستنطق النصوص بما لم ينزل الله به من سلطان. المادة الثامنة عشر على درجة كبيرة من الاهمية بالنسبة لقادة العراق فغالبيتهم من ذوي الجنسية المزدوجة، وهذه المادة التي تجيز ازدواج الجنسية، تحتم على من يتولى منصبا سياديا او امنيا رفيعا ان يتخلى عن اي جنسية مكتسبة. فهل يمكن ان يضحي هؤلاء بجنسياتهم المكتسبة في زمن اللجوء ويتمسكوا بعراقيتهم القلقة ؟ ام تراهم سيتخلوا عن مناصبهم الرفيعة نشداناً للاستقرار ؟ ام انهم سيؤجلوا صدور القانون الذي سينظم امر تخليهم عن جنسيتهم الثلنية، الذي تتطلبه المادة (18) ؟ ام ان الانتخابات المقبلة ستحسم هذا المأزق وتأتي بقادة جدد لايحملون سوى الجنسية العراقية ؟ ولعل اؤلئك سيكونون اكثر قدرة على مصافحة الخطر والنزول الى الشارع. وللانصاف اقول ان معادلة الخارج والداخل التي يتداولها العراقيون لاتصدق على القادة الكرد لأنهم بقوا في الداخل بفضل الحماية الدولية. هذه بعض التوقعات من قول نعم للدستور، وما تضمنته من سلبيات لا ينبغي ان تحجب الايجابيات التي تتعلق بالضمان الاجتماعي والرعاية الصحية ومنع النزعات العنصرية وتحريم الاكراه الديني والسياسي واتاحة التعددية الحزية وفتح المجال امام مؤسسات المجتمع المدني، وغير ذلك كثير.ان الاهم من الدستور هو كيفية تطبيقه وحل الخلافات بشأنه مستقبلاً وهذا ماستتولاه المحكمة الدستورية او الاتحادية العليا والسؤال المؤرق هو هل ستخضع هذه المحكمة لهيمنة الفقهاء ؟ ام ستكون مدنية تستأنس برأيهم وان تحققت الهيمنة، هل سيسلك هؤلاء سلوك زملائهم في مجلس صيانة الدستور في ايران؟
ما ينعقد عليه الامل ان تلعب هذه المحكمة دوراً ايجابيا في تفسير القواعد الدستورية بما ينسجم مع تطور الحياة وعلى كل حال فان كثيراً ممن سيدلون باصواتهم لايحملون نعم كاملة ولا لاءً مجردة فالدستور اذاً بين المنزلتين.


بدور زكي محمد
كاتبة عراقية.