في ثقافتنا أن كلمة لو تفتح بابا للشيطان.. فهل هي كذلك؟..
ألا يمكن أن تفتح كلمة لو بابا للتساؤل.. فمحاولة البحث عن إجابة مما يفتح أفاقا جديدة وحلولا لمشاكل كثيرة تواجهنا ستظل كامنة لأننا لم نسأل أنفسنا ماذا لو فعلنا شيئا مختلفا؟.. ماذا لو سلكنا طريقا مختلفا؟
ليس معني أن نسأل أنفسنا هذا السؤال.. هو مجرد التساؤل.. ولكنه التعلم من أخطاء الماضي.. والتعود علي دراسة البدائل قبل اتخاذ القرار..
وسأسأل نفسي هذا السؤال مرورا بمراحل تاريخية مهمة.. أعتقد أن الآحداث لو سارت فيها بطريقة مختلفة.. أو تم اتخاذ قرارات مختلفة لكان حالنا أفضل كثيرا..
ماذا لو لم يقتل الخوارج سيدنا علي ابن أبي طالب مما فتح الباب لانتصار معاوية بن أبي سفيان؟ أكان سيكون حال المسلمين مثل ما هو عليه الآن.. أكانوا سيتفرقون الي ملل ونحل وطوائف متناحرة؟..
ماذا لو قبل سيدنا عثمان التنحي ولم يطلق قولته الشهيرة هذا قميص ألبسينه الله فلا أخلعه.. هل كان هذا سيفتح الباب لثقافة التداول السلمي للسلطة.. بدلا من أن يكون عزرائيل هو الوسيلة الوحيدة لفعل ذلك منذ تلك اللحظة وحتي الآن..
ماذا لو انتصر المعتزلة في معركتهم الفكرية مع احمد بن ابن حنبل ولم ينتصر المتوكل لثقافة النقل؟ هل كان ممكن أن يستمر الاسهام الحضاري للمسلمين مثلما كان في عهد فلاسفة المسلمين من ابن سينا و الفارابي والرازي..
ماذا لو انتشر فكر ابن رشد في الشرق كما انتصر في الغرب وساعد في انتشار التنوير في الغرب المسيحي وحرم العالم الاسلامي من فكره..
ماذا لو لم يحرق الحلاج ويقتل السهروردي؟.. أكان سيساعد هذا علي تقبل فكرة حرية الفكر بل وشططه في عالمنا؟..
ماذا لو لم يتم أجهاض محاولات محمد عبده واجتهاده الديني في بداية القرن العشرين علي يد رشيد رضا وانقلابه علي أفكاره علي أفكاره؟.. وعلي يد جماعة الاخوان المسلمين!!..
ماذا لو تبنت الدولة المدنية المصرية قبل ثورة يوليو في عهد الملكية العدالة الاجتماعية كما تبنت الديمقراطية؟.. أو ماذا لو تبني عبد الناصر الديمقراطية كما تبني العدالة الاجتماعية والتحرر من الاستعمار،، أكان سيفتح هذا الطريق لمصر والعالم العربي للحاق بدول العالم المتقدم..
ماذا لو قبلنا بقرار تقسيم فلسطين الصادر من الأمم المتحدة في عام 47؟.. الم يكن هذا معناه حلا عادلا ونهائيا للقضية الفلسطينية.. وتوفيرا لكم هائل من العذاب للشعب الفلسطيني بل وللشعب اليهودي.. وتوفيرا لمجهود كان من المفروض ان يتجه نحو التنمية الاقتصادية لشعوب منطقة الشرق الاوسط.. بل وسحب البساط من تحت أقدام انظمة استبدادية استغلت القضية الفلسطينية ومازالت لقهر شعوبها والتحكم في السلطة والثروة..
ماذا لو لم يندفع عبد الناصر في حرب 67 ويبتلع الطعم من غير أن يكون مستعدا عسكريا واقتصاديا لمواجهة اسرائيل؟ ألم تكن القدس والضفة الغربية مازالت بأيدينا حتي الآن؟ أليست العودة الي حدود ماقبل 67 هي أقصي حدود مطالبنا الآن؟
ألم تكن حرب 67 ليست فقط هزيمة عسكرية بل انتكاسة لكل برامج التنمية الاقتصادية والحضارية في مصر والعالم العربي.. وسببا رئيسيا في عودة الدروشة والاصولية الدينية وفي ظهور وانتشار كل حركات التطرف الديني التي ولدت منها جماعات الارهاب التي استعدت العالم كله علينا..
ماذا لو لم يرتكب السادات غلطة عمره وترتكب أمريكا أيضا غلطة عمرها؟.. بتشجيع التيارات الدينية المتطرفة.. هو للتغلب علي التيارات اليسارية والناصرية وأمريكا للتغلب علي الشيوعية،، فارتد السحر علي الساحر..
التيارت التي شجعها السادات قتلته.. والتيارات التي شجعتها أمريكا ومولتها وسلحتها هي وأنظمة الشرق الاوسط بحجة القضاء علي الشيوعية والاتحاد السوفيتي انقلبت عليها.. والنتيجة مانراه الآن من ارهاب وحرب علي الارهاب.. كلفت وتكلف أمريكا والشرق الاوسط المليارات من الدولارات والكثير من أرواح الابرياء.. وغرقت أمريكا نفسها في مستنقعي أفغانستان والعراق.. الاتحاد السوفيتي كان يحمل بذور سقوطه مثل اي نظام مستبد يقهر شعبه ويحرمه من الحرية.. والحرب الباردة لم تكن تكلف أمريكا والعالم كل هذه المليارات من الدولارات التي كانت ممكن أن تصرف علي التنمية الاقتصادية في دول العالم الثالث وعلي راسها دول الشرق الاوسط.. التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية في الشرق الاوسط كانت ستكون هي الضامن والمانع لنمو اي تيارات دينية متطرفة ارهابية.. أن الفقر وانعدام العدالة هما البيئة التي ترعي الارهاب وتفرخ المتطرفين..
ماذا لو فهم الحزب الوطني أن قهر المعارضة والاحزاب المدنية وانعدام العدالة الاجتماعية هو الذي ترك الشارع المصري مؤهلا لسيطرة التيارات الدينية عليه لأنها تعده بمن يلجأ اليه وقت الشدة.. هل كان يتخيل الحزب الوطني أو أي حزب آخر أنه يستطيع أن ينافس الله في اي انتخابات.. إن اي حزب يرفع شعار الله حتي لو كان بدون وجه حق في اي انتخابات تجري في بلد الشعب فيها مقهور اقتصاديا ويفتقد اي نوع من انواع العدالة الاجتماعية.. لابد أن يكسب هذه الانتخابات.. والدليل ماحدث في مصر من نجاح للإخوان ولو لم يضطر النظام الي التدخل السافر لفقد الاغلبية في هذه الانتخابات.. والدليل ايضا ما حدث في العراق فقد استطاعت الاحزاب التي ترتدي عباءة الدين والله سواء كانت شيعية او سنية أن تحرز انتصارا كبيرا علي الاحزاب المدنية..
وهذا دليل علي قصر نظر السياسة الامريكية وإدارة بوش.. التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية لابد أن يواكبا أي اصلاح سياسي وديمقراطي إن لم يكونا أهم منه.. فبدونهما لن تكون هناك ديمقراطية ولن يمكن التغلب علي الاصولية والارهاب..
وأخيرا سأسأل نفس ماذا لو كنت قبطيا؟
كنت ساشارك مشاركة ايجابية في الاصلاح الاقتصادي والسياسي الذي يضمن العدالة الاجتماعية والحقوق الاساسية لكل المصريين.. فحصول المصريين جميعا علي حقوقهم الاقتصادية والسياسية سيقلل الاحتقان الطائفي والتحزب الديني وسيمهد الطريق الي حصول الاقباط علي حقوقهم المشروعة ومعهم كل فئات المجتع المقهورة وعلي رأسها المرأة..
كنت سأعمل علي أن يستخرج كل قبطي مصري بطاقة انتخابية وأشجعهم علي الانخراط في الاحزاب المدنية كل حسب اتجاهه السياسي وليس الديني من أحزاب يسارية وليبرالية..
كنت سأعمل علي أن يكون الاقباط في مصر قوة انتخابية تعمل حسابها جميع الاحزاب وتتسابق علي خطب ودها وإعطائها حقوقها..
كنت سألجأ الي كل الطرق المشروعة والسلمية من قضاء وإعلام ومنظمات المجتمع المدني المحلية والعالمية.. إن كنت أعتقد أن لي حقا مشروعا حرمت منه.. سواء في تولي الوظائف المدنية من اصغرها الي أهمها أو في أداء مشاعري الدينية بحرية ومن ضمنها بناء دور العبادة....
ماذا لو؟ اسئلة كثيرة لايتسع لها هذا المقال..
ولا يبقي ألا السؤال هل لو تفتح فعلا بابا للشيطان.. أم تفتح بابا للتساؤل وحرية العقل والفكر.. وتفتح الباب للفلسفة التي يتفوق بها الغرب والاهم اسرائيل علينا.. أن نفكر في البدائل والأثار المترتبة علي كل منها قبل اتخاذ اي قرار.. خاصة القرارات المصيرية..
د. عمرو اسماعيل
التعليقات