العراق عاني و يعاني من الحدود مع الدول العربية. منها ما يتعلق بإعادة الترسيم بينه و بين الكويت و منها المنافذ التي يتسلل الإرهاب إليه. و كلاهما أمرا معقدا و مقلقا. الكويت دفعت ثمنا باهظا لتلك المشكلة و اليوم يدفعها العراق بطريقة أخرى.

و المحصلة خسارة كبيرة للأطراف جميعا.

قد يكون العراق ليس الوحيد في العالم ذو مشكلة الحدود، فهي قضية عالمية في ظل أساليب الترسيم التكنولوجية المتطورة و حسابات المثلثات باستخدام تقنية الأقمار الصناعية. و لكن بلا شك العراق هو الآن مسجى على طاولة الجراحة المستعصية.

المسؤولية مشتركة بين الأمم المتحدة و جامعة الدول العربية لحل تلك القضية الحدودية.

ويعتقد البعض انه لا بد من عقد قمة لهذا الشأن التاريخي و إنهاء حالة التوتر الذي يظهر و يختفي، ثم يعود للظهور و يتردد في الأروقة و يخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي في المنطقة.و آخرون يرون أهمية عقد مؤتمر يناقش أيضا الحدود المفتوحة التي يتسلل منها الإرهاب إلى العراق و يهدد أمنه واستقراره و شعبه و مسيرته الديمقراطية الجديدة.

مجلس الأمن كان قد طالب العراق والكويت في القرار660 لعام (1990) "بالبدء فوراً بإجراء مفاوضات مكثفة لحل خلافاتهما"، التي من بينها يعد حل المسألة الحدودية الأكثر أهمية.
وأعتمد مجلس الأمن القرار 687 لعام (1991)، والذي نص على إجراءات ترسم الحدود الدولية بين العراق والكويت، ضمنها خارطة بريطانية مرسومة في عام 1989-1990 من قبل مدير عام المساحة العسكرية في المملكة المتحدة وقد تم تداولها كوثيقة من وثائق مجلس الأمن بناءً على طلب الممثل الدائم للمملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة في رسالته المؤرخة 28/آذار/1991.

اعتمد تثبيت النقاط الحدودية على اعتبار خرائطي تستند بصورة جوهرية إلى المراسلات والخرائط البريطانية التي يعود تاريخها إلى الفترة التي كانت خلالها بريطانيا القوة الاستعمارية المهيمنة في المنطقة وعملية تبادل الرسائل لعام 1932 بين حكومة العراق وأمير الكويت.

عند ترسيم الحدود البرية كان الخلاف بشأن نقطة انعطاف مسار الحدود في صفوان، أما الحدود البحرية فكان من الصعب التعامل مع ترسيمها. وكان هذا يُعزوا إلى أن التفويض المذكور لم يخول اللجنة التعامل مع مسار الحدود في ما وراء نقطة ارتباط خور الزبير مع خور عبد الله (ما وراء تلك النقطة حتى البحر) ما لم توافق الأطراف على غير ذلك وان اللجنة المشكلة من قبل الأمم المتحدة لم يكن بمقدورها توسيع حدود تفويضها على مسؤوليتها الخاصة.

. كما أوضحت وللمرة الأولى "إن لجنة الحدود ليست بصدد إعادة توزيع الأراضي بين الكويت والعراق وإنما هي تضطلع ببساطة بمهمة فنية ضرورية لترسيم الإحداثيات المضبوطة للحدود الدولية بين الكويت والعراق للمرة الأولى".

الخلافات هي حول المياه البحرية الإقليمية و هل أن منطقة خور عبد الله هي جزء من المنطقة البحرية الإقليمية، خصوصا و إن اتفاقية قانون البحار، لعام 1982 لتعيين المنطقة البحرية تنص على أساس آخر بدلاً من الخط المار في الوسط عندما لا يكون هناك اتفاق بين الأطراف. الخلاف أيضا يمتد إلى التدقيق بشأن الحدود الشمالية وسؤال مهم هل تقتطع أم قصر وحقول نفط وأراضي من العراق أم لا و لصالح من؟.

سقط النظام الديكتاتوري في العراق و معه سقطت الحدود. اهتم العالم برحيل الديكتاتور و إنهاء الأفكار البعثية و بداية عصر ديمقراطي و نموذج جديد في المنطقة و تناسى قضية الحدود المتنازع عليها و الحدود المفتوحة لكل من هب و دب.

و في الوقت الذي تنادي الجامعة العربية "شفويا" بوحدة العراق الداخلية و أهمية الحفاظ على اراضيه وحدة متكاملة، نراها تتحدث بلا خرائط أو وثائق أو لجان فنية في الوقت الذي تنشط كالعادة اللجان الغربية المحملة بالوثائق و الخرائط و الوثائق.

و مع هذا السقوط الحدودي في العراق يكتشف العالم سقوطا من نوع آخر للحدود، من بعض دول الجوار، التي تسمح بدخول الإرهاب و تسلل القتلة و المهربين و تجار المخدرات و السلاح في ظاهرة تبدو مقلقة و بحاجة إلى إعادة نظر.

الحدود المفتوحة بلا رقابة و بدون تدقيق امني تشكل إنكارا خطيراً لحق العراق التاريخي في التمتع بالأمن و الاستقرار و تساهم في استمرار العنف و القتل و مسلسلات التفجير و التهريب و سرقة آثار العراق. إن الحدود المنفلتة لدى بعض من الدول المجاورة للعراق، والى الحد الذي يصبح معه العراق عملياً دولة برية و بحرية بلا حدود، اشد ضررا من كل ما تعرض و يتعرض له شعب العراق.

إن صيانة السلم والأمن الدولي تقع ضمن صلاحيات مجلس الأمن الدولي و الأمم المتحدة.

أما جامعة الدول العربية فهي مسئولة عن الحفاظ على حدود الدول العربية في سجلاتها و توثيقها و ترسيمها و الدفاع عنها و إلا سيضطر العرب العودة دوما إلي وثائق أجنبية و مصالح خارجية تتعامل مع المنطقة العربية من منطلق "مال بلا صاحب " أو " مولد و صاحبه غايب ".

[email protected]
د.عبد الفتاح طوقان